بعد مطالبة الممثلة الكويتية حياة الفهد برمي الوافدين في الصحراء، دعا الكاتب السعودي سعود الفوزان إلى رمي المسلمين
الروهينغيا المقيمين في
السعودية؛ في البحر.
ومن الطريف أن اليهود جمعوا بين سعود وحياة، فالأول غرد ندما على تبرعه للفلسطينيين ومدافعا عن اليهود قبل ثلاث سنوات، والثانية تقدم حاليا في مسلسل رمضاني شخصية يهودية خليجية تعاني بسبب ديانتها.
ليس هذا موضوعنا، وليست أيضا
العنصرية في الخليج ضد الأقليات وذوي البشرة السمراء والوافدين، فالكل سمع عنها والبعض ذاق مراراتها.
بين الرمي في الصحراء أو في البحر يتكشف خداع النفس في مواجهة الواقع، فيجب أن يكون الآخر الضعيف هو المسؤول؛ هو "الشماعة" أو المبرر، من قبيل تلك الجملة التي ذكرها فيكتور هوغو في البؤساء واستعملت للسخرية من الملكيين ورجال الدين الذين اتهموا فولتير بإشعال الثورة بكتبهم "C'est la faute a Voltaire" (إنه خطأ فولتير).
يفسر علم النفس الاجتماعي حالة فوران الفوزان ضد البرماويين أو مسلمي الروهينغيا في السعودية، ويسميها بخطأ الإحالة الأساسي، أي الادعاء بأن الإنسان يسلك مسلكا متناقضا أثناء تفسيره لسلوكه وسلوك غيره. فأثناء تفسير الشخص لسلوكه، يركز على العوامل الخارجية الظرفية التي أدت به لاتخاذ قرار ما، ولكن عند تفسيره لسلوك غيره فإنه يركز بشكل غير مبرر على الخصائص الداخلية للفرد، مثل التعمد المسبق، بدلا من التركيز على العوامل الخارجية كما فعل مع نفسه.
ويشخص علم النفس الإدراكي ما أصاب الفوزان بأنه "انحياز فكري" ناتج عن الكسل، وهو الأسلوب الذي يلجأ إليه الدماغ ويؤدي إلى خطأ في السلوك نتيجة ميله إلى كسل في التفكير وتعامله مع العالم من حوله، فيتسبب في وقوعه في الخطأ بل وتكراره، لأن الفوزان في مثل هذه الأيام من العام الماضي وصف المنقبات في بلاده بأنهم من مخلفات الدولة العثمانية.
كيف نطبق الحالة المرضية لفوزان وغيره من الداعين إلى طرد مسلمي الروهينغيا من المملكة؟
أولا، يستند أصحاب فكرة الرمي في البحر وفق ما جاء في تغريداتهم ومقالاتهم وحملاتهم على ما يلي:
- كوّنوا عصابات إجرامية تهدد الأمن وتستولي على الأراضي وتنشر العشوائيات والمخدرات.
- يشكلون خطرا على الهوية والأمن والاقتصاد والمجتمع.
ثانيا، البورميون هاجروا إلى المملكة بسبب تصاعد بطش البوذيين في بورما أو ميانمار ضدهم منذ خمسينيات القرن الماضي، أي يعيشون فيها لما يقرب من ثماني عقود، وعددهم يصل إلى نصف مليون نسمة، وفقت الحكومة أوضاع ربع مليون، وبعضهم يحمل الحنسية السعودية، ويسكن معظمهم في أحياء يغلب عليها الفقر في مكة وجدة.
ثالثا، ربما يرتكب هؤلاء الفقراء الجرائم، لكن كيف لهم أن يفعلوا ذلك في ظل وجود نظام أمني محكم؟ ولو نظرنا إلى تجربة مماثلة في تركيا نجد أنها منذ 1930 إلى 2016 استقبلت مليوني مهاجر من مسلمي البلقان بسبب الحروب والتطهير العرقي الذي تعرضوا له في المنطقة، واستطاعت الدولة أن تدمجهم في المجتمع والاستفادة القصوى منهم.
إذن المشكلة في فشل النظام السعودي الذي لم يستطع دمج هذه الأقلية على مدى ثمانين عاما.
ولم يكن البورميين لينشروا العشوائيات لو لم يكن هناك فساد إداري ينخر في السعودية، وقد أصبحت العشوائيات واقعا في كل المملكة وليس في مناطق البورميين فقط، نتيجة تراجع المستوى الاقتصادي للطبقات المتوسطة والدنيا.
أما انتشار المخدرات في السعودية فلا يحتاج إلى بورميين أو غيرهم؛ لأن أخطر ما في هذه الظاهرة انتشارها في المدارس بين المعلمين. فقد ذكرت هيئة الرقابة والتحقيق في المملكة، أن عدد المتهمين من المعلمين بلغ في 520 قضية جنائية عام 2017، إلى جانب 2430 قضية تأديبية باشرتها هيئة الرقابة والتحقيق مع 2728 متهماً. وقالت الهيئة إن عدد السعوديين منهم بلغ 2568 متهماً، وغير السعوديين 160 متهما، وفقاً لما نشرته صحيفة "مكة" في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017.
وإذا كان الإجرام الداخلي سببه البورميون، فمن المسؤول عن الإجرام الخارجي؟ ومن ساعد المبتعثين في ولاية أوريغون الأمريكية وغيرها من الولايات على الهرب إلى المملكة بعد اتهامهم بجرائم قتل واغتصاب وتعاطي مخدرات، لدرجة أن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو طالب بتحقيق في اختفاء المتهمين بهذه القضايا، حسب موقع "oregon live"؟
ثم كيف تتهم أقلية ضعيفة فقيرة بتهديد هويتك واقتصادك، وولي العهد نفسه هتك عرض الهوية بهيئة الترفيه، واغتصب الاقتصاد بمشاريعه الوهمية؟ فقد قالت وزارة المالية السعودية إن عجز الميزانية في الربع الأول من عام 2020 بلغ 9.07 مليار دولار، وأن إيرادات الربع الأول انخفضت بنسبة 22 في المئة مقارنة مع الفترة ذاتها العام الماضي.
لعل من حسن حظ سعود الفوزان وحياة الفهد وغيرهما من العرب أنهم لا يحتاجون للذهاب إلى عيادة طب نفسي لعلاج العنصرية وخطأ الإحالة الأساسي والانحياز الفكري، فربما يكون هناك طبيب وافد قد يسبب لهم صدمة نفسية جديدة.
وإنما كل ما عليهم أن يتأملوا أفكارهم وسلوكياتهم الخاطئة، ويفندوا مساوئها ويعيدوا النظر في تبعاتها، ثم العمل على التغيير شيئاً فشيئاً بوعي ذاتي عميق ومراقبة للنفس، وربما دعم ممن يثقون فيهم.
إن إرادوا العلاج.