شهد السودان خلال الأسابيع الأخيرة تصعيدا في الصراعات بين القبائل، وسقط قتلى وجرحى في معارك بينها في مناطق مختلفة، في خضم فترة انتقالية تواجه تحديات على أكثر من صعيد.
ومن شأن هذه الصراعات أن تعقد
مهمة السلطات الانتقالية، التي تحاول حل كل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، ووضع
حد لنزاعات مع مجموعات عدة.
وخلال الأسابيع الماضية، قُتل
59 شخصا وجُرح العشرات نتيجة اشتباكات قبلية، بعد أن ساد اعتقاد بأن مثل هذه المواجهات
انتهت، مع الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير ونظامه قبل أكثر من سنة.
وقال المحلل السياسي السوداني
محجوب محمد صالح لوكالة "فرانس برس": "بعد انفصال الجنوب، أصبحت
الصراعات تدور في دولة تتجاذبها حروب في ثلث ولاياتها، ولا تبسط سيطرتها على أراضيها كافة"، مضيفا أنه "مع ضعف سيطرة الدولة، تصاعدت ثقافة الحرب وانتشر
السلاح غير القانوني، وزاد عدد المليشيات وتدهور الاقتصاد، وزاد الغبن الاجتماعي،
وإحساس الأقاليم بالظلم والتهميش".
وأطاح الجيش السوداني بالبشير
في نيسان/ أبريل 2019 بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية، وتسلمت الحكومة السودانية
مهامها الانتقالية لثلاث سنوات، التي تألفت من عسكريين ومدنيين الحكم في صيف 2019،
بعد مفاوضات شاقة مع المحتجين تخللتها عملية دامية لفض اعتصام يطالب بالديموقراطية.
اقرأ أيضا: توقيع وثيقة لإنهاء صراع قبلي شرق السودان
ووضع رئيس الحكومة الانتقالية
عبد الله حمدوك على سلم أولوياته إنجاز المصالحة الوطنية في البلاد، فأطلق مفاوضات
سلام مع المجموعات المتمردة التي قاتلت نظام البشير لسنوات.
ودعت الأمم المتحدة في آذار/
مارس إلى وقف المواجهات بين المناطق، ولو أن وتيرتها أقل من السابق.
وفي السابع من أيار/ مايو، قُتل
ثلاثون شخصا في نزاع بين قبيلة الرزيقات العربية
والفلّاتة الأفريقية في ولاية جنوب دارفور في غرب البلاد بسبب سرقة أبقار.
في شرق البلاد، شهدت مدينة كسلا
في التاسع من الشهر نفسه نزاعا بين أفراد قبيلتَي البني عامر والنوبة، أسفرت عن مقتل
ثلاثة أشخاص من البني عامر، وبلغ عدد الجرحى والمصابين 79، وأحرقت منازل.
وفي 13 أيار/ مايو، قتل 26 شخصا
وجرح 19 آخرين في اشتباكات على خلفية سرقة أبقار في مدينة كادقلي عاصمة ولاية جنوب
كردفان.
ويحفل تاريخ السودان بالصراعات
الإتنية والقبلية منذ استقلاله في 1956.
ومنذ 2003، يشهد إقليم دارفور
نزاعا بدأ حين حملت مجموعات تنتمي إلى أقليات أفريقية السلاح ضدّ حكومة الخرطوم، متّهمة
إياها بتهميش المنطقة اقتصاديا وسياسيا. ووفقا للأمم المتّحدة، تسبّب النزاع بمقتل
300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون آخرين.
اقرأ أيضا: الثورة السودانية "المختطفة" بين الأيديولوجيا وسياسة المحاور
من جهته، أشار خبير أمني لم
يرغب في ذكر اسمه، إلى اختلاف طبيعة الصراع القبلي الحالي عن الماضي.
وقال لوكالة فرانس برس: "في السابق، كانت النزاعات القبلية في مناطق ريفية نائية وتتركز حول المرعى أو
مورد المياه أو حتى الأرض، ولكنها الآن وصلت إلى مناطق حضرية لم تعتد على مثل هذه الصراعات
من قبل".
وأضاف أن هذا الأمر قد يمثّل
"تهديدا" للفترة الانتقالية، موضحا أنه "عندما كانت الصراعات تجري في
مناطق الرعاة، كانت آليات حلها سهلة، لكن الأمر تعقد وأصبح مهددا حقيقيا للفترة الانتقالية
إذا لم تعالج جذور هذه الصراعات".
ولفت الى أن القبائل تتسلح عبر
تجارة السلاح المزدهرة عبر الحدود مع أريتريا وإثيوبيا، في ظل عدم سيطرة السلطات على
كل الأراضي السودانية.
اقرأ أيضا: نكسة للسودان.. "العليا الأمريكية" تفرض تعويضات جديدة عليه
ويرى الصحفي المتخصص في النزاعات
الإتنية في شرق أفريقيا عارف الصاوي، أن هناك استخداما أيضا في الصراعات الحالية
"لبندقية إما حكومية أو مدعومة من الحكومة"، معتبرا أن هذا "سيؤثر في
تركيبة المنظومة الأمنية نفسها"، وذلك في إشارة إلى مشاركة أفراد من القوات المسلحة
وقوات الدعم السريع في اشتباكات كادقلي.
وذهب آخرون إلى حد اعتبار أن
هناك "طرفا ثالثا" يدفع في اتجاه عرقلة جهود الحكومة الانتقالية.
ويقول زعيم قبيلة الفلاتة يوسف
السماني لفرانس برس: "نحن والرزيقات علاقتنا وثيقة على مدى عقود من الزمن، لكن
جهات أشعلت هذه الفتنة بيننا".
ونقلت وكالة الأنباء السودانية
"سونا" عن عضو مجلس السيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، قوله عقب اشتباكات
كادقلي "ظلت قوات الدعم السريع منذ حدوث التغيير في البلاد تواجه كثيرا من التحديات،
وتتعرض لغدر واستهداف مخطط ومرتب تقف وراءه أياد خفية".
وأضاف حميدتي الذي يقود
"قوات الدعم السريع" المتهمة بارتكاب انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان في دارفور
خصوصا عبر قوة "الجنجويد"، "هذه الأيادي لا تدمّر الدعم السريع فقط، بل تعمل على تدمير السودان، لذلك سنقوم بكشفها في القريب العاجل".
وربط المحلل السياسي النور حمد
هذا "الطرف الثالث" بنظام البشير السابق.
وقال حمد: "واضح لكل من
راقب الحالة الأمنية في البلاد في الشهور الماضية، أن هناك أيادي تعبث بأمن البلاد
واستقرارها وتمثلها جهات أعلنت عن نفسها بنفسها"، موضحا أنه قبل بضعة أشهر
انتشر مقطع فيديو، تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه قيادي: "لن
ندع حكومة حمدوك تشتغل".
وأفاد شهود في كسلا أنهم رأوا
سيارات خلال الاشتباكات كانت تحرق المنازل وتطلق النار، ومن فيها لم يكونوا من طرفي
النزاع.
وقال المواطن السوداني حسين
صالح عبر الهاتف من كسلا: "قطعا هناك طرف ثالث من مصلحته خلق حالة اضطراب وتأجيج
النزاع".
وسط أزمة سياسية.. دعوات لتغيير نظام الحكم بتونس
مركز فلسطيني: علاقات السودان بإسرائيل تؤثر سلبا على قضيتنا
تشكيل نتنياهو لحكومة جديدة.. واقع معقد ومستقبل متفجر