يتبادر للبعض أننا سنتكلم في المقال عن فيروس
كورونا المستجد المسمى بكوفيد-19 (COVID-19)، نسبة إلى عائلة الفيروسات التاجية كورونا، التي لها أجناس متعددة، وهي ألفا وبيتا وجاما ودلتا (انظر في ويكيبيديا للتفصيل)، ويندرج كوفيد-19 تحت جنس كورونا بيتا، التي يربط بعض الناس بينها وبين موجات
الجيل الخامس من شبكات الهاتف الخلوي (5G).
نعم سنتكلم عن شبكات الهاتف الخلوي وبخاصة الجيل الخامس (5G)، وليس عن كورونا وأجناسه. ولكن قبل هذا، دعونا نؤكد أنه ليس هناك أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة مثبتة علميا أو معمليا، تربط بين موجات الجيل الخامس من شبكات الهاتف الخلوي (5G) وفيروس كورونا، من حيث قدرتها على أن تزيد من انتشاره. ونؤكد أن حرق بعض المواطنين محطات الجيل الخامس من شبكات الهاتف الخلوي (5G) في دول أوروبية عديدة، منها إنجلترا وهولندا، ناتج عن جهل مركب بطبيعة تلك الشبكات وكذلك الفيروس.
وقبل أن نشرح الجيل الخامس من شبكات الهاتف الخلوي (5G)، دعنا نتعرف في عجالة على أجيال الهاتف الخلوي، التي أصبحت شبكاته العاملة في كل دول العالم بمنزلة العمود الفقري للقفزات التكنولوجية الحديثة، وما تساهم به في إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة لا يتسع المجال لذكرها.
الأجيال الأولى من شبكات الهاتف الخلوي (1G-2G)
تقوم هيكلية شبكات الهاتف الخلوي على مبدأ تقسيم الشبكة الواسعة جغرافيا، التي قد تصل إلى عدة مئات من الكيلومترات، إلى مناطق خدمة جغرافية صغيرة قد تصل أصغرها إلى عدة مئات من الأمتار، وذلك حسب عدد المستخدمين وطبيعة المنطقة، وهذه المنطقة الصغيرة تخدمها محطة واحدة ويطلق عليها خلية.
وهكذا تتكون الشبكة من خلايا كخلايا النحل، ومن هنا جاءت تسمية الهاتف الخلوي (Cellular Telephone )، وكذلك تسمية الشبكة الخلوية.. إلخ. وكان الجيل الأول (1G) إشارته تناظرية (Analog)، بينما الجيل الثاني وهو البداية الحقيقية لشبكات الهاتف الخلوي (2G) كانت إشارته رقمية (Digital). وأشهر نماذج الجيل الثاني من شبكات الهاتف الخلوي (GSM)، وهي اختصار الشبكة العالمية للمحمول. وكانت الخدمة الصوتية هي الخدمة الأساسية، ويعمل على تردد 900 ميجاهرتز.
وكانت شبكات الجيل الثاني تعمل في دول أوروبا والشرق الأوسط منذ بداية التسعينيات وحتى نهايتها، ولا تزال في الخدمة حتى الآن. وفي بداية الألفية الجديدة بدأ معيار دخول البيانات على استحياء لهذه الشبكات، ولكنه لم يكن كافيا لخدمة الطلب المتزايد على خدمة البيانات وخاصة خدمة الإنترنت.
الجيل الثالث (3G)
في هذا الجيل من شبكات الهاتف الخلوي، حافظت هيكلية الشبكة على مسار الخدمة الصوتية للمستخدمين كما في الجيل السابق، مع إنشاء مسار جديد للبيانات تكون فيه سرعة البيانات عالية. ولقد وصلت هذه السرعة مع نهاية هذا الجيل ما يصل إلى 42 ميجابت في الثانية. وأشهر نماذجها (UMTS) النظام العالمي للاتصالات الهاتفية، ويعمل على تردد 2 جيجاهرتز.
الجيل الرابع (4G)
وهذا الجيل هو الذي يعمل حاليا كجيل أساسي لخدمة شبكات الهاتف الخلوي. وقد تمت هيكلة شبكاته لكي تكون خدمة البيانات وما يتبعها من التواصل مع الإنترنت هي الهيكلة المعيارية الأساسية في بناء الشبكة، وأصبحت الخدمة الصوتية إضافة على هيكلة شبكات الجيل الرابع بإضافة وحدة (IMS) وهي نظام برتوكول الإنترنت للوسائط المتعددة.
ونموذج شبكات الجيل الرابع هو (LTE) وهي هيكلية التطور طويل المدى، وقد تصل سرعات هذا الجيل إلى 300 ميجابت في الثانية، ويعمل على ترددات كثيرة تتراوح من 600 ميجاهرتز وحتى 3.5 جيجاهرتز، وذات نطاق عريض (Bandwidth) يصل إلى 20 ميجاهرتز.
الجيل الخامس (5G) والمستقبل
وهو الجيل القادم من شبكات الهاتف الخلوي، الذي بدأت خدمته فعليا من العام الماضي، والذي يوفر ترددات عديدة كما في الجيل الرابع، ولكن يدعم نطاقا أعرض يصل إلى أضعاف الجيل الذي يسبقه، حيث يصل أقصى نطاق عريض له إلى 400 ميجاهرتز، مما يؤهل هذه الشبكات إلى الوصول إلى سرعات تصل إلى 10 جيجابت في الثانية، وهذا يسمح لمزودي الخدمة الخلوية إلى منافسة مزودي الإنترنت ذوي الكوابل الضوئية.
وكذلك عدم اقتصار هذا الجيل على خدمة البشر فقط، بل أصبحت شبكات الهاتف الخلوي تدعم بصورة طبيعية إنترنت الأشياء (IoT)، التي ظهرت مع الجيل الرابع، ولكنها ستكون كخدمة أساسية في الجيل الخامس، مما يتيح ربط الأشياء الإلكترونية بعضها ببعض بصورة سهلة ومبسطة وأساسية، وكذلك ربطها بشبكة الإنترنت وتطبيقاتها اللامحدودة، كالبيوت الذكية والسيارات ذاتية القيادة.. إلخ.
الجيل الخامس وفيروس كورونا
في استعراض سريع لمحرك البحث جوجل، نجد أن كلمتي البحث (5G & Corona) قد تم سردها في كبرى المنشورات الصحفية، كواشنطن بوست وفوربس وبي بي سي وغيرها، ويُذكر الأمر وكأن هناك مؤامرة عالمية في هذا الأمر. وقد بدأ الأمر بتصريح لأحد المواطنين في بلجيكا لأحد الصحف المحلية بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير 2020، بأن شبكات الجيل الخامس مهددة للحياة، وكذلك هي مرتبطة بفيروس كورونا المستجد. ورغم أن الصحيفة قد مسحت هذا المقال بالكلية، ولكن يبدو أن الإشاعات في زمن الأوبئة، تنتشر بطريقة غير مسؤولة، وخاصة في ظل وجود شبكات التواصل الاجتماعي، التي تعمل على سرعة انتشار الإشاعة، بل وتضخمها في سويعات معدودة (راجع مقال الواشنطن بوست بتاريخ الأول من أيار/ مايو 2020).
ومن ثَم، فقد بدأت أطراف تدخل على خط المواجهة،
فبعض الدول تريد أن تبطئ عملية انطلاق شبكات الجيل الخامس للدول المنافسة لها، وكذلك مروجو الإشاعات ومحبو اللايكات من رواد
شبكات التواصل الاجتماعي، فأدى ذلك إلى أن قام بعض المواطنين بإحراق محطات التغطية للشبكات في هولندا وإنجلترا (وصلت في إنجلترا إلى أكثر من 30 محطة). وقد اتهم المواطنون شبكات الجيل الخامس، بما لها من خصائص ذات تردد عال ونطاق عريض، بأنها تسبب زيادة حرارة الجسم، وأن ذلك يساعد على انتشار الفيروس.
الحقيقة العلمية الثابتة حتى وقتنا الحالي، أن كوفيد- 19 ليس له علاقة بشبكات الجيل الخامس، ولا يسبب زيادة حرارة الجسم، ولا يساهم في سرعة انتشار الفيروس. إن الفيروس حسب
منظمة الصحة العالمية ينتقل عبر الهواء والرذاذ بين شخص مصاب وآخر سليم.
وهكذا، يتضح أن نظرية المؤامرة بين الجيل الخامس لفيروس كورونا وشبكات الجيل الخامس للهاتف الخلوي، ما هي إلا أوهام في عقول بعض الناس.
Mohmed.hafez@vrbglobal.com