طرحت وزارة الإسكان في حكومة الاحتلال الإسرائيلية مؤخرا، مشروعا لإقامة حي استيطاني شمال مدينة القدس المحتلة، يضم آلاف الوحدات الاستيطانية، ويقام مكان مطار قلنديا الدولي المغلق منذ سنوات بأمر من الاحتلال.
وبهذا المشروع تكتمل المحاصرة
الاستيطانية لمدينة القدس المحتلة من جميع الجهات، ما يصعب تواصل الفلسطينيين
بالضفة الغربية المحتلة مع المدينة، ولكن الأمر الأخطر بحسب مراقبين فلسطينيين، هو
أن هذه المنطقة تم إدراجها ضمن بنود ما تسمى "صفقة القرن" كمناطق سياحية
فلسطينية.
لكن ذلك لم يمنع الاحتلال من إعلان
إقامة المشروع الجديد، الذي سيتم تخصيصه للمتدينين من المستوطنين، مع إقامة منشآت
صناعية وتجارية ضخمة، كما سيقضي المشروع على أمل الفلسطينيين بإعادة فتح مطارهم
الوحيد.
وفي هذا الإطار، أوضح المهندس
المتابع للمشاريع الاستيطانية ناصر أبو الليل أن "المستوطنة تأتي محاذية
تماما لمخيم قلنديا ومدينة رام الله، وتحاصر القدس بشكل مطلق وتبتلع الحي الشرقي
من بلدة قلنديا وكامل مطار القدس".
اقرأ أيضا: وزير حرب الاحتلال يقر بناء آلاف الوحدات الاستيطانية بالضفة
وقال أبو الليل لـ"عربي21"
إن "مدينة القدس محاصرة فعليا من الجهات الجنوبية والغربية والشرقية بالعديد
من المستوطنات الكبيرة؛ ويأتي هذا المشروع ليكمل الطوق عليها ويحاصرها من الجهة
الشمالية، وبالتالي يقضي على أي تواصل جغرافي بين القدس ومحيطها من كل الجوانب".
وأكد أنه "لن يتبقى للأحياء
العربية في القدس أي تواصل ديمغرافي بأي شكل كان، بل يجري الحديث عن تحويلها
لكنتونات معزولة ومتفرقة عن بعضها"، لافتا إلى أن بنود ما تسمى بصفقة القرن،
صنفت هذه المنطقة إلى سياحية ومنطقة استثمار للفلسطينيين، وتشيجع سياحي للمسلمين،
الذين ينوون زيارة القدس، بحيث تكون مكان الاستقبال لهم.
وبيّن أن "الإعلان عن المستوطنة
جاء بمساحة 1200 دونم، ولكن بقيت مساحة 500 دونم من قرية الجيب في منطقة قريبة،
والتي سيتم التهامها عاجلا أم آجلا لتوسيع المستوطنة، لأنها منطقة محاصرة من كل
جانب، وبالتالي ستمدد إلى أكثر من نصف المساحة".
وأشار إلى أن "هذا المخطط
الاستيطاني يجري الحديث عنه منذ 15 عاما؛ حيث كانت حكومات الاحتلال تتحدث عنه بين الحين
والآخر، لأن الظروف الدولية لم تكن ملائمة لإعلانه بشكل رسمي".
واستدرك قائلا: "لكن مع الحديث
عن صفقة القرن أصبح متاحا لطرحه وبدء بنائه، حيث ستتم إقامة تسعة آلاف وحدة
استيطانية بينها 800 للعجزة وذوي الحالات الخاصة، كما سيتم إنشاء مناطق صناعية
وتجارية بمساحات كبيرة جدا".
اقرأ أيضا: نتنياهو يكشف عن خطط لبناء 5200 وحدة استيطانية بالقدس
ولفت أبو الليل إلى أنها مدينة مخصصة
للمستوطنين المتدينين الذين يزيد عدد أفراد عائلاتهم عن ثمانية أشخاص، وبالتالي
الحديث يدور عن عدد مستوطنين كبير جدا يتجاوز 70 ألف مستوطن في المشروع، وهو ضعف
عدد سكان منطقة بيت حنينا شمال القدس.
ويضيف: "المنطقة معظمها أراض
فارغة، لأنها كانت تضم مطار قلنديا الدولي؛ ولكن هناك ما لا يقل عن 25 منزلا مع
مسجد يسمى بالمسجد الكويتي أو مسجد المطار، كانت تستخدمه القوات الكويتية قبل حرب
عام 1967، وهذه المنازل تم استثناؤها من المخطط وتحويلها إلى جزيرة وسط المشروع".
ويتابع: "هناك 20 منزلا أخرى تم
تسليمها أوامر هدم من أجل تسهيل إقامة المستوطنة، رغم أن معظمهم مشيد منذ ما قبل
عام 1967، لأن الاحتلال يمنع أصلا البناء في هذه المنطقة، وبالتالي سيتم هدمها ولن
يتمكن أصحابها من بناء منازل بديلة في أماكن أخرى، بسبب ما يتعرض له الفلسطينيون
في محيط القدس من صعوبات في الحصول على تراخيص للبناء، والعقبات التي تضعها بلدية
الاحتلال من أجل منعهم من بناء المنازل".
خيارات السلطة
وأمام استمرار الاحتلال في محاصرة
مدينة القدس ومصادرة أراضيها، يرى الفلسطينيون أن خطوات جادة يجب اتخاذها على
الصعيد الرسمي لمواجهة مثل هذه المشاريع، بينما يرون بأن تلاشي حلم إقامة الدولة
الفلسطينية جاء نتاج سنوات طويلة من الانحياز الأمريكي للاحتلال.
ويرى محافظ القدس عدنان غيث أن "ما
يجري هو استكمال لمسلسل القضاء على حلم إقامة دولة فلسطينية، عن طريق تشريعات
وعطاءات لبناء أحياء استيطانية من شأنها محاصرة القدس".
ويقول غيث في حديث لـ"عربي21"
إن "المشروع الذي ينوي الاحتلال إقامته مكان مطار قلنديا هو مستوطنة ضخمة،
أعلن عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيا نيته لبنائها كي تعزل
جغرافيا الامتداد الطبيعي بين محافظتي القدس ورام الله والبيرة".
وأكد أن هذا المشروع إمعان في سلخ
القدس عن عمقها "وإعلان غير شرعي وباطل ومرفوض"، وهي تخالف قرارات
الشرعية الدولية التي قالت إن الاستيطان غير شرعي، وعلى إسرائيل التراجع عن
المستوطنات التي تبتلع الضفة والقدس.
اقرأ أيضا: خطة إسرائيلية ضخمة لبناء 9 آلاف وحدة استيطانية شمال القدس
وأشار غيث إلى أن "ما تم طرحه
فيما تسمى صفقة القرن كان يدور فيها حديث أن هذه المساحة المنوي إقامة المستوطنة
عليها، هي مخصصة لبناء مشروع سياحي يخدم الدولة الفلسطينية"، مبينا أن "ذلك
دليل على أن الاحتلال يضرب بعرض الحائط كافة القوانين الدولية، ويريد أن يجسد ذلك
على أرض الواقع".
وأردف قائلا: "لم يكن الاحتلال
ليصل لهذا التعدي اليوم إلا بفضل الانحياز الأمريكي، الذي يوفر المظلة السياسية
لاستمراره في ارتكاب جرائم حرب وتطهير عرقي بحق شعبنا الفلسطيني، فما يجري في
القدس من تصاعد في الهجمة الشرسة والاعتداءات والاستباحة للمسجد الأقصى ومجزرة
الهدم والإبعادات المتنوعة والاقتحامات والهجمات الأخطبوطية؛ كل ما يجري يجسد
مسألة حرمان شعبنا الفلسطيني وانعدام أي أفق سياسي يأتي بدولة فلسطينية".
وأوضح أن "سببا آخر يندرج ضمن إطار الهجوم
الاستيطاني على مدينة القدس وهي الانتخابات الإسرائيلية القريبة؛ حيث يستخدم
الفلسطينيين وقودا للدعاية الانتخابية بمزيد من التوسع الاستيطاني"، على حد
قوله.
خيارات السلطة
أما عن خيارات السلطة الفلسطينية في
مواجهة مثل هذه المشاريع، أكد غيث أن "القيادة الفلسطينية أعلنت موقفها
الواضح منذ تولي دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية؛ وعبرت عن رفضها لكل الصفقات التي
تنتقص من شرعية الثوابت الفلسطينية الأساسية وهي القدس واللاجئين والحدود وكل
مكونات الدولة الفلسطينية التي يرسمها مجلس الأمن أو المنظومة الدولية".
وأشار إلى أن "السلطة رفضت هذه
الصفقة، وأن تكون الولايات المتحدة راعية للسلام في الشرق الأوسط، وذلك لأنها قامت
بممارسات عدة تنتقص من السيادة الفلسطينية وتدمر حلم الدولة ومنها نقل السفارة
الأمريكية إلى القدس وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ووقف المساعدات وتقليصها
وتجفيفها ومنع جهات معينة من دعم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين
"الأنروا" للقضاء على حق الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم"، وفقا
لتعبيره.
وبحسب رأي غيث، "إذا أردنا
تقديم شيء وفاء للقدس والمسرى ومقدرات شعبنا، علينا أن نحصن جبهتنا الداخلية
واستعادة وحدتنا بين شطري الوطن؛ لأن الهجمة تنقض على ما تبقى وتنهي إنجازنا
ومشروعنا الوطني، ونحن أحوج ما نكون لإعادة الوحدة لكل أطياف شعبنا".
وفي هذا الإطار، اعتبر غيث أن "كل
من يهرول لتطبيع العلاقات مع الاحتلال، يقدم طعنة في خاصرة المشروع الفلسطيني"،
لكنه رأى أن "الفلسطينيين قادرين على مواجهة الصفقات والتحديات بمفتاح الوحدة
الوطنية".
مراقبون: نزع سلاح غزة مطلب قديم جديد.. صعب التطبيق
خبير يشرح آثار تطبيق صفقة القرن على الضفة والقدس
ماذا تملك السلطة الفلسطينية للتصدي لـ"صفقة القرن"؟