بحجارة عتيقة ممتدة
على طول المشهد تتراص بعناية لتشكل مسجداً كم مرت عليه من أحداث وحكايات، فهو شاهد
على جراح وانتصارات ونكبات ما زال صداها يتردد إلى الآن في فلسطين.
ولعل مسجد النبي
صموئيل شمال القدس المحتلة كان واحدا من المساجد التي وقعت ضحية التهويد منذ
النكبة عام ١٩٤٨ والنكسة عام ١٩٦٧، ورغم بنائه القديم وتاريخه الأيوبي إلا أن ذلك
لم يشفع له أمام هجمة الاحتلال.
ويقع المسجد في المكان
الذي أعطاه اسمه؛ فقرية النبي صموئيل التي احتلت عام ١٩٦٧ ما زالت تعيش حتى الآن
واقعا صعباً تحت الاحتلال ولكنها تشمخ بمسجدها الذي سيطرت "إسرائيل" على
جزء منه.
ورغم وجود المئذنة
العريضة التي تميزه إلا أن الاحتلال قام بالاستيلاء على جزء منه وتحويله إلى كنيس
للمستوطنين، أما المسلمون فقيود ضيقة تفرض عليهم حين يحاولون الوصول إليه.
وتقول رئيسة جمعية نسوية
النبي صموئيل نوال بركات لـ"عربي21": إن مسجد القرية بناه القائد صلاح
الدين الأيوبي كقلعة على أراض مرتفعة، وهو من سماها، ثم تحول إلى مسجد.
وتوضح بأن القرية كانت
تعيش مجدها بمناطقها الأثرية، وإطلالتها الساحرة حتى تم احتلالها عام ١٩٦٧؛ لينقطع
التواصل بينها وبين القدس والتي لا تبعد عنها سوى دقائق في المركبة، وتفرض عليها
حراسة مشددة تبعدها عن أي تواصل مع المدينة.
وتبين بأن الاحتلال
قام على مدار السنوات بالزحف شيئا فشيئا إلى المسجد، في محاولة لتحويله إلى كنيس،
وقام بالاستيلاء على جزء منه بالفعل وتخصيصه للمستوطنين، أما بقية المسجد فيسعى
إلى احتلاله عبر التضييق على الفلسطينيين ومحاولة منعهم من الوصول إليه.
وتضيف: "نحاول
الحفاظ على المسجد قدر الإمكان؛ ولكن الاحتلال يضيق علينا ويستهدف وجودنا؛ حيث
يمنعوننا أحيانا من رفع الأذان والصلاة فيه ويزيلون مكبرات الصوت فنعيدها؛ حتى
أنهم ملوا من ذلك، وفي كثير من الأحيان يمنعوننا من دخوله بحجة أعياد المستوطنين
الذين يأتون بأعداد كبيرة للصلاة فيه".
وتشير بركات إلى أن
الاحتلال يحول محيط المسجد إلى ثكنة عسكرية؛ حيث ينتشر الجنود حوله دائما ويقيمون
نقاط حراسة شديدة.
تاريخ مؤلم
بدوره يقول الخبير في
شؤون الاستيطان جمال عمرو لـ "عربي21" إن القرية تقع على أعلى قمة في القدس على
الإطلاق؛ بحيث يمكن أن يشاهد منها كل المناطق وتطل على رام الله والقدس.
ويوضح بأنها بقيت تحت
القيادة الأردنية حتى عام ١٩٦٧ وبني المسجد على قمتها في عهد صلاح الدين الأيوبي،
الذي اعتاد أن ينسب كثيرا من القرى والمناطق للأنبياء في مواجهة الحروب الصليبية ليتمسك
الناس فيها؛ ومثال ذلك قرية النبي صالح ومنطقة النبي موسى، فأطلق على هذه المنطقة
اسم النبي صموئيل.
وبسبب ارتفاعها شكلت
القرية إنذارا مبكرا للقدس؛ ووضعت فيها حاميات وبقيت فيها آخر فرقة من الجيش
التركي التي تعرضت لهجوم عنيف من الجيش البريطاني آنذاك، حيث قاتل فيها العثمانيون
واستشهد على أرضها وعلى أرض القدس في يوم واحد ٢٥ ألف جندي تركي.
ويشير عمرو بأن القرية
دفعت ضريبة مع القدس وحين احتلت المدينة، تعرضت هي الأخرى لحرب مماثلة، وذُبح
أهلها وأقيمت فيها مقبرة لجنود الجيش العثماني.
وأشار إلى أنها بقيت
منطقة شبه حدودية تطل على يافا ومجاورة لبلدات بيت إكسا والجيب وبيت حنينا شمال
وغرب القدس؛ لافتا إلى أنها بعد احتلالها بقيت بعيدة عن مراكز المدن، فلم تشهد
تزايدا في أعداد السكان الذين يبلغ عددهم الآن ٣٠٠ نسمة فقط وهم جميعا من عائلة
واحدة.
ولم يمكث الاحتلال
كثيرا بعد احتلال النبي صموئيل حتى أعلنها محمية طبيعية وأحاطها بسلك شائك؛ ولكن
أهلها رفضوا الخروج منها فبقوا تحت غطرسة الاحتلال وممارساته اليومية التضييقية.
ويضيف: "من يزور
القرية يصاب بالصدمة من شدة جمالها وجمال الطبيعة فيها، وحتى مسجدها الجميل
التاريخي الذي يتعرض للكثير من القرصنة الإسرائيلية".
واقع قاسٍ
وتعيش القرية حياة صعبة؛
فالاحتلال يريد تهجير أهلها وطردهم منها بكل الوسائل؛ ويمرون بقيود غير مسبوقة ولا
تتكرر في أي قرية في العالم.
وتوضح بركات بأن
الاحتلال يعزل القرية تماما؛ فأهلها ممنوع عليهم دخول القدس رغم عدم وجود أي حواجز
بينهما؛ وينصب حاجزا عسكريا بين القرية وبقية الضفة؛ بحيث يتعرضون للتفتيش
والتدقيق عند الدخول والخروج.
وتبين بأن عزل القرية
وصل إلى درجة منع أي فلسطيني من الضفة من دخولها إلا بتنسيق مسبق مع الاحتلال؛
بحيث إذا تزوجت فتاة من شاب داخل القرية تعاني صعوبة كبيرة إذا أرادت عائلتها
زيارتها، وهو الأمر الذي تسبب بهجرة الكثيرين عنها.
وتشير إلى أن الواقع
المأساوي طال المرضى كذلك؛ فأي حالة مرضية تحتاج إلى تنسيق مع مركبة الإسعاف، التي
يطول انتظارها لساعات حتى تحصل على تصريح بالدخول.
أما المدارس فيضطر
الطلبة لارتيادها خارج النبي صموئيل، لأن المدرسة الوحيدة فيها لا تتسع لعدد كبير
من الطلاب، فيضطرون للذهاب إلى قرى مجاورة والسير مسافات طويلة، وهو ما يفتح
قضية المواصلات السيئة التي لا تصل إلى القرية.
وتبين بركات بأن
الاحتلال يمنع أهالي القرية من البناء نهائيا منذ عام ١٩٦٧؛ وأنهم حين يضطرون
للبناء يضيفون غرفا إلى منازلهم فتأتي بلدية الاحتلال وتطاردهم حتى يقوموا بهدمها.
ويوضح الخبير عمرو بأن
القرية تعيش حياة قاسية بالفعل دون تسليط الضوء على ذلك؛ فلا يحق للأهالي أن
يقوموا بأي نشاط سكني أو اجتماعي، وحتى مسجدهم لا يستطيعون الوصول إليه في كثير من
الأحيان.
ويقول إن أهالي القدس
حاولوا تنظيم زيارات للمسجد من أجل دعمه أمام الاستيطان ولكن الاحتلال وأد هذه
المحاولات بالتضييق والملاحقة الأمنية.
ويشير إلى أن الاحتلال
استطاع أن يزور تاريخا أمام مستوطنيه حول المسجد فألف حكاية خرافية عن النبي صموئيل
ووجود قبر له هناك؛ وهو الأمر الذي ثبتت عدم مصداقيته.
ويعتمد أغلب أهالي
القرية على العمل داخل الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨؛ ولكن بسبب عدم امتلاكهم التصاريح
لدخول أرضهم فيتم اعتقالهم ومنعهم من الدخول مجددا، لتكتمل بذلك حلقات التضييق بكل
أشكالها على القرية.
محللون: لا يوجد دور عربي حقيقي لمواجهة خطط الضم
القدس بذكرى احتلالها.. صمود أمام القمع ومخططات التهويد
ذوو الاحتياجات الخاصة في مرمى قناصة الاحتلال الإسرائيلي