قررت وزارة قطاع الأعمال بحكومة
الانقلاب في مصر تنفيذ قرار تصفية أقدم شركة مصرية للملاحة البحرية نهائيا، رغم
أنها إحدى شركتين حكوميتين في مجال النقل البحري، وتمثل إرثا تاريخيا وطنيا كبيرا
يرجع إلى زمن الخديوي إسماعيل.
القرار يأتي في ظل توجه نظام عبد الفتاح
السيسي، إلى بيع شركات "القطاع العام" و"قطاع الأعمال العام"
المملوكة للدولة وطرحها بالبورصة للاستفادة من أصولها ومن الأراضي التابعة لها
ومواقعها المميزة عبر بيعها للمستثمرين.
تصفية الشركة "المصرية للملاحة
البحرية" بالإسكندرية جاء بعد خسائر بلغت نحو 1.25 مليار جنيه على مدار سنوات،
وبعدما كانت الشركة تمتلك 60 سفينة تم بيعه أصولها على فترات، بينها سفن عمرها 30
عاما ليتبقى 6 سفن فقط بعضها غير صالح للعمل، حسب موقع "المال"
الاقتصادي.
و"المصرية للملاحة البحرية"،
امتداد لشركة بواخر "البوستة الخديوية" التي أنشأها الخديوى إسماعيل عام
1873، لنقل البضائع والبريد والركاب، وتم بيعها إلى المستعمر الإنجليزي، ثم
اشتراها رجل الأعمال المصري عبود باشا، ثم بمشاركة لاحقة من طلعت حرب باشا، حتى
أممها جمال عبد الناصر عام 1969، لتصبح ملكا للدولة المصرية.
اقرأ أيضا: هل يهدد "مشروع إسطنبول" قناة السويس وموانئ الإمارات؟
ومن أصول الشركة الهامة مقرها الرئيسي
الواقع في واجهة مدخل ميناء الإسكندرية الأكبر والأقدم مصريا بالبحر المتوسط.
"إخلاء لأصحاب المصالح"
وردا على تساؤل "عربي21"
"لماذا تفرط مصر في إرثها التاريخي في صناعة وطنية عريقة كالنقل البحري؟
ولصالح من؟"، أجاب الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم
نوار، أن الخطوة "بدء لإخلاء الميناء لمستثمرين جدد لهم مصالحهم
الخاصة"، دون أن يشير لهوية أو جنسية هؤلاء المستثمرين.
"عنوان كبير للفساد"
ويرى الخبير الاقتصادي المصري علي عبد العزيز،
أن "عملية تصفية شركة المصرية للملاحة هي امتداد لبرنامج تدمير الاقتصاد
المصري، والذي اعتمد على نشر الفساد في الشركات الوطنية، وتعمد الإهمال وعدم
التجديد والتطوير لصالح منافسين أو لصالح أطراف محسوبة علي السلطة".
الأكاديمي المصري، أكد
لـ"عربي21"، أن "الوضع الآن لم يختلف عن عهد مبارك، لكن الفرق
الوحيد هو استبدال عصابة جمال مبارك بعصابة قيادات الجيش".
وأوضح عبد العزيز، أن "هناك
تقارير ودراسات جدوى أكدت إمكانية إعادة إحياء الشركة؛ ولكن الإصرار على توزيع
ممتلكاتها بأثمان بخسة وترك المجال لمنافسين جعلهم يعجلون بعملية التصفية
الآن".
ويعتقد الأستاذ المساعد بكلية التجارة
في جامعة الأزهر، أنه "لو كانت هناك مؤسسات منتخبة حقيقية لكانت حاسبت السلطة
على تفريطها في 70 سفينة كانت تمتلكها الشركة في التسعينات، وانتهى الحال نتيجة
الإهمال وعدم التجديد إلى أن بقيت اثنتان فقط في الخدمة".
وأضاف: "لو كانت هناك مؤسسات
منتخبة حقيقية لحاسبتهم أيضا على المليارات التي نهبت من الشركة بطرق
مختلفة".
وقال الخبير الاقتصادي، إن "تصفية
الشركات الوطنية والتخلص من العمالة وإهمال دور الدولة الاقتصادي لصالح شركات خاصة
للمقربين من السلطة أو لصالح شركات قيادات الجيش جريمة كبرى تتمثل في إهدار
تريليونات الجنيهات من أموال الشعب، بالإضافة لأثرها الممتد سياسيا واقتصاديا".
وختم بالقول إن "المصرية للملاحة،
كالقومية للأسمنت، وكالحديد والصلب؛ مصير مجهول وعنوان كبير للفساد".
"التخسير لأجل البيع"
وحول خطورة الأمر على مستقبل العمالة
بتلك الشركة وفي هذا القطاع، قال الناشط العمالي سيد حماد، إن أمر تصفية هذه
الشركة يعود لسنوات ماضية منذ عهد حسني مبارك، ولكن التنفيذ يتم اليوم على يد
السيسي، الذي لا يهتم بالعمال.
حماد، تحدث لـ"عربي21"، كيف
أنه وبعد ثورة يناير 2011، تعرف على ضابط بحري ورغم أهمية وندرة تخصصه إلا أنه كان
يبحث عن عمل، موضحا أنه كان يعمل لمدة رحلة واحدة ويظل بعدها عاطلا نظرا لاستيلاء
شلة "الحزب الوطني" على أعمال الملاحة البحرية.
وأكد حماد، أن ذلك الضابط البحري كان
بيده ملف كامل للفساد بهذا القطاع، مفاده أن نظام مبارك، تعمد اتباع سياسة تخسير
المراكب ثم بيعها لأحد رجاله، موضحا "هكذا بيعت عشرات المراكب البحرية الكبرى
بالشركة المصرية للملاحة بالإسكندرية".
اقرأ أيضا: كيف فضح تطوير التلفزيون المصري "سبوبة" المخابرات؟
وقال إن "الأمثلة كثيرة على تلك
الجرائم"، موضحا أن "الترسانة البحرية وهي الشركة الحكومية الثانية
استولت عليها القوات المسلحة، وأخذت كفايتها من تلك الشركة وشردت عمال الشركة
الأخرى التي ترجع لأيام الخديوي إسماعيل".
وأشار عضو لجنة العمال بالمجلس الثوري
المصري، إلى أن "عملية تصفية الشركات بقطاع الأعمال العام مستمرة بعد تصفية
شركة (المراجل البخارية)، و(القومية للأسمنت)، ويأتي الدور على الشركة المصرية
للملاحة، وتشريد عمالها كعادة نظام الانقلاب الذي لا يضع العمالة في
الحسبان".
ولفت إلى أن "الشركة كانت تمتلك
نحو 70 سفينة، وبطريق متعمدة من نظام مبارك توالت الخسائر منذ عام 2005، وبعد
الانقلاب تواصلت مسيرة الفساد في القطاع البحري حتى وصل العدد لـ6 سفن فقط أغلبها
معطل، بينما الإدارة لا تمتلك رواتب العاملين".
وردا على تساؤل "لصالح من يتم
الإضرار بعمال مصر والتفريط بحقوقهم؟"، أوضح الناشط العمالي "بذلك يتسنى
للانقلاب تصفية الشركة وبيع السفن بسعر الخردة، مثل باقي الشركات وبيع الأراضي
لأحد رجال الأعمال المحسوبين على النظام لتبقى مصر مخطوفة من نظام السيسي وعصابته".
وبالإشارة إلى أن مسار التصفية متواصل،
ختم الناشط العمالي بالقول: "إن لن ينتهي"، مضيفا: "جار الإعلان عن
تصفية شركة (الدلتا للحديد والصلب)، التي تمتلك 100 فدان صالحة للمباني، حيث ينزل
سعر سهمها يوميا بعد إعلان نية التصفية (سعر السهم 1.5 جنيها الآن بعدما كان 19.56
جنيها)".
قانون جديد يسحب تعيين المفتي من الأزهر ويمنحه للسيسي
هذه دلالات براءة نجلي مبارك من آخر القضايا ضدهما
لهذه الأسباب منعت أوقاف مصر 1500 داعية من الخطابة