قضايا وآراء

شرور ابن زايد.. وغرور البترودولار

1300x600
لم يحترم الراعي الرسمي للثورات المضادة في المنطقة، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الشهر الفضيل، فراح يغذي الحرب في ليبيا بالمزيد من أدوات القتل والتدمير التي أرسلها إلى مندوبه في بنغازي، خليفة حفتر، ليقتل بها أبناء الشعب الليبي في رمضان، وليبسط بها هيمنة الإمارات عليهم. كما راح يغذي مساعي الانفصال في الجنوب اليمني عن طريق حلفائه في المجلس الانتقالي الجنوبي، وفي الوقت نفسه راح يكثف ضغوطه على بعض الدول لدفعها لدعم رجاله في اليمن وليبيا.

كلما انطفأت نار الحرب أو هدأت في ليبيا عمد ابن زايد لتحريض مندوبه (حفتر) لإعادة إشعالها من جديد، ولتذهب وقودا لها أرواح المزيد من الليبيين الأبرياء الذين كانوا ينتظرون جني ثمار ثورتهم على الطاغية الهالك معمر القذافي، بعد أربعين من السنوات العجاف تحت حكمه.

ليس صحيحا أن حكومة الوفاق هي التي بدأت الجولة الحالية للحرب، والتي حررت بمقتضاها مدن الساحل الغربي وحاصرت قاعدة الوطية ومدينة ترهونة، بل الصحيح أنها جاءت ردا على خرق مليشيات حفتر لاتفاق وقف إطلاق نار سابق، وقيامها بغلق أنابيب تصدير النفط، وتوجيه ضربات جوية لمناطق سكنية في طرابلس.

في اليمن، يتضح يوما بعد يوم حقيقة المشروع الإماراتي الذي لم يكن دعم الشرعية، حسب مزاعم عاصفة الحزم التي شاركت فيها الإمارات مع السعودية في دخول اليمن، بزعم دعم الحكومة الشرعية في مواجهة تمرد الحوثيين، وإنما ظهر أن هدف الإمارات هو الهيمنة على الجنوب اليمني من خلال رجالها وما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يشكل تحالفا قبليا مدخليا، وليصبح نصف اليمن الجنوبي خاضعا للنفوذ الإماراتي ونصفه الشمالي خاضعا للنفوذ الإيراني، ولتعود السعودية صاحبة عاصفة الحزم بخفي حنين بعد هذه السنوات التي أنفقت فيها المليارات على حرب عبثية؛ أرادت منها تقديم ولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان إلى الرأي العام المحلي والدولي باعتباره الرجل القوي صاحب الانتصار (الذي لم يتحقق) في اليمن!!

لم تحتمل الإمارات ويلات المشاركة المباشرة في الحرب بعد أن عادت إليها جثامين بعض أبنائها من ضحايا الحرب في اليمن، فأعلنت عن سحب قواتها، لكن لم تسحب حضورها عبر وكلائها وعبر مرتزقتها، بل إنها غذت رغبة الانفصال لبعض الجنوبيين وقدمت لهم كل دعم ممكن. وحين أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرا قراره بفرض حالة الطوارئ وتطبيق الإدارة الذاتية في مناطق الجنوب التي يسيطر عليها بدعم إماراتي، كان رئيس المجلس الزبيدي ونائبه المدخلي هاني بن بريك على أرض أبو ظبي. ولم يشأ بن زايد أن يعاتبهما على ذلك، بينما ترك وزيره للشؤون الخارجية أنور قرقاش يغرد متحفظا على الإدارة الذاتية، وهي فيما يبدو عملية تمويه وذر للرماد في العيون، لحجب الرؤية عن الموقف الإماراتي الحقيقي الراغب في انفصال الجنوب تمهيدا لبسط الهيمنة النفوذ عليه.

لم تكتف الإمارات بدعم انفصال الجنوب، بل راحت تعلن عن مطامعها التي غلفتها بمزاعم تاريخية في جزيرة سقطرى اليمنية (في المحيط الهندي)، والتي دفعت حلفاءها الانفصاليين لمحاولة احتلالها قبل أيام تمهيدا لتسليمها للإمارات على طبق من ذهب، كما فعل حليفهم السيسي بتسليم جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية؛ متجاهلا حقائق التاريخ والجغرافيا وحكم المحكمة الإدارية العليا وغضب الشعب المصري.

يستند ابن زايد إلى ثروات لم يكن له يد فيها، وهي ثروة النفط الذي تمتلك أبو ظبي غالبية حقوله في الإمارات، ومنه تمكنت من تأسيس واحد من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم (صندوق أبو ظبي للاستثمار) والذي كان يضم حوالي تريليون دولار، لكنه تناقص بفعل الإنفاق على المغامرات الخارجية لمحمد بن زايد وأشقائه الأصغر، بعيدا عن شقيقهم الأكبر خليفة بن زايد الذي يشغل رسميا موقع رئيس الدولة، لكنه لا يعلم شيئا عما يحدث في الدولة بسبب مرضه المزمن.

يحاصر ابن زايد قطر مع بقية رباعي الحصار، ويتوهم أن بإمكانه تركيعها وإخضاعها لنفوذه، بعد أن عجز والده من قبل عن ضمها لاتحاد الإمارات مطلع السبعينيات، ويدعي حقوقا تاريخية في سقطرى اليمنية ويعد أبناءها بمنحهم الجنسية الإماراتية بزعم أن أصول غالبية أهل إمارة عجمان تمتد لتلك الجزيرة، وهو ما ينبغي أن يكون سلاحا بيد اليمنيين للمطالبة بالسيادة على عجمان وليس العكس (تصدى أهل سقطرى حتى الآن للمطامع الإماراتية).

وللحقيقة، فقد نجح ابن زايد في شراء ولاء بعض الحكومات، كما فعل مع السيسي ومع النظام السوداني والموريتاني، ولكنه فشل حتى الآن مع الجزائر والمغرب. وقد عرض على هذه الأخيرة حوافز عديدة لدعم حفتر في ليبيا، مثل بيعها نفطا ليبيا بأسعار تفضيلية، ومنحها حصة من مشاريع إعادة إعمار ليبيا (على افتراض أنه سيكون صاحب القرار في ليبيا في حال انتصار حفتر، وتمكنه من حكم ليبيا) لكن المغرب رفض هذه العروض، فكان الرد الإماراتي بتسليط الذباب الالكتروني للنهش في المغرب وإطلاق الأكاذيب عن تعرضه للمجاعة.. الخ.

يحمل ابن زايد مشروعا تدميريا للمنطقة، وقمع الحريات فيها حتى لا يصاب بعدواها، ويفقد حكمه والنعيم الذي يعيش فيه، ولذلك فهو جاهز لإهدار أموال الإمارات لدعم الاستبداد، ووأد الحرية في كل مكان، وخاصة الأماكن القريبة وهي المنطقة العربية، لكن سنن التاريخ لن تتركه في هذا السفه، وحتما سيظهر من أبناء الإمارات من يتصدى لشروره.

twitter.com/kotbelaraby