أعلن رئيس مجلس الوزراء
المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتخذ إجراءات حالية من شأنها قصر الدعم على
طفلين فقط لكل أسرة، سواء في منظومة البطاقات التموينية أو بمشروع "تكافل وكرامة"، وذلك للمواليد الجدد.
وأضاف مدبولي: "الحكومة تبذل كل الجهد للحفاظ على ما تحقق، وبناء دولة قوية، إلا أن معدلات
الزيادة السكانية تعوق مسار
التنمية، وهو ما يتطلب تضافر كافة الجهود لتحقيق نجاح حقيقي في هذا الملف، باعتباره مسؤولية مجتمعية متكاملة". وشدد على أهمية رفع الوعي المجتمعي المتعلق بهذه القضية، والتنسيق مع الجهات الدولية للعمل على تحقيق نجاحات في هذا الملف المهم، معتبراً أن ضبط معدلات نمو الزيادة
السكانية هو قضية تتعلق بـ"الأمن القومي للبلاد"، بما يستلزم "العمل على خفض معدلات
الإنجاب الحالية".
وهكذا كما يقول المثل الشعبي: "رجعت ريما لعادتها القديمة". فرئيس الوزراء يعلن سلاح الحرمان من الدعم المشوه والمفقود، لكل من تسول له نفسه ويأتي بطفل ثالث. بل ونفس الأسطوانة المشروخة لرئيسه يرددها بأن الزيادة السكانية تعوق التنمية، وهو في حقيقته لا يعرف معنى التنمية لا شكلا ولا مضمونا ولا سببا، وهي غائبة عن مصر بفعل فاعل لا صلة للزيادة السكانية بها.
ثم يستطرد مدبولي معلنا استعانته بالمؤسسات الدولية، وقد أخذت الخيط منه وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط، لتعلن أنها "ستكثف جهودها مع جميع المؤسسات الدولية للتعاون في هذا الملف، متوقعة أن تلقى مصر مساندة كبيرة من مختلف الجهات لتحقيق تقدم في ضبط معدلات الزيادة السكانية".
أما العجب العجاب في كلام مدبولي فهو نظرته العكسية للعلاقة بين الزيادة السكانية والأمن القومي لمصر، في الوقت الذي تشهد التجارب التنموية العالمية قيمة الزيادة السكانية في وجودها.
إن الناظر لواقع العالم من حولنا يجد أن الزيادة السكانية هي خير مؤهل للتنمية إذا تم إحسان استغلاها، وتحقيق الكرامة الإنسانية لكل فرد في المجتمع وعدم تقييد حريته. وهذه الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم يبلغ عدد سكانها 327.2 مليون نسمة. كما أن الصين يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، وتمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقد وجدت أن دخولها مجال
تحديد النسل بطفل واحد جاء وبالا عليها، حيث أصبح وأد نطفة البنات هو الشغل الشاغل للصينين، وأصبح عدد الذكور يزيد على عدد الإناث، مما اضطر الحكومة الصينية إلى الرجوع عن قرارها. كما أن اليابان التي تعاني من ندرة الموارد يبلغ عدد سكانها نحو 128 مليون نسمة، وتمثل ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وكذلك الهند تمثل سابع أكبر اقتصاد في العالم، ويبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة.. فكيف بمصر وقد سماها الله خزائن الأرض ووهبها الموارد الطبيعية والسكانية والمالية، ومع ذلك نجد من يجني عليها بفساده معلقا شماعة فشله التنموي على الزيادة السكانية، التي هي في حقيقتها أقل مما منحها الله تعالى مصر من موارد؟.. ولكنها موارد سيطر عليها الكبار وتركوا فتاتها لعموم الشعب، فباتت مصر تعاني من مشكلة نهب الموارد.
لقد عرفت الدول الكبرى صاحبة مشاريع التنمية قيمة الإنسان ومكانته وأساسه للتنمية فها هي فنلندا تمنح إحدى مقاطعتها 10 آلاف يورو لكل مولود جديد، وهذه تركيا تمنح للمولود الأول 300 ليرة والثاني 400 ليرة والثالث وما بعده 600 ليرة، وكذلك تفعل روسيا والدول الغربية، بل إن الكيان الصهيوني يعطي منحة للمولود الأول 1,783 شيكل، وللثاني 802 شيكل، وللثالث 535 شيكل، وللتوأمين 8,915 شيكل، وللثلاثة توائم 13,373 شيكل.
إن النظرية المالتسية التي عفا عليها الزمن وثبت خطأها ويرددها الآن أصنام السيسي، ليست إلا مخادعة لمداراة الفشل. فقد صاغ مالتوس نظريته الشهيرة عام 1798م، وترى هذه النظرية أن وتيرة التكاثر الديمغرافي (السكاني) هي أسرع من وتيرة ازدياد المحاصيل الزراعية وكميات الغذاء المتوفرة للاستهلاك. وهذا من شأنه أن يؤدي في المحصلة إلى اختلال التوازن بين عدد السكان من جهة وإنتاج الغذاء اللازم لإطعامهم من جهة أخرى، مما ينذر بمشاكل اقتصادية واجتماعية خطيرة من فقر وجوع، وبروز لظواهر مجتمعية سيئة كالتشرد والتسول واحتراف النصب والسرقة.
ويرجع السبب في حصول هذه الفجوة بحسب مالتوس إلى أن البشر يتكاثرون كل 25 سنة وفقا لمتتالية هندسية (1، 2، 4، 8، 16، 32... إلخ)، بينما الموارد تتزايد بمتوالية عددية، أي أن أعداد السكان ستتضاعف بعد كل ربع قرن وستستمر في الزيادة إلى ما لا نهاية ما لم يقف عائق أمام هذا النمو (مجاعات، حروب، أوبئة، كوارث طبيعية، تنظيم النسل..). وكان من حلول مالتوس الدعوة للعزوف عن الزواج أو تأجيله وتحميل المشكلة للفقراء، ومن ثم يتعين على الدولة أن تلجم نفسها عن تقديم المساعدات الاجتماعية لهم لأنهم السبب الأول في المأساة التي يعيشونها بتكاثرهم.
إن المصريين كغيرهم من خلق الله تعالى خلق الله لهم فم واحد ويدين، واليدين الاثنتين قادرتين على إطعام الفم الواحد، ومصر لا تعاني من ندرة الموارد، ففيها من الوفرة والكفاية بما يفي حاجة سكانها، ولكن ما تعانيه هو من العسكرة وفساد السلطة ونهب الثروة وبيع أصولها والتفريط في أرضها ومياهها. كما أنه إذا كان كل عام يولد آلاف المصريين، فإنه في الوقت نفسه تولد مئات الأفكار والمخترعات القادرة على تحقيق التخصيص الأمثل للموارد.
إن ما يحدث بمصر من تصعيد المشكلة السكانية هو حلقة في سلسة الفشل، وسلسة التفريط في موارد مصر ليمتد من الموارد الطبيعية إلى الموارد البشرية.. فهل من منقذ؟!