حملة ممنهجة في بعض وسائل
الإعلام العربي الممولة من الجهات نفسها تستهدف زعيم حركة النهضة التونسية راشد
الغنوشي شخصيا وعائلته، إلى جانب محاولة تشويه تونس ونتائج ثورتها الربيعية، التي
أزهرت في بداية عام 2011، فيما لا يوجد أي رابط وراء الاتهامات المرسلة، التي
تفتقد للأدلة، سوى أن مصدرها واحد، وهو وسائل الإعلام الممولة من قوى الثورة
المضادة.
الحملة الجديدة التي تنشغل بها بعض وسائل
الإعلام منذ يومين وصلت إلى درجة اتهام الغنوشي وعائلته بالفساد والثراء غير
المشروع على حساب الثورة، على الرغم من أن الرجل وعددا كبيرا من المسؤولين
التونسيين تقدموا بإقرارات وكشوفات لما يمتلكونه، وتحققت منها الدولة التونسية،
بما ينسف تماما كل هذه الادعاءات، وهذا يعرفه التونسيون جيدا، لكن الواضح أن
الحملة تهدف للإساءة إلى الثورة في تونس، والترويج إلى أن الثورات، وإن نجحت،
فإنها لا تُنتج أنظمة نظيفة، وهذه بطبيعة الحال مزاعم غير صحيحة، ففي تونس اليوم
أفضل نظام عربي، وفيها الرئيس الوحيد الذي أصرّ على أن يحمل المساعدات الإنسانية
على كتفه، ويذهب بها إلى فقراء بلده ليلا على طريقة عمر بن الخطاب، في الوقت الذي
يختبئ الحكام العرب في بروج مشيدة؛ خوفا وجزعا من فيروس كورونا.
الغريب في الحملة التي تستهدف الغنوشي أنها
أيضا توسعت إلى وسائل إعلام عربية ومحلية عديدة، غير التي تعودنا عليها، وهذا يدل
على أن المنابر المعتادة لقوى الثورة المضادة أصبحت محروقة، ولم تعد مجدية ولا
مفيدة، وصولا إلى أن كاتبا أردنيا معروفا لا يكتب أصلا في الشأن العربي ولا
الدولي، ولا يعرف فيهما الكثير، يكتب مقالا عن «الفساد الثوري» الذي يغرق فيه
الغنوشي وحزبه، دون أن يتحمل عناء البحث لدقائق على «غوغل» ليكتشف بأن الرجل تقدم
أكثر من مرة ببيان ممتلكاته، ومن أين جاء بها إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد،
وعليه فإن هذه المزاعم لا يمكن أن تكون صحيحة.
الغنوشي ليس بحاجة لمن يدافع عنه بطبيعة الحال،
فهو يتزعم الحركة التي تشارك في حكم تونس، ذلك البلد الذي علّم العرب كيف يثورون
وكيف يرفعون صوتهم ويطالبون بالتغيير السلمي، وهو البلد الذي فيه رئيس منتخب
وبرلمان منتخب وأحزاب ونقابات وصحافة وحريات، وكل هذه الفواكه السياسية المفقودة.
والغنوشي نفسه سبق أن رفع دعاوى قضائية لمن نشروا بحقه شائعات، واستطاع قبل سنوات
أن يكسب دعوى قضائية ضد صحيفة عربية تصدر في لندن، نشرت أكاذيب بحقه.. لكنّ السؤال
الأصح هنا: ما هو سبب الحملة التي تستهدف تونس؟
السبب الأهم وراء الحملة الجديدة التي تستهدف
تونس يكمن في التطورات الأخيرة في ليبيا، حيث تكاد المعارك تكون قد حُسمت وظهرت
نتائجها، وانتهت إلى تغليب كفة القوى الثورية المناهضة للثورة المضادة، وهي قوى
حليفة لتونس وللغنوشي، وانتصارها يُنذر باقتراب الموجة الثانية من ثورات الربيع
العربي، كما أنها انكفاءة جديدة للقوى المعادية لثورات الشعوب العربية. قوى الثورة
المضادة تحاول تعويض خسارتها في ليبيا بحملة تشويه لتونس وثورتها، وحملة تستهدف
حركة النهضة ورموزها، والرسالة التي تحاول أن تبعث بها هذه القوى هي أنه «حتى لو
نجحت ثورات التحرر فإنها تنتج فاسدين أيضا، لذلك لا تثوروا ولا تقاوموا أي ظلم».
هذا طبعا بالإضافة إلى السبب التقليدي، والسبب
الأساس لاستهداف التجربة التونسية، وهو النموذج الثوري الناجح أو الأنجح في العالم
العربي، والنموذج الذي استطاع أن يضمن مشاركة الجميع في الحكم والعمل السياسي، وهي
الدولة التي استطاعت أن تحقق تحولا ديمقراطيا معتبرا، لم نشهد له مثيلا في عالمنا
العربي منذ عقود، وهذا النموذج يشكل تهديدا لغابات الاستبداد التي يغرق فيها
عالمنا العربي، ولذلك فإن أنظمة الاستبداد تحارب على مدار الساعة ضد هذا النموذج.
تواجه تونس العديد من
التحديات، والمؤامرات الخارجية الممولة من معسكر الثورة المضادة، هي واحدة من هذه
التحديات، لكن الشعب الذي استطاع اقتلاع نظام بن علي بأقل الخسائر قادر بكل تأكيد
على تجاوز هذه التحديات.
(عن القدس العربي)
خطة الضم الإسرائيلية تجدد النكبة
اختصاص «الجنائية» حول دولة فلسطين: قرار تاريخي وشجاع