نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تحقيقا حول الهجوم الذي نفذه ضابط سعودي
في قاعدة عسكرية أمريكية نهاية العام الماضي.
وقالت الصحيفة في تحقيقها، الذي ترجمته "عربي21"، إن المسلح الذي
قتل ثلاثة من زملائه في فلوريدا لم يكن مرتبطا بتنظيم القاعدة، ولم يستلهم عمليته
من الإنترنت فقط، بل كان يمثل نوعا من الإرهاب من الصعب اكتشافه بشكل يعطي صورة عن
"إرهابي غير متفرغ".
وأشارت الصحيفة إلى تصريحات الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، حيث تعهد
أمام كاميرات الإعلام وبعد تنصيبه رئيسا باتخاذ نهج يبعد "الإرهاب
الإسلامي الراديكالي" عن الولايات المتحدة.
وأكد ترامب أن المواطنين الأمريكيين سيفرحون بالنتيجة، حيث أشار إلى الأوامر التي
اتخذها، وضرورة القيام بعملية تدقيق شديدة وصارمة في منح التأشيرات.
إلا أن التدقيق الصارم لم يوقف الملازم أول محمد الشمراني من فتح النار في
قاعدة بينساكولا بفلوريدا، حيث قتل ثلاثة متدربين وجرح ثمانية آخرين، قبل أن يطلق
عليه النار ويقتل.
وكان الحادث واحدا من سلسلة هجمات داخل القواعد الأمريكية التي دفعت
المسؤولين الأمريكيين للاعتراف بوجود خلل في طريقة النظر والتدقيق، وتعهدوا القيام
بإصلاحات.
لكن تحقيق "نيويورك تايمز" كشف عن الخلل والفشل في عملية الاختيار، والتدقيق في ملفات الطلاب العسكريين الدوليين ومراقبتهم، حتى بعد تطوير نظام تدقيق
متقدم بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001.
ويكشف التحقيق أن فشلا في عملية التدقيق الأمني الأمريكي والسعودي حدث في
كل خطوة قبل أن يصل الشمراني إلى أمريكا وينفذ عمليته.
وشمل تحقيق الصحيفة مراجعة للوثائق ومقابلات مع مسؤولين أمريكيين حاليين
وسابقين وأقارب وأصدقاء الشمراني.
وتقول الصحيفة إن المخابرات السعودية فشلت في اكتشاف المظاهر الأولية
للتطرف لدى محمد الشمراني وحياته على الإنترنت. وفشل نظام التدقيق الأمني الأمريكي
والذي تديره وزارة الخارجية والبنتاغون بما لديهما من فرصة للاطلاع على ملفات الاستخبارات
في الكشف عن ميول الشمراني المتطرفة، بما فيها نشاطاته المثيرة للقلق على منصات
التواصل الاجتماعي المرتبطة بالأيديولوجية المتطرفة.
كما لم تتم متابعة الشمراني حالة وصوله إلى أمريكا بناء على برنامج التهديد
الداخلي الذي تم تطويره بعد الهجوم في قاعدة فورت هود بتكساس عام 2009 وقاعدة نيفي
يارد بواشنطن عام 2013. والسبب هو أنه لم يتم توسيع البرنامج ليشمل الطلاب
الأجانب.
وكان الشمراني على اتصال مع القاعدة قبل عامين من وصوله إلى الولايات
المتحدة، وظل كذلك حتى ليلة تنفيذ العملية.
وقال مارتن ريردون، الضابط المتقاعد من مكتب التحقيقات الفدرالية (أف بي
آي): "لقد حدث الخطأ". وقال الضابط الذي عمل في مجال مكافحة الإرهاب
وكلف بالعمل في السفارة السعودية بواشنطن أن هناك حاجة لتخصيص موارد أكبر والتدقيق
في المتدربين الأجانب "وهو أمر أعتقد أن على وزارة الدفاع وغيرها من فروع
وكالات الحكومة عمله".
وتشير الصحيفة إلى أن السبب الرئيسي وراء عدم اكتشاف ميول الشمراني
المتطرفة هو أنه يمثل نوعا جديدا من الإرهابيين. فهو لم يطلب منه القيام بمهمة
وتنفيذها من البداية حتى النهاية، ولا استلهم أو تأثر بأفكار ونشاطات الجهاديين
الدعائية على الإنترنت. إنه يشبه المتعهد الشخصي الذي وجه نفسه بنفسه وساعده بقوة
فرع تنظيم القاعدة في اليمن.
ويعلق كولين بي كلارك من مركز صوفان في نيويورك: "ربما تحول المتعهد
الشخصي الذي يعتمد على نفسه النهج الأكثر شعبية لأنه يسمح بمرونة تكتيكية من جانب المهاجم
ويعطيه مساحة واسعة للنجاح".
وفي شهادات من أفراد عائلة الشمراني قالوا فيها إن حلمه كان تعلم الطيران.
ولد الشمراني في قرية زراعية صغيرة ونشأ قرب الحسا ليس بعيدا عن شركة النفط
السعودية الضخمة (أرامكو) بالمنطقة الشرقية. وانتقل والده إلى المنطقة للعمل في
مطار محلي وترفع ليصبح مسؤول أمن. وأبدى الشمراني في صغره جدية أكثر من نظرائه.
وكانت عائلته متدينة لكنها ليست متشددة كما يقول المحقق السعودي المتقاعد والذي
يعيش بجنوب السعودية ويعرف العائلة.
وفي تقرير داخلي للحكومة السعودية أعدته بعد فترة قصيرة من العملية فقد بدأ
الشمراني نشاطاته على تويتر عام 2014 ولم يكن يتجاوز الرابعة عشرة. وركز في تلك
الفترة على الشعر والقرآن. وبعد ثلاثة أعوام بدأ بمتابعة رموز دينية سعودية مثل
عبدالعزيز الطريفي وإبراهيم السكران المعتقلان منذ 2016 بالإضافة لرموز دينية
أردنية وكويتية. وأصبحت أفكار الشمراني متشددة حسب التقرير السعودي. وفي عام 2015
حصل أول اتصال بين الشمراني وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو الفرع
اليمني الذي درب وأعد ما عرف بـ "مفجر السروال" عمر فاروق عبد الله. ولا
يعرف كيف اتصل الشمراني بها ومن اتصل به. ولم يتعرف المحققون الأمريكيون عن
اتصالات الشمراني بالقاعدة إلا بعد أشهر من العملية وبعدما مرر محققو (أف بي أي)
المعلومات الواردة على واحد من هاتفي "أيفون" للمنفذ.
انتقل الشمراني لتحقيق حلمه بأن يصبح طيارا عندما قبل في سلاح الجو السعودي
الذي يعتبر سلاح النخبة في الجيش. وبدأ التدريب في قاعدة الملك فيصل الجوية في
الرياض. ويقول شقيقه عبد الله الشمراني: "كان يحلم منذ طفولته بأن يصبح طيارا
وعمل بجهد كبير" لكي يحقق الحلم.
تقول الصحيفة إنه لو تم اكتشاف نشاط الشمراني على الإنترنت لحرم من فرصة
التدريب كطيار، ولكنه دخل الكلية وتفوق وأصبح عام 2017 واحدا من طالبين تم
اختيارهما من دفعته مع عدد المئات الذين رشحوا ليحققوا حلمهم الكبير وهو التدريب
في الولايات المتحدة. ويقول شقيقه عبد الله "كان معجبا بالقوة الأمريكية ومغرما بالجيش".
وعادة ما يقوم قادة الفرق بترشيح المتدربين لبرامج التدريب حيث يرسلون
الترشيحات لوزارة الدفاع. وكمرشح محتمل كان من المفترض أن يتم فحص ودراسة ملف
الشمراني وتقييمه من قبل المخابرات السعودية قبل تنسيب اسمه. ولم يكن للسلطات
السعودية منفذا لهاتف الشمراني كما (أف بي أي)، وكان عليهم في هذه المرحلة معرفة حساب
الملازم الشمراني على "تويتر" وأنه كان يتابع الرموز الدينية السعودية
ممن ينظر إليهم كمتطرفين.
وقال كلارك في مقال نشره موقع "ويست بوينت لمكافحة الإرهاب":
"ظهر في حسابه اسمه الأول والأخير بالعربية وارتبط بعدد من المنشورات التي
كشفت عن كون الحساب مرتبط بالشمراني ويديره".
ويرى بروسريدل، المحلل السابق في (سي آي إيه) والزميل في معهد بروكينغز إن
"حقيقة عدم اكتشاف السعوديين لهذه الثغرة في عملية الفحص الأمني وتداعياتها
أبعد من هجوم واحد نفذه ضابط سعودي في الولايات المتحدة". وأضاف: "كل
التدقيق الأمني في العالم لن يكون له أثر لو كانت الوزارة السعودية المسؤولة عن
الأمن نائمة". وتابع: "القاعدة اخترقت الجيش السعودي ووزارة الداخلية
ولم تكن واعية بهذا".
ولم تعلق السفارة السعودية في واشنطن على التقرير رغم مطالب الصحيفة
المتكررة.
وبعدما مررت السعودية ملف الشمراني نقل في صيف 2017 إلى القسم القنصلي في السفارة الأمريكية
بالرياض لإتمام إجراءات التأشيرة. وتم فحص معلومات الملازم في القسم الخاص بوزارة
الأمن الوطني المتخصصة في عملية التدقيق والتي تعمل في السعودية منذ هجمات 9/11.
وقام مسؤول في القنصلية باستخدام جواز سفره وصورته للقيام بفحصها بناء على
قاعدة البيانات بما في ذلك التعرف على الوجه وبناء على خزان المعلومات الضخم
المتوفر لدى الحكومة الأمريكية فيما يتعلق بهويات الإرهابيين.
في العادة ما يؤدي البحث إلى معلومات تمنع المرشح من الحصول على تأشيرة
سفر. ولكن مسؤولي السفارة الذين لا يسمح لهم بطرح أسئلة أو البحث عن معلومات أعمق
حول المرشحين فشلوا في فحص نشاطات الشمراني على منصات التواصل الاجتماعي. والمشكلة
هي أنه كان يقدم طلب تأشيرة دبلوماسية عبر برنامج تدريب خاص وجزء من عقود أسلحة
تقدر بمليارات الدولارات. فقد اشترت السعودية أسلحة وبرامج تدريب بقيمة 45 مليار
دولار. ورغم البرقيات التي أرسلتها الخارجية بناء على أوامر ترامب إلى السفارات
الأمريكية حول العالم بمضاعفة الفحص إلا أن الأوامر تطبق على تأشيرات الهجرة لا
الدبلوماسيين.
وحصل الشمراني على تأشيرة دبلوماسية (إي) تسمح له بالتحرك ما بين السعودية
والولايات المتحدة. ولم يعثر مسؤولو البنتاغون الذين تلقوا طلبه قبل أسبوعين من
بداية التدريب ما يثير الشك. ووصل الشمراني في 17 آب/أغسطس 2017 إلى قاعدة
لاكالاند الجوية في سان أنطونيو- تكساس.
وبعد شهرين أرسل المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان تقريرا حذر فيه من
المخاطر الأمنية الناجمة عن المتدربين الأجانب. لكن شيئا لم يحدث. وعند هذه النقطة
حقق الشمراني لنفسه موقعا مهما لم يحلم به أي جهادي. ولم يكن برنامج الفحص المشدد
الذي بدأت به البنتاغون بعد هجوم فورت وود ونيفي يارد ينطبق على الطلاب العسكريين
الأجانب وعددهم 5.000 مرشح منهم 850 سعوديا.
وأثناء إقامته في الولايات المتحدة استخدم الشمراني هواتف نقالة مربوطة
بالشبكات الأمريكية لكي يظل على تواصل مع تنظيم القاعدة باليمن مما يطرح أسئلة حول
الرقابة الأمنية على شبكات الهواتف النقالة. وكانت تأشيرته الدبلوماسية تسمح له
بالتحرك بدون مشاكل. وعاد إلى السعودية أثناء العطلة ثم عاد إلى الولايات المتحدة
في شباط/فبراير 2019 لمتابعة دراسته في قاعدة بينساكولا. وفي تموز/يوليو حصل
الشمراني على رخصة صيد والتي استخدمها لشراء مسدس غلوك. وفي 11 أيلول/سبتمبر 2019
نشر رسالة مشفرة على وسائل التواصل قال فيها "بدأ العدد التنازلي". وفي
نفس الشهر كتب وصيته مستخدما تطبيق نوتس وأرسلها إلى قادة القاعدة. وفي عيد الشكر
زار النصب التذكاري لـ 9/11 في نيويورك.
وظل منشغلا فيما تبقى لديه من وقت باستكمال خطته. واختار بناية 633 من
القاعدة لكي تكون المسرح وهي البناية التي مرت منها أجيال من الطيارين. وقال
كريستوفر أي وري، مدير (أف بي أي): "واصل اتصالاته مع تنظيم القاعدة حتى
النهاية وفي نفس الليلة التي قام بها بإطلاق النار". وفي نفس الليلة شاهد
فيلم قتل جماعي مع مجموعة من السعوديين. وصباح 6 كانون الأول/ديسمبر واصل نشاطه
على منصات التواصل وكتب أن الولايات المتحدة هي "أمة شر"، وحمل مسدسه
وذهب إلى بناية التدريب وبدأ يطلق النار حيث استمر الهجوم 15 دقيقة. وقتل فيه
جوشوا كاليب واتسون، 23 عاما وقتل المتدرب الجوي كاميرون سكوت وولترز والمتدرب
محمد سامح هيثم.
وبعد أيام من العملية، علق وزير الدفاع مارك إسبر البرامج التدريبية لـ852
عسكريا سعوديا في الولايات المتحدة، وحددها بمحاضرات في الفصول، وأمر بمراجعة
للطلاب الأجانب في القواعد العسكرية.
وكان تعليق التدريب لمئات السعوديين بمثابة توبيخ، خاصة أن دونالد ترامب
حاول الدفاع عن الحكومة السعودية، وتحميلها المسؤولية في عدد من القضايا. وحتى قبل
الهجوم كان الكونغرس يقوم بجهود لتعليق صفقات السلاح إلى السعودية؛ بسبب حرب اليمن
ومقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وأعلن وزير العدل ويليام بار في كانون الثاني/ يناير أن الشمراني تصرف وحده. وتم ترحيل 21 من المتدربين السعوديين، بعد ظهور أدلة عن علاقتهم بمنظمات
متطرفة. ثم أعلن إسبر بعد أسابيع عن عمليات تدقيق للطلاب الأجانب في الأكاديميات
العسكرية الأمريكية. وبناء على القواعد الجديدة، فسيتم إرسال أسماء المرشحين قبل
وصولهم إلى الولايات المتحدة؛ حتى يكون لديها الوقت الكافي للنظر في ملفاتهم. وأمرت
البنتاغون بمراقبة إضافية للسعوديين في الولايات المتحدة، وكلفت عسكريا بمهمة عقيد
القيام بالمهمة. وتم وضع قيود على طرق حصول الطلاب الأجانب على الأسلحة.
الغارديان: إذا تفاجأت من تصرف الشرطة فأنت لا تفهم تاريخ أمريكا
تايم: هكذا تضامنت إدلب المظلومة مع ضحية العنصرية فلويد
بلومبيرغ: هل يستطيع محمد بن سلمان التعلم من أخطائه؟