انهارت أسعار النفط الى مستويات لم تشهدها منذ سنوات، الأسعار هي الأدنى من العام 2016، لكن حجم الانهيار وشكله لم تشهد له الأسواق مثيلا في التاريخ الحديث، كما أن هذه الفوضى لم تعرفها أسواق النفط منذ اجتياح الكويت في العام 1990، حيث هوت الأسعار بأكثر من 30% خلال دقائق معدودة فجر الاثنين، أي أن أسعار النفط فقدت ثلث قيمتها في دقائق، أما منذ بداية العام 2020 فان الأسعار تكون قد تراجعت بنحو 50% الى 60%، أي أكثر من النصف.
في يناير الماضي بلغ سعر البرميل من خام برنت 72 دولاراً، بعد الانهيار هوى الى 33 دولاراً، أي أنه فقد أكثر من نصف قيمته خلال شهرين فقط، وهو تراجع لم يكن أكثر المحللين تشاؤما يتوقعه، فضلا عن أن الدول المنتجة للنفط لا يمكن أن تكون قد حسبت حسابا لهذا الانهيار، ما يعني أن استمرار الأسعار عند هذه المستويات سوف يؤدي بالضرورة الى أزمات اقتصادية في الدول التي تعتمد على إيراداتها النفطية.
انهيار أسعار النفط يؤثر على كافة مفاصل الاقتصاد في العالم، لأن أسواق الطاقة هي الأهم على الاطلاق في العالم كونها سلعة يحتاجها كل البشر ويتم استخدامها من قبل كل دول العالم، إذ لا يوجد في العالم دولة لا تستورد أو تُصدر النفط، وبالتالي تدخل هذه السلعة في حساباتها الاقتصادية، لكن الدول المنتجة للنفط، مثل دول الخليج تعتبر الأكثر تأثراً بهذا الانهيار دون أدنى شك.
أسعار النفط انهارت مدفوعة بانتشار فيروس "كورونا" الذي يهدد بكساد عالمي كبير قد يؤدي لتراجع الطلب على النفط، إضافة الى سبب آخر وهو انهيار اتفاق "أوبك+" الذي كان قد ضمن الاستقرار في الأسواق طوال السنوات الأربعة الماضية عندما كانت روسيا مقتنعة بخفض الانتاج والتماهي مع سياسات "أوبك".
لكن العامل الثالث للانهيار والذي ربما يكون الأهم هو القرار السعودي بخفض الأسعار اعتبارا من الشهر المقبل، وهو ما كان يُراد منه أن يكون موجها للضغط على روسيا، فاذا به يضغط على العالم بأكمله، حيث قررت السعودية خفض أسعار نفطها بستة دولارات، لكن الأسواق ردت في اليوم التالي بانهيار الأسعار وتراجعها بأكثر من عشرة دولارات.
انهيار الأسعار سوف يعني الكثير بالنسبة للدول المنتجة، وخاصة دول الخليج النفطية، فالسعودية مثلا هي أكبر منتجي النفط في العالم وايراداتها النفطية تشكل أكثر من 70% من اقتصادها، وهي بذلك أكبر معتمد على النفط في العالم إذ لا يوجد أي اقتصاد آخر يعتمد الى هذه الدرجة على هذه السلعة، وليست المشكلة هنا وإنما في كونها بنت موازنتها للعام 2020 على أساس أن متوسط أسعار النفط ستكون عند الـ60 دولاراً، وهو بات في حكم المستحيل أن يحدث، ما يعني أن الموازنة السعودية ستكون على موعد مع عجز كبير.
انزلاق دول الخليج نحو أزمات مالية سيعني بالضرورة أن المنطقة العربية بأكملها ستتدحرج نحو أزمات اقتصادية شاملة، ويتوجب على هذه الدول أن تتحرك سريعا لتطويق تداعياتها.