بشعور بالحزن والدعاء أن تتغير الأحوال إلى الأفضل، يتهيأ المسلمون حول العالم لاستقبال شهر رمضان المبارك، في ظل ظروف ضاغطة ومتغيرة وقاسية فرضها فيروس كورونا على الصلاة والعبادة والحركة.
وبتثاقل ملموس، غطته الإجراءات القاسية ومعدلات الإصابة والوفاة والانتشار حول العالم، يهم البعض للاستعداد المعهود لاستقبال الشهر الفضيل، وسط تدن كبير جدا بالقدرات الشرائية على تدبير احتياجات رمضان، مع تفاقم أعداد البطالة وزيادة رقعة الفقر، التي تسببت بها إجراءات الوقاية من الفيروس.
ومع توقعات ببدء الشهر الفضيل أول أيامه، الجمعة المقبلة، ستفرغ المساجد تماما في مختلف أنحاء العالم من صلاة الجماعة والتراويح، حيث أعلن عن إغلاقها خشية من انتشار عدوى المرض الخبيث.
كما ستتغير وتتبدل بل وتلغى الكثير من طقوس الشهر الفضيل، كالولائم والزيارات العائلية والخيم الرمضانية، فضلا عن الجانب الاقتصادي والذي سيتأثر بصورة كبيرة بسبب خشية الناس من الخروج والتسوق.
وسيكون لافتا بصورة بارزة، خلو الحرمين الشريفين، في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، من المصلين والعاكفين والركع السجود، بعد قرار السلطات السعودية غلقهما إلى إشعار آخر بسبب إجراءات المرض وانتشار الفيروس.
كما تم صدور قرار بوقف العمرة، فضلا عن ترقب الجميع أيضا لمآلات موسم الحج، وفي ما إذا كان سيلقى المصير نفسه.
ولم تعلن السعودية حتى الآن عن قرار يتعلق بموسم الحج في تموز/يوليو المقبل، ولكن من المرجح أن يتم إلغاء الموسم للمرة الأولى في التاريخ الحديث بسبب الفيروس.
وكانت السعودية طلبت في أواخر آذار/مارس الماضي من المسلمين التريث قبل إبرام عقود الحج والعمرة.
كما أعلنت دائرة الأوقاف الفلسطينية، استمرار إغلاق المسجد الأقصى المبارك، لذات أسباب إجراءات السلامة للحد من نقل العدوى والمرض.
اقرأ أيضا : فتوى لعالم مغربي حول "التراويح" عن بعد.. خلف التلفاز (شاهد)
وعلى عكس شهور رمضان السالفة، خلت الكثير من الأسواق الشعبية في مختلف دول العالم الإسلامي من زينة رمضان التي كانت حدثا مرتقبا تتميز وتتسابق فيه المدن والأحياء الفرعية والرئيسية.
ومضت أسواق ومحال المدن المصرية كئيبة، وهي التي اعتادت منذ عشرات السنين، على تعليق الزينة والاستعداد لرمضان، حيث خلت المظاهر بشكل شبه كلي، بسبب إغلاقات المحال وضعف الحضور والحالة الشرائية.
كما ستغيب العديد من عادات التكافل الاجتماعي والترابط الأسري، حيث ستمنع الإغلاقات ملايين الأسر المتعففة من خيرات وزكوات وصدقات المحسنين في رمضان، حيث ستحول إجراءات المنع من توزيعها أو عمل الموائد الشعبية التي كانت تسد رمق الآلاف مع دقائق آذان المغرب الأولى.
وشكلت جائحة كورونا تحديا رأسيا لملايين الأسر التي حالت الإجراءات دون مقدرة معيلها على تلبية احتياجات أسرته، حيث دفعت الإجراءات وأوامر العزل والحجر والحظر، لتوقف بل لضرب سوق العمالة اليومية والتي كانت تقتات على رزق يومها الذي بات مقطوعا بفعل الإجراءات.
وفي إرشاداتها الخاصة بشهر رمضان، أكدت منظمة الصحة العالمية عدم وجود دراسات تربط بين الصيام والإصابة بفيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى أن الأشخاص الأصحاء "بإمكانهم الصيام خلال شهر رمضان كما في السنوات الماضية".
إلى ذلك نشرت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية تقريرا ألقت فيه الضوء على بحث مسلمي البلاد عن طرق للتواصل بينهم في شهر رمضان، وسط استمرار حالة الإغلاق التام في عموم البلاد جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، لافتة إلى وجود أفكار متميزة للحفاظ على تقاليد هذا الموسم.
اقرأ أيضا : أوبزيرفر: مسلمو بريطانيا يجدون طرقا للتآلف برمضان تحت الحظر
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى تجربة مسجد "فينزبري بارك"، شمال لندن، الذي كان يوما "علامة على التطرف"، بحسبها، نظرا لسيطرة مجموعة ممن وصفتهم بـ"المتشددين الإسلاميين" عليه، ولكنه أصبح الآن مركزا للتسامح، حيث يجتمع فيه ألفا مصل لأداء التراويح ويقوم متطوعون بتحضير طعام الإفطار لـ 300 صائم كل يوم من أيام رمضان. وهو ما يشير إلى أنه لن يحدث هذا العام.
وينقل التقرير عن مدير المسجد، محمد كزبر، تأكيده: "سنفتقد كل هذا"، فبوابة المسجد مغلقة ولا يوجد إلا الحراسة أمامه، "وزرته الأسبوع الماضي وكان بمظهر يكسر القلب، فارغا وصامتا".
ومثل بقية الأديان، يستخدم المسلمون التكنولوجيا لمواجهة تحديات الإغلاق، حيث ستتنقل الصلوات الجماعية وقراءة القرآن عبر الإنترنت، وسيتم تنظيم الإفطارات الجماعية عبر "زوم".
وأعد علماء قائمة من الإرشادات لإعفاء الأشخاص الذين يعتبرون عرضة للفيروس من صيام رمضان، وكذا المسلمين الذين يعملون لساعات طويلة في الخدمات الأساسية، إذ عليهم أن "يكونوا عمليين في نظرتهم" للصيام كما يقول هارون خان، رئيس المجلس الإسلامي البريطاني.
وفي مسجد "فينزبري بارك" توجد خطط لتوزيع وجبات الطعام للعائلات المحتاجة أو من يحضرون بأنفسهم لأخذها، وهو ما يمكن أن يساهم به من يسألون عن التطوع هذا العام، بحسب مديره "كزبر". كما سيقوم المسجد بنقل المحاضرات والصلاة عبر الإنترنت ويقدم المشورة وينظم عملية توزيع الطعام للمستشفيات القريبة.
وأصدرت منظمة الصحة العالمية بدورها توصيات إلى الدول الإسلامية بشأن الإجراءات الممكن اتخاذها لتقليص خطر تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) خلال شهر رمضان المبارك.
اقرأ أيضا : هيئة العلماء بالسعودية تحث على الصلاة في المنازل برمضان
وشددت المنظمة على ضرورة النظر بشكل جدي في السماح بتنظيم أي تجمعات اجتماعية أو دينية وتقييم المخاطر المحتملة الناجمة عنها، مشيرة إلى إمكانية إيجاد بديل عن هذه التجمعات عبر وسائل التلفزيون والإذاعة ومواقع التواصل الاجتماعي.
وحثت المنظمة الدول الإسلامية على السيطرة على حركة الزائرين لأماكن العبادة والأماكن المقدسة وضمان تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي أثناء كافة التجمعات على نحو صارم، كي لا تقل المسافة بين المشاركين فيها عن متر واحد.
ودعت المنظمة إلى استخدام أساليب تحية لا تقضي بالاحتكاك بين أشخاص.
كما ناشدت المنظمة الدول الإسلامية منع حدوث تكدس في أماكن مرتبطة بطقوس شهر رمضان، مثل أماكن الترفيه والأسواق والمحال التجارية.
وأشارت المنظمة إلى ضرورة حث الأشخاص الذين تظهر لديهم أي أعراض للفيروس وكذلك المسنين والذين يعانون من مشاكل صحية ملموسة على الامتناع عن حضور أي تجمعات.
ولفتت المنظمة إلى أهمية تنظيم الفعاليات في الهواء الطلق قدر الإمكان، وفي حال إجراء أي تجمعات داخلية يجب ضمان دورة تبديل الهواء داخل المباني التي تستضيفها.
كما دعت المنظمة إلى تقليص مدة الفعاليات قدر الإمكان، وتنظيم عدد أكبر من الفعاليات الأقل شعبية بدلا عن عدد أقل من الفعاليات ذات الحضور الأوسع.
وأوصت المنظمة الدول الإسلامية بالتشجيع على ممارسة العادات الصحية، لاسيما داخل المساجد، مشيرة إلى إمكانية إجراء عمليات التعقيم بعد كل تجمع.
مفتي السعودية: صلاتا التراويح والعيد ستقامان في البيوت
وزير جزائري سابق يرد على اتهامه باقتراح تعليق الصيام
صور مؤثرة لأطباء بعد سهرهم على مرضى "كورونا" (شاهد)