ينتشر في كل الجهات، يعبر القارات ويخترق الحدود والأجواء لا يوفقه شيء، فجعل كثيرا من البشر رهن الحبس في المنازل والمدن.. يثير الهلع والخوف، يجتاح العالم، ولم تفلح محاولات إيقافه رغم كل التقدم العلمي والتكنولوجي الذي فشل حتى الآن في إيجاد العلاج للقضاء عليه. بعض الدول أعلنت حالة الطوارئ وتستعد أخرى.
الكل بات يحسب بالثواني معدل ارتفاع ضحاياه، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن أوروبا باتت هي مركزا للوباء بعد الصين، موطن ظهوره، وراحت الدول تتبع عدة تدابير احترازية لمنع وصول
كورونا، والعمل على الحد من انتشاره، بدءا من تعليق حركة النقل والطيران والسفر الداخلي والخارجي.
وامتدت التدابير لإجراءات وقائية داخل البلدان نفسها، وتوقفت الأنشطة الرياضية والمؤتمرات والاحتفالات، وألغيت زيارات رسمية بين رؤساء الدول. ومع مرور الأيام ينتشر المرض، وتنخفض الأسواق العالمية، وتصاب شركات وكيانات اقتصادية ضخمة بالشلل، وينهار سعر البترول، ولا يمكن التنبؤ بحجم الخسائر جراء انتشار الوباء.
ضيف ثقيل، آثاره مرعبة، وتداعياته مخيفة، حتى في عالم السياسة، ووضع العالم بأسره بكل إمكانياته العلمية والتكنولوجية عاجزا عن مواجهة الفيروس ومستجداته، وبات معركة وجودية يخوضها العالم، ولا يعرف أحد كيف ومتى ستنتهي. بعد أن أربك الجميع وأصاب صناع القرار في كثير من أهل السياسة في العالم، وأجبرهم على الدخول في حجر إجباري وطوعي، مما جعل بعضهم يصرح بأنه أخطر كارثة صحية تواجه بلاده منذ مئة عام، كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي عمل على جمع قادة الدول السبع الكبرى في قمة استثنائية هي الأولى من نوعها عبر الفيديو كونفرس محورها الرئيس "كورونا" وطرق مواجهته.
وبدت قلة الحيلة واضحة جلية في تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في مواجهة الوباء. ولم يختلف الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية عن غيرها، حيث تعالت الأصوات محذرة من ارتفاع الإصابات وأعداد الضحايا بشكل كارثي غير مسبوق، وحاولت إدارة الرئيس ترامب، كما هي عادته، الاستخفاف بالفيروس، وحجب سوداوية المشهد، بل اقترب الخطر من الرئيس ترامب وزوجته ونائبه عقب لقائهم بالرئيس البرازيلي والوفد المرافق له. ثم انصاع ترمب وأعلن عن "حالة الطوارئ الوطنية" بسبب تفشي الوباء.
نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية لم تغب عن المشهد، البعض أثار احتمالية وفرضية هجوم بيولوجي، وهو ما صرح به بعض قادة إيران لكنهم لم يحددوا الجهة المسؤولة عن ذلك.
ولكن المتحدث الرسمي للحكومة الصينية صرح بأن الجيش الأمريكي هو من جلب فيروس كورونا إلى مدينة "ووهان" الذي انطلق منها الفيروس، وكتب في تغريدة له: كم عدد الأمريكيين الذين ماتوا بسبب كورونا قبل أن يتفشى في الصين؟ وأرفق التغريدة بفيديو لمسؤول أمريكي، هو مدير مكافحة الأمراض والوقاية منها، روبرت ردفيلد الذي خضع لجلسة استماع في الكونجرس بشأن الفيروس.
ورجّحت العديد من الهيئات الاقتصادية الدولية ومراكز الأبحاث أن يتجمد النمو الاقتصادي العالمي حال استمرار كورونا وانتقاله من بلد لأخر، وأكدت وكالة بلومبرج أن يشهد عام 2020 هو أسوأ ركود عالمي، وأن يفقد الناتج العالمي ما يقارب 2.7 تريليون دولار بنهاية العام، على فرض استعادة الاقتصاد العالمي عافيته بحلول الربع الأخير من العام نفسه، وسيكون الوضع أكثر سوءا حال عدم تحقيق تلك الفرضية.
هل كورونا "عقاب إلهي؟ يقول الله تعالى في كتابه الكريم "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ".
الله تعالى قد يبتلي العباد ويمتحنهم ليعلموا فقرهم وحاجتهم إليه، رغم ما تقدموا في العلم ووصلوا إليه من الطب، ورغم كثرة المال، فكل هذا لن يدفع البلاء ويكشف الكربات ويقضي الحاجات ولا يشفي المرض، لأن الله يقول: "وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
المرض من الله والشفاء من الله، والموت والحياة من الله، وما أنزل الله من داء إلا أنزل الدواء معه. وقد انحصرت جهود العالم في الجانب العلمي والطبي فقط، لكن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: "ما زال البلاء ينزل بالعبد حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة". لذا يجب على كل المسلمين المؤمنين ألا تنقطع علاقتهم مع الله ويعودوا طائعين له بالتوبة والإنابة والدعاء واستحضار عظمته جل جلاله، دون إغفال الأخذ بالأسباب.