ربما لا تعرف
الأجيال الجديدة، أن الدولة
السعودية "الأولى" التي أسسها "الإمام"
محمد بن سعود، بالتعاون مع "الإمام" محمد بن عبد الوهاب، إنما تأسست تحت
راية "التوحيد" التي لا تزال السعودية تتخذ منها (عَلَما) لها حتى اليوم؛
لتحقيق هدفين رئيسيين:
الأول: مُحاربة
البِدَع والشِّرْكِيَّات.
والثاني: تحكيم
شرع الله.
أما النظام
السياسي، فقد اتفق "الإمامان" على أن يكون "دُولة" بينهما! فكانت
القيادة السياسية من نصيب بن سعود، بحكم استحواذه على القوة المسلحة، وكانت القيادة
الدينية (الفتوى والتشريع) من نصيب بن عبد الوهاب، استنادا إلى "العلم شرعي"
الذي يحمله! ثم توارثت العائلتان (
آل سعود وآل الشيخ) السلطتين، السياسية
والدينية، رغم أن "شرع الله" لا يقول (مطلقا) بتوريث أي سلطة، أو أي
منصب، ما يعني (دون تقعّر أو تعسّف) أن اتفاق "الإمامين" كان
"بدعة"، لا أصل لها في دين الله، ومن ثم، فهي مخالفة صريحة لـ"شرع
الله"!
وباسم محاربة
البِدَع والشركيات، استحل "الإمام" محمد بن سعود دماء المسلمين
وأموالهم، عملا بفتوى "الإمام" محمد بن عبد الوهاب، فسار بجيشه بين
القبائل، في نجد وما حولها، وأعمل سيفه فيها، بلا هوادة (لأنهم مشركون)! وبَسَطَ
نفوذه على مناطق شاسعة، من أرض الجزيرة العربية، وأعلن دولته (السعودية الأولى)
التي لم تخضع لها منطقة
الحجاز (أرض
الحرمين الشريفين- غرب السعودية)، فقد ظلت تحت
سيطرة السلطان العثماني، أو "خليفة المسلمين".
إن تجييش
الجيوش، وإعلان الحرب، بموجب قرار سياسي أو بمقتضى فتوى دينية، عملٌ
"سيادي" من أعمال الدولة التي هي السلطنة العثمانية وقتذاك! ولا يجوز
لأفراد (بأي حال) القيام به، وإلا عُدَّ ذلك "إفسادا في الأرض"،
و"خروجا على إمام المسلمين"، الذي هو السلطان العثماني حينذاك! لكن
"الإمامين" ابن سعود وابن عبد الوهاب فَعَلا ذلك، باسم
"الدين"!
كانت هذه خلفية
ضرورية؛ قبل الحديث عما تشهده بلاد الحرمين، من فساد وإفساد، هذه الأيام، وما قد
يترتب على ذلك!
ففي بلد تأسس
على محاربة البدع والشركيات، وتحكيم شرع الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
تُمارس اليوم أنواعٌ لا حصر لها من التهتك العلني والفسوق، في مخالفة صريحة لـ"شرع
الله"! بل صار يُؤمر فيه بالمنكر، بينما يُساق أهل المعروف فيه إلى السجون،
ومن هؤلاء (وهم كُثْر) الشيخ سفر الحوالي، وعوض القرني (وليس عائض)، والشيخ سلمان
العودة الذي تمنى في "تغريدة" له رأب الصدع الخليجي، والتوفيق للقيادتين
السعودية والقطرية، تلميحا لا تصريحا! فاستحق عن ذلك حكما بالإعدام!
في بلد هذا
حاله، لا يمكن لأي شخص أن يتفوه بكلمة تتعلق بالمناخ العام، إلا بإذن من السلطات هناك،
ممثلة في أجهزتها الأمنية، إن لم يكن بتكليف منها. ومن ثم، فإن هذا المشهد
الابتذالي الصادم الذي تتصدره شريحة ليست بالقليلة من الشباب السعودي من الجنسين، ما
كان ليكون إلا بتوجيه وتشجيع ورضا من القيادة السعودية، ممثلة في الأمير محمد بن
سلمان، المصاب بشبق السلطة، والمستعد لدفع أي ثمن من الدماء، والأخلاق، والدين؛ كي
يصل إلى العرش السعودي!
إن هذا الذي
يجري (اليوم وحتى إشعار آخر) على أرض الحرمين الشريفين، أحدث زلزالا معنويا، لدى
نحو ملياري مسلم! معظمهم لم يعرفوا عن هذه البلاد سوى أنها أرض الرسالة، ومهبط
الوحي، ومثوى الرسول صلى الله عليه وسلم. بل إن منهم مَن يعتق، أن كل عربي هو من
نسل النبي، فإذا رآه هرول إليه، وعانقه بحرارة وشوق، وانحنى على يده يقبلها، ثم
يمسح على ثوبه؛ لينال بركة الرسول!
لك أن تتخيل عزيزي
القارئ، شعور هؤلاء المسلمين البسطاء، قليلي العلم والفقه، شديدي الحب والعشق
لرسولهم الكريم، إذا قيل لهم: إن هذا الفسوق يحدث في أرض رسول الله، وعلى مرمى حجر
منه؟! بل يلقى تشجيعا من "أولي الأمر" المنوط بهم "تحكيم شرع
الله"! إن هذا الزلزال لن يمر، كم يتصور "أولو الأمر" هناك، ولن
تتوقف توابعه، وإن لم نَر أثرها اليوم، فلا بد أن تُرى غدا، أو بعد غد.
سيتنادى
المسلمون في لحظة ما، قريبا أو بعد حين، شعوبا وهيئات وأفرادا، إلى استنقاذ
الحرمين الشريفين! فأرض الحرمين (الحجاز) ليست أقل قدسية في نفوس المسلمين من
قدسية الفاتيكان، أو كنيسة القيامة في نفوس المسيحيين، تلك البقع
"المقدسة" عند من يعتبرونها كذلك، تحظى اليوم بوضع "دولي خاص"،
يمنح "الحاج" المسيحي الحق في دخولها، ولو كان في عداوة مع السلطات
السياسية التي تقع هذه الأماكن تحت سيطرتها.
قد يقول قائل:
هذا "شأن سعودي"، لا يحق لك الحديث فيه أو عنه! نعم.. من حقه أن يقول،
ومن حقي (أيضا) أن أرد عليه بأن أرض الحرمين الشريفين أرض إسلامية خالصة، يملكها
المسلمون جميعا، وليست ملكية خاصة لعائلة أو فئة، ولو كانت من أتقى أهل الأرض.