ألقت تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد بظلالها على الاقتصاد المصري (الريعي)؛ فبعد يوم من إعلان البنك المركزي المصري فقدان الاحتياطي النقدي 5.4 مليارات دولار في شهر واحد فقط، كشف وزير المالية محمد معيط، انخفاض استثمارات المستثمرين بنسبة تجاوزت الـ50%.
وقالت دراسة لشركة "كوفاس" الألمانية لتأمين القروض، صدرت حديثا، إن "هروب رؤوس أموال من الدول الناشئة خلال آذار/ مارس الماضي، تجاوز أربعة أضعاف المبلغ الذي سجل بين عامي 2008 و2009، حيث كان العالم يواجه أزمة اقتصادية كبرى".
وأكد معيط، في تصريحات متلفزة، أن استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية من "سندات وأذون الخزانة" انخفضت 53% من 28 مليار دولار إلى ما يتراوح بين 13.5 و14 مليار دولار، بعد تخارج المستثمرين الأجانب بفعل تداعيات فيروس كورونا.
وتوقع وزير المالية المصرية أن يؤدي تراجع استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية إلى خفض إيرادات الموازنة العامة للدولة بما يتراوح من 25 إلى 50%، دون أن يوضح كيف سوف تعوضها الدولة في ظل تخارج المستثمرين.
وفي أقل مستوى له منذ سنتين، انخفض احتياطي النقد الأجنبي 12% إلى 40.1 مليار دولار في نهاية آذار/ مارس مقابل 45.5 مليار دولار في نهاية شباط/ فبراير، فاقدا 5.4 مليارات دولار دفعة واحدة، بحسب البنك المركزي المصري.
خيارات حكومة السيسي
تأتي تلك التداعيات السلبية بعد تصريحات صادمة لوزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، الأحد، أن مصر تتوقع تباطؤ النمو الاقتصادي إلى 4.5 بالمئة في الربع الثالث و1% بالمئة في الربع الرابع من السنة المالية الحالية 2019/ 2020؛ بسبب تداعيات تفشي فيروس كورونا.
وتوقع محللون وخبراء اقتصاد في تصريحات لـ"عربي21" أن تؤثر تلك الأرقام المحبطة للحكومة المصرية على قدرتها على الاقتراض الخارجي، وعلى حجم احتياطها الحالي عند 40 مليار دولار، وعلى قيمة الجنيه مستقبلا، وبالتالي عودة التضخم للارتفاع، وزيادة وتيرة الاقتراض الداخلي من البنوك المحلية.
وفي محاولة لتوفير السيولة المالية، قررت وزارة المالية رفع قيمة الاقتراض بطرح أدوات دين (أذون خزانة وسندات) بنحو 6 مليارات جنيه عن الأسبوع الماضي، لتصل إلى 46.5 مليار جنيه (2.96 مليار دولار)، خلال الأسبوع الجاري.
اقرأ أيضا: ما دلالة انخفاض احتياطي مصر النقدي 5 مليارات بشهر واحد؟
خطط السيسي تتعثر
ارتفع الدين الخارجي، إلى 109.36 مليارات دولار، بنسبة 18 في المائة على أساس سنوي، بنهاية الربع الأول من العام المالي الحالي 2019/ 2020 (سبتمبر/أيلول)، كما ارتفع الدين المحلي بنسبة 8 في المائة إلى 4.18 تريليونات جنيه (270 مليار دولار)، بحسب بيانات البنك المركزي.
قال أستاذ الاقتصاد، مصطفى شاهين، في أمريكا، إن "هذا ما حذرنا منه مرارا وتكرارا، وها هي الحكومة المصرية تجني ثمار سياسة الاقتراض بتراجع الاستثمارات وانخفاض الاحتياطي النقدي، والأزمة الرئيسية ستكون في تدبير الدولار وليس الجنيه الذي ستطبع منه الحكومة الكثير".
وأوضح لـ"عربي21": "الشاغل الرئيسي للبنك المركزي الآن هو محاولة تثبيت الدولار حتى لا يرتفع، وستعمل على تثبيته لأطول فترة ممكنة؛ لأن ارتفاعه سيخلق أزمات كثيرة، وسيدفع إلى تخارج المزيد من أموال الاستثمارات الأجنبية".
سقوط ورقة التوت
قال أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي، حسام الشاذلي: "حقيقة الأمر أن الحالة الآنية التي تشهدها المنظومة الاقتصادية الدولية قد تسرع من تواتر سقوط ورقة التوت عن تلك المنظومة الاقتصادية الهشة في مصر؛ فجميع الإجراءات والقرارات الاقتصادية المتطرفة التي انتهجتها حكومة السيسي كان هدفها دائما خلق صورة دولية كاذبة".
وشدد في حديثه لـ"عربي21": "أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصمد أي منظومة اقتصادية بنيت على القروض في ظل إغلاق الدول لحدودها واعتمادها الكلي على مواردها وعلى صناعاتها المحلية التي قد تكون الخط الفاصل بين الموت والحياة في هذا التوقيت الصعب".
واختتم حديثه بالقول: "مصر اليوم تواجه خطرا اقتصاديا كبيرا قد يحمل بعدين متضادين أحدهما هو إمكانية التفاوض على تأجيل أقساط القروض في ظل الأزمة أو إصرار المؤسسات المقرضة على تحصيل الأقساط والفوائد مما قد يكون له أسوأ الأثر على منظومة اقتصادية تقف على الماء".
السوق السوداء للعملة تنشط من جديد بمصر مع أزمة كورونا
السيسي يكشف عن مصدر تمويل خطة مصر لمواجهة تداعيات كورونا
قرار مفاجئ للبنك المركزي المصري بشأن أسعار الفائدة