ينشغل كثير من المصريين والعرب بمسلسلات رمضان هذا العام (وكلّ عام)، يتحدثون عن مسلسلات تدعو إلى التطبيع مع العدو الصهيوني، ومسلسلات لها توجهات سياسية واضحة تسعى إلى بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. وتستخدم هذه المسلسلات شخصيات وأحداث ملتبسة، ويتم توظيف كل ذلك من أجل لحظة راهنة موغلة في وحل السياسة، لحظة لا تخدم دولة ولا وطنا ولا مؤسسات، بل تخدم مجموعة محدودة من الأفراد، وصلوا إلى السلطة بطرق مشبوهة، ولا يدعم استمرارهم إلا دول لا تكن لأمتنا إلا كل عداء.
في الوقت الذي ينشغل السواد الأعظم بمسلسلات رمضان، تدور أحداث درامية كبرى في المنطقة العربية، ولكن دراما رمضان، ودراما كورونا.. تغطي عليها.
هذه نظرة خاطفة على تلك الدراما..
* * *
مسلسل "نهاية الوغد"
للسنة الخامسة على التوالي يسيطر هذا المسلسل على دراما رمضان في ليبيا، وقد تمكن المسلسل هذا العام من حصد نسبة مشاهدة مرتفعة في الوطن العربي كله، بل ثبت أن هناك نسبة متابعة دولية لا بأس بها.
بدأت حلقات الموسم الأول بعنوان "انقلاب الوغد" (عام 2014م) بخطبة عصماء تعلن لحظة الصفر، فخرج بطل المسلسل وبشّر أهالي ليبيا عامة وطرابلس خاصة بانتهاء مشكلاتهم كلها، وباقتراب عصر الحرية والديمقراطية، عصر الغنى و"النغنغة".. كانت بداية عاطفية.. ولكن كاتب المسلسل فاته كثير من أساسيات التشويق والإثارة، فتحوّل الموسم الأول إلى مسلسل "كوميدي"، وصفه المحللون السياسيون بأنه "انقلاب تلفزيوني".
المواسم التالية تأرجحت بين مسلسلات "العنف"، و"الرعب"، و"الكوميديا السوداء"، حتى وصلنا اليوم إلى مسلسل أقرب ما يكون إلى "تلفزيون الواقع"!
فخرج القائد المظفر قائد المليشيات المتمردة على الحكومة الشرعية في ليبيا ليعلن أنه "الكل في الكل".. وهو أمر يدعو إلى الضحك.. والرثاء.. والقلق.. في وقت واحد، خصوصا حين نعلم أن كاتب السيناريو يتجوّل بنفسه بين عدة دول لحشد ما تيسر من المرتزقة لإعادة الحياة إلى بطل المسلسل الذي ملّ الجميع منه، بعد أن ثبت فشله كبطل رئيسي، وفشل جميع الذين يؤدون أدوار "السنّيد" بجواره، وفشل الحبكة الدرامية، وفشل الإخراج بكل تفاصيله، من إضاءة، وديكور، ومكياج، وموسيقى تصويرية.. الخ!
يبدو أن دخول بطل جديد أتى عبر البحار، وبرغم حديثه "المدبلج" إلا أنه غيّر تركيبة المسلسل، فتحوّلت بعض الشخصيات الهامشية إلى دور بطولة حقيقي، وتحوّل المسلسل المملّ إلى مسلسل مليء بـ"الأكشن". وها هو البطل الذي فرضه كاتب السيناريو منذ عام 2014 ينهار، ويبدو أن مشهد "نهاية الوغد" قد اقترب، تلك النهاية التي سيعقبها انتصار حقيقي للشعب الليبي.. وسينعكس ذلك على المنطقة كلها.
* * *
مسلسل "حلف الأوغاد"
للسنة الخامسة على التوالي يفشل هذا المسلسل في حصد نسبة مشاهدات تضمن له أي قدر معقول من المعلنين، ولكنه يعوّض ذلك بطرق أخرى، عبر الاستيلاء على ثروات مواقع التصوير!
انطلق هذا المسلسل كبرنامج "توك شو" لأهداف خيرية، تطوعية، هدفها إنقاذ اليمن من "الحوثيين" الأشرار.. عملاء إيران.
تجاهل كاتب السيناريو في المواسم كلها الإجابة على سؤال مهم، وهو "من الذي سمح بنزول "الحوثي" من صعدة.. إلى صنعاء أصلا؟".
تجاهل هذا السؤال أثر على الحبكة الدرامية، وأثر على مصداقية البرنامج كله، حيث تبيّن أن "حلف الأوغاد" هو من مكّن الحوثيين من السيطرة على صنعاء، وهو من سهّل لهم ابتلاع الدولة، كل ذلك خوفا من أن يخطف ممثل آخر (تيار الإخوان المسلمين) دور البطولة في ساحة تعاني من فراغ يسمح بتمدد من يرغب، أو من يملك مؤهلات البطولة.
حلف الأوغاد اليوم منقسم على نفسه.. وهذا قمة الإثارة والتشويق "دراميا"، أو هكذا يفترض، فقد أعلن كيان سماه كاتب السيناريو "المجلس الانتقالي الجنوبي" عن إقامة "إدارة ذاتية"، وفرض حالة الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها في جنوب البلاد.
إنه تحد لبطل أساسي في المسلسل.. أعني الحكومة المعترف بها دوليا، والتي تقيم في بيت رئيس العصابة، وقد أعلنت تلك الحكومة (من مقرها في بيت رئيس العصابة) رفضها لهذا التحرك ووصفته بأنه "انسحاب تام من اتفاق الرياض".
اتفاق الرياض.. حدث كبير جرت أحداثه في الموسم الثالث من مواسم المسلسل، ولكن نظرا لفشل ذلك الموسم (وجميع المواسم) لم يعد أحد يدرك ما الذي يحدث في اليمن أصلا!
وخلاصة ما يحدث في اليمن.. أن دولة للمؤامرات العربية.. قد قررت بسبب هزائمها المحلية والإقليمية أن تقفز في الهواء.. وأن تعلن فصل شمال اليمن عن جنوبه.. وهذا (من الناحية الدرامية البحتة) تصرف ساذج، فالأحداث الكبرى في الدراما تحتاج تمهيدا منطقيا، لذلك يتوقع غالبية النقّاد أن يفشل هذا الموسم كما فشلت المواسم السابقة.
لا يفوتنا أن المسلسل رغم فشله في حصد المشاهدات.. إلا أنه قد نجح في حصد كثير من أرواح الأبرياء، خصوصا من المدنيين من النساء والأطفال.
* * *
مسلسل "وغدٌ اطمأن"
مسلسل كوميدي مضحك، وتم حشد ملايين الدولارات من أجل إقناع المشاهد بأنه مسلسل تراجيدي!
بطولة ضابط مخابرات اتخذ اسم "غيث"، وهو يتجوّل خلف طائرات دولته التي تقصف دولا عديدة، يتجول في الدول التي تتدخل فيها دولته بانقلابات عسكرية، أو بمليشيات مسلحة، فتراه يطوف في الشوارع ليوزع تبرعات مجهولة المصدر (مثل وجهه)، وفي النهاية.. يدعو أو يجبر الضحايا الذين يستضيفهم بسيف العطاء والحياء على الدعاء لمن قصفهم بالطائرات أو بالتدخلات أو بالدولارات أو بالقنوات التلفزيونية أو بالمسلسلات الدرامية.. فتراهم يرفعون أكفهم داعين لمن جعلهم مشردين في العراء.. بعد أن كانوا في بيوتهم أعزاء!
هذه أهم المسلسلات التي تابعتها هذا العام في رمضان.. وهناك مسلسلات أخرى أظنها أهم من كل ما تعرضه سوق الدراما التي تتدهور حالها عاما بعد عام، بسبب تدخلات أجهزة التخابر، والمال السياسي الذي لا يرحم.
كل عام وأنتم بخير.. ورمضان كريم.
موقع الكتروني: www.arahman.net