نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا، لمدير مكتبها في بروكسل مايكل بيرنبوم، قال فيه إن المسؤولين في الاتحاد الأوروبي دافعوا يوم الخميس، عن طريقة تعاملهم بشأن العلاقات مع الصين خلال جائحة كورونا، بعد يوم من سماح سفير الاتحاد الأوروبي لبكين أن تتم مراقبة مقال رأي شارك في كتابته حول علاقات الاتحاد الأوروبي بالصين قبل نشره في صحيفة تديرها الدولة.
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21"، فقد كانت تلك الرقابة هي المرة الثانية خلال أسبوعين التي يستجيب فيها فرع العلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية للمطالب الصينية بتخفيف لهجة الانتقاد.
ففي المرة الأولى تم تخفيف بعض عناصر تقرير مسرب حلل المعلومات المضللة التي صدرت عن الصين بخصوص فيروس كورونا، قبل نشر النسخة النهائية.
وبحسب مقال بيرنبوم، فإن الحادثتين تدلان على وجود مقاربة مختلفة من الاتحاد الأوروبي تجاه الصين في وقت تتجه فيه القارة نحو ما تتوقع أن يكون أكبر انهيار اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية.
وتتطلع أوروبا إلى التجارة الصينية كشريان حياة، في وقت تريد تحصين رهاناتها في حالة استطاعت الصين أن تكون الأولى في تطوير لقاح ضد الفيروس.
ولكنها أيضا تتفاخر بأنها المدافعة عن الليبرالية الديمقراطية، وحرية الصحافة وحقوق الإنسان، وهي ذات النواحي التي طالما انتقد فيها صناع القرار الأوروبيون بكين.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية، فيرجيني باتو-هنريكسون للمراسلين يوم الخميس: "نأسف لأن مقال الرأي المشترك لم ينشر كاملا في صحيفة China Daily .. وقامت بعثة الاتحاد الأوروبي للصين بإعلام وزارة الخارجية الصينية بقلقها بشكل لا لبس فيه".
وأضافت أن البعثة وافقت على نشر المقال بعد الرقابة "بتردد كبير" وإن بعثة الاتحاد الأوروبي في الصين قررت في المحصلة، أن الفائدة العامة من نشر الرسائل المتضمنة في النسخة المحررة من المقال، كانت أكبر من انزعاجها من المادة التي تم حذفها.
اقرأ أيضا : مخابرات ألمانيا: فشل واشنطن بمواجهة كورونا دفعها لاتهام بكين
وكانت المادة المحذوفة تشير إلى أصول الفيروس في الصين، وتحديدا عبارة: "تفشي فيروس كورونا في الصين وانتشاره لاحقا إلى بقية العالم"، وكان المقال الذي نشر يوم الأربعاء موقعا من سفراء 27 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي.
ونشرت بعثة الاتحاد الأوروبي المقال دون حذف على موقعها الالكتروني، وقالت باتو-هنريكسون إن المقال أرسل لوسائل الإعلام الصينية الأخرى.
ولكن النسخة المحررة هي التي تم الترويج لها على تويتر من غونار ويغاند، كبير المسؤولين في الذراع الدبلوماسي المختص بالعلاقات الآسيوية في الاتحاد الأوروبي.
وحاولت الصين ابتداء التعتيم على التفشي والذي يعتقد أنه بدأ في المدينة الصينية المركزية، ووهان. وأصبحت بكين منذ ذلك الحين حساسة، لانتقاد الطريقة التي تعاملت بها مع الجائحة.
وفي الأثناء وجه نواب البرلمان الأوروبي الناقدين للصين، انتقادا شديدا للطريقة التي تعامل بها الاتحاد الأوروبي مع حادثة الرقابة.
وغرد رينهاد بوتيكوفر، أحد أعضاء البرلمان عن حزب الخضر في ألمانيا: "هذا ببساطة غير مقبول.. إن قرر سفير الاتحاد الأوروبي لوحده أن يخضع، يجب أن يتم إعفاؤه من منصبه"، وقال: "إن أعطي الضوء الأخضر ليخضع من بروكسيل فإن على البرلمان أن يوبخ مفوض الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، جوزيب بوريل".
وحتى قبل الحذف يبدو المقال، الذي كان يحتفي بالذكرى الخامسة والأربعين للعلاقات بين أوروبا والصين، كان من الملحوظ أنه لطيف مع الصين في الوقت الذي تقوم به البعثات الدبلوماسية الصينية في أوروبا بانتقاد أوروبا في موضوعي التعامل مع الفيروس والنقد الموجه للصين.
وفي أحد فقراته قال المقال: "في مراحل مختلفة من الجائحة كان هناك تعاون متبادل بين أوروبا والصين وغيرها مما يثبت الدعم المتبادل".
وبالمقابل قال مقال نشر على موقع السفارة الصينية في فرنسا: "بعض الغربيين بدأوا فقدان الثقة في الليبرالية الديمقراطية" وسط الجائحة.
وقال منشور آخر إن فرنسا تخلت عن كبار السن "ليموتوا من الجوع والمرض"، مما جعل وزارة الخارجية الفرنسية تسجل احتجاجا رسميا.
ويقول المحللون إن هذه قد تكون محاولة من المسؤولين الأوروبيين لتجنب خلاف آخر بعد اصطدامهم بواشنطن بخصوص عدة قضايا بما فيها التجارة والدفاع وتطوير اللقاح.
كما أن الاقتصادات الأوروبية في حالة سقوط حر، حيث تظهر الإحصائيات التي تم نشرها يوم الأربعاء، بأن تلك الاقتصادات تواجه ظروفا أسوأ من تلك التي عانت منها خلال الأزمة المالية عام 2008 أو أي حالة سوى الحرب أو الانهيار الاقتصادي الكامل.
وقالت جانكا اويرتل، مديرة برنامج آسيا في مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي: "نعيش كارثة اقتصادية. إنها لحظة ضعف أوروبية وهناك وحدة قليلة وهناك شكوك حول التضامن.. والسؤال هو كم جبهة يمكنك أن تفتح".
اويرتل حذرت كذلك من أن التنازلات قد تضعف مقدرة الزعماء الأوروبيين على وضع حد للتصرفات الصينية على أراضيهم.
وقالت: "هناك الكثير من الضجة حاليا. وربما ظنوا أن هذه فرصة لتخفيض مستوى الصوت، ولكن عندما تختار أن تنشر في صحيفة China Daily فإن ذلك سيكون بالضرورة بالشروط الصينية.. والمقال مدهش حتى بدون النصوص المحذوفة".
ويستغرب بعض المراقبين من إقدام 27 سفيرا، من دول الاتحاد الأوروبي للصين، على التوقيع على رسالة مبتذلة في خضم مواجهة مع الصين.
وغرد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني، نوربيرت روتجين: "أنا مصدوم، ليس مرة بل مرتين: أولا أن يتبنى سفراء الاتحاد الأوروبي بسخاء السردية الصينية ثم تقوم البعثة الأوروبية فوق ذلك بقبول الرقابة الصينية على المقال المشترك.. من المهم أن نتحدث بصوت واحد، ولكن يجب أن يعكس ذلك قيمنا ومصالحنا الأوروبية المشتركة".
ويقول المراقبون إن بعض زعماء دول الاتحاد الأوروبي "كانوا صارمين، ولذلك فإن التحركات التصالحية تجاه بكين قد تعكس اختلافا في وجهات النظر حول التعامل مع العلاقات معها وليس سياسة استرضائية متسقة".
وقد تكون النغمة الصينية العدوانية العلنية تجاه أوروبا تأتي بمفعول عكسي، مثيرة الآراء في وقت كان بإمكانها أن تحقق مكاسب كبيرة في مجال العلاقات العامة بسبب شحناتها للأجهزة الطبية للدول الأوروبية المتضررة بشكل كبير.
وظهر خلال عطلة نهاية الأسبوع صوت يعكس ذلك في ألمانيا التي يعتمد اقتصادها الصناعي على العلاقات الجيدة مع الصين.
وكان الزعماء الألمان دائما مع المقاربة اللينة تجاه الصين، إلا أن زعيما تجاريا، وهو المدير التنفيذي لشركة النشر اكسل سبرنغر، دعا يوم الأحد إلى قرار حاسم.
وفي هذا الصدد كتب ماثياس دوبفنر في مقال له نشر في صحيفة Welt am Sonntag وفي Business Insider: "لا حاجة لكلام منمق هنا، بل نحتاج لاتخاذ قرار سياسي جوهري، إما الصين أو أمريكا، لم يعد ممكنا الذهاب مع الطرفين.. فهل علينا أن نسمح لرأسمالية الدولة التي تنتهجها قوة عالمية استبدادية أن تستمر في التسلل أو حتى الاستيلاء على الصناعات الأساسية؟".
الغارديان: إمبراطورية "ميردوخ" تساعد ترامب بحربه مع الصين
FT: أوروبا لا تثق بقدرة ترامب على مواجهة الصين
"لوموند": فيروس كورونا أفقد أمريكا زعامتها للعالم