فتحت المحادثات "الودية" التي جرت بين وزيري خارجية إيران والإمارات في الأيام الماضية، الباب واسعا أمام تساؤلات عدة حول دلالاتها وتوقيتها وتأثيراتها على الملف اليمني.
ويرى مراقبون أن التقارب الايراني
الاماراتي بات معلنا، وأن هناك تفاهمات فعلية بين البلدين وتلاقي في الحسابات باليمن،
كشفته الكثير من الشواهد والحقائق على الأرض.
"شراكة محتملة"
ورأى الكاتب والباحث اليمني
في الشؤون الخليجية والإيرانية، عدنان هاشم أن التقارب الإيراني الإماراتي هو معلن
وواضح بشكل كبير.
وقال هاشم في حديث خاص لـ"عربي21":
"لا توجد مقاطعة من الإمارات لإيران كما هي السعودية والبحرين"، مستدلا بأن
العلاقة الاقتصادية بين طهران وأبوظبي على أعلى المستويات، ورجال الأعمال الإيرانيين
يملكون رأس مال يقترب من 300 مليار دولار، فيما توجد جالية إيرانية تصل إلى 800 ألف
نسمة في الإمارات.
اقرأ أيضا: نجاد لـ"التايمز": حرب اليمن لا منطق ولا سبب يدعو لها
وأضاف هاشم أنه من الصعب أن
يحدث خلاف عميق بين البلدين، على الأقل على المدى القصيرـ نشيرا إلى أنه "لم
تتوقف المشاورات واللقاءات بين الطرفين لتنسيق السياسات الخارجية وتجنيب مضيق هرمز
حرب محتملة".
وتابع: "يبدو أن الأمر
هذه المرة تجاوز إلى التنسيق في قضايا إقليمية"، منوها إلى أن اللقاءات بين
الطرفين مستمرة منذ نحو عام، وتشمل وفودا أمنية وعسكرية.
وبحسب تقدير الباحث اليمني،
فإن هذا المستوى من التنسيق العالي، يتجاوز علاقة البلدين، إلى مصالحهما بالمنطقة،
ضمن شراكة محتملة، قد تظهر خلال الفترة المقبلة.
"تفاهمات فعلية"
من جانبه، قال الكاتب والمحلل
السياسي اليمني، عبد الناصر المودع إنه "منذ الهجمات التي شنت على السفن في سواحل
الإمارات العام الماضي، حدث تحول كبير في سياستها تجاه إيران، انعكس على طبيعة تدخل
أبوظبي في اليمن".
وأضاف المودع في حديث خاص لـ"عربي21":
"فمن خلال تفاهمات فعلية أو ضمنية بينها وبين إيران، انسحبت الإمارات فعليا من
المشاركة في الحرب ضد الحوثيين".
وبحسب المودع فإن الإمارات أعلنت عن ذلك بعد انسحابها العسكري من عدن نهاية
العام الماضي.
وأردف: "ففي بيان الانسحاب
ذكرت الإمارات بأن ما تبقى لها من قوات في اليمن سيقتصر دورها في محاربة الجماعات الارهابية
فقط، بالتنسيق مع الدول الأخرى ويقصد بها هنا الولايات المتحدة وبريطانيا".
وأكد السياسي المودع أن الاجتماع
الافتراضي الأخير بين وزيري خارجية الإمارات وإيران يأتي ضمن هذا التحول، لافتا إلى
أن ذلك يشير إلى أن الإمارات قد نأت بنفسها عن التحالف مع السعودية ضد إيران، وتركت
لوحدها لمواجهة إيران في اليمن وغيره.
اقرأ أيضا: السعودية ومساعي التلغيم الدستوري للحكومة المقبلة
وأوضح الكاتب اليمني أنه أبو
ظبي انتهجت سياسة خاصة بها في اليمن، تقوم على تنفيذ أجندتها الخاصة عبر وكلائها المحليين
ومن خلال التفاهمات الفوقية مع القيادة السعودية.
ووفق للمتحدث ذاته، فإن
الإمارات بهذه السياسة جنبت نفسها تحمل مسؤولية التدخل المباشر وكلفته، وفي الوقت نفسه
حافظت على دور ونفوذ لها في اليمن.
"تقارب لعزل الرياض"
من جهته، أكد الصحفي والباحث
اليمني، كمال السلامي أنه لا يعتقد أن الإمارات قطعت علاقتها يوما مع إيران، أو حتى
جمدتها، مضيفا أنها زادت من وتيرة التواصل والعلاقات التجارية، بهدف الحصول على ود
طهران، وضمان قيامها بالضغط المطلوب على الحوثيين حتى لا يستهدفوا المدن الإماراتية.
وقال السلامي في حديث خاص لـ"عربي21":
"الإمارات لها أهداف من تدخلها باليمن، ويبدو أنه لا مشكلة لديها في من يتولى
الحكم باليمن، ما دامت ضامنة أن تظل الموانئ والمناطق الحيوية بيدها".
وبحسب الصحفي اليمني، فإن حكومة
أبو ظبي أجندتها أخطر من أجندة إيران في اليمن، وخطورة الألغام المتمثلة في المليشيات
المسلحة التي زرعتها في الجنوب ومناطق أخرى، لا تقل خطرا عن تلك التي زرعتها إيران.
وأما بخصوص التوقيت، فيوضح الباحث
السلامي أن التقارب والمغازلة الإماراتية لإيران، بدأت منذ استهداف معامل بقيق التابعة
لأرامكو السعودية.
وتابع: حينها أدرك الإماراتيون،
أن صاروخ حوثي واحد، بإمكانه أن يقضي على مجدهم المبني على الزجاج والورق، فساروا لإعلان
الانسحاب من اليمن، لافتا إلى أن "إيران من مصلحتها، أن تستقطب أبو ظبي، بهدف
عزل الرياض".
ووفق السلامي، فإن الإمارات
أكثر مستفيد من عزل السعودية، وتجريدها من الأصدقاء، وكذا تقزيم نفوذها في اليمن وغيرها.
اقرأ أيضا: الجيش الليبي: حكومة الإمارات هي الأفعى بالوطن العربي (شاهد)
وأردف قائلا: "لذلك رأينا
كيف دفع محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى ممارسة
سياسة حمقاء، جعلت المملكة أضحوكة في الأوساط العالمية"، وفق رأيه.
وبين أنه مثلما تسعى الإمارات
لنشر المليشيات كوكلاء لها، لم تتوقف يوما عن الرغبة في القضاء على النفوذ السعودي
والحلول محل المملكة في المنطقة والإقليم بل والعالم، وقد نجحت كثيرا في ذلك.
وذكر الصحفي السلامي أن الإمارات
ستسعى لتأمين وضع حلفائها غير الشرعيين جنوبا، (المجلس الانتقالي الجنوبي)، في حال
تم التوصل إلى تسوية سياسية في اليمن، وبما يضمن عدم تعرضهم لأي هجوم من قبل الحوثيين.
واستطرد قائلا: "الإمارات
ساهمت في تقوية الحوثيين من خلال دفع السعودية إلى ممارسة السياسة المترددة والمرتبكة،
وخلق أعداء وهميين للمملكة في اليمن، وهذا جعل الحوثيين في مأمن من الحسم"، مشددا على أن الإمارات اليوم هي أكبر عدو لليمن ولشعوب المنطقة، معبرا
عن اعتقاده أن "توجيه السلاح نحوها صار واجب وطني على كل الغيورين في الداخل اليمني".
"تسوية تطيح بدور الرياض"
وفي السياق ذاته، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالعزيز المجيدي: "عندما أرسلت الإمارات وفدا عسكريا إلى طهران العام الماضي، قالت إن ذلك إجراء روتينيا لتنظيم أعمال الصيد"، مضيفا أنها بذلك باعت هذا الكلام لحليفتها المفترضة السعودية، ولا أظن أنها تلقي لها بالا، سيما أن الأخيرة تبحث أيضا عن تسوية مع إيران.
وتابع المجيدي في حديثه لـ"عربي21": الإفصاح عن تفاهمات على مستوى وزراء الخارجية هو تتويج لعلاقة قائمة، ربما خفتت لفترة الحرب تحت الطاولة، مشيرا إلى أن المصالح التجارية والاقتصادية ظلت في أفضل حالاتها.
وأكد أن الطرفين الايراني والاماراتي تخادما خلال فترة الحرب، لدرجة أن الإمارات حولت حرب مواجهة الحوثي وقطع يد إيران في اليمن ـ كما كان يزعم التحالف تقوده السعودية ـ إلى معركة لضرب الشرعية وتفكيكها وتنفيذ انقلاب ثان عليها في عدن، جنوبا، وتمويل اضطرابات وانقلابات أخرى في بقية المحافظات، لافتا إلى أن ذلك يؤكد أن من دعم ومول انقلاب الحوثي في صنعاء واصل المهمة بعباءة التحالف وكان وكيلا لإيران منحها ما يشبه النصر في اليمن.
وبحسب الكاتب اليمني، فإنه بفضل سياسات الإمارات التي باتت تختطف أيضا القرار السعودي "ترسخ نفوذ إيران في اليمن ويبحث العالم عن تسوية تبقي مليشياتها الطرف الأكثر هيمنة في البلاد".
ورأى أن اللقاء الأخير ربما فقط بصدد وضع اللمسات الأخيرة لتفاهمات تمكن طهران من الاخذ بزمام الأمور في اليمن، مع حرب شعواء تشنها الإمارات على الشرعية التي رهنت نفسها للمزاج السعودي التائه والذي شارك من خلال سيطرة اللوبي الاماراتي على قراره السياسي في انتاج هذا المشهد القائم.
واعتبر السياسي المجيدي أن هذا التحرك الاماراتي جاء بعد اعلان اتفاق ما سمي" تسريع تنفيذ اتفاق الرياض" وهو جزء من الاستراتيجية الاماراتية التي تنتزع مكاسب ثم تذهب لانتزاع المزيد ودفع الطرف الأخر للمزيد من التنازلات، وهذا هو ما فعلته منذ انقلاب `10 أغسطس 2019، في عدن بتواطؤ سعودي.
وأردف قائلا: الإمارات تقوم بتوطيد علاقتها أكثر بايران، وربما هي بصدد سباق مع السعودية قبل أن تبرم الأخيرة تفاهمات مع طهران.
ولم يستبعد أن تهديدات وزير الدفاع التركي بمحاسبة أبوظبي القى بظلاله على تحركاتها، ذلك أن وزير الخارجية الاماراتي وفقا لما أعلن عن استعداد بلاده لتطوير العلاقات بين البلدين على مختلف الاصعدة.
ويعتقد السياسي اليمني أنها "إشارة بأن العلاقات بين البلدين من تحت الطاولة في التعاون العسكري ستنتقل إلى مرحلة علنية".
وقال: "المؤكد أن نفوذ الإمارات الذي بنته في اليمن من خلال انشاء وتشكيل المليشيات كالأحزمة الأمنية والنخب وبقية التشكيلات المسلحة والاذرع الإرهابية بالإضافة إلى ما يسمى "حراس الجمهورية" (شركاء انقلاب الحوثي في صنعاء بقيادة طارق صالح)، لن يكون بعيدا عن التفاهمات بين الطرفين".
وأورد احتمالا بقيام أبوظبي بـ"العمل على تسويات بينية تعيد صياغة التحالفات والعلاقات، بين ذراعي الانقلاب في الشمال والجنوب، يطيح بأي دور سعودي محتمل".
وأوضح المجيدي أن السلطات الإماراتية لعبت بتسهيلات سعودية مقصودة وأخرى مرتبطة باختطاف قرار الرياض طيلة فترة الحرب "الدور الأهم والأكبر في تقويض كل الأهداف المعلنة للحرب لإكمال ما بدأته بدعم انقلاب الحوثيين صالح في صنعاء ( خريف العام 2014).
واختتم قائلا : "ما نشاهده الآن من حميمية بين طهران وأبوظبي تأكيد بأن الأخيرة لم تشارك في الحرب الا للإجهاز على أي محاولة لضرب نفوذ ايران، وإغراق السعودية وتمزيق اليمن، وقد نجحت إلى حد كبير".
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد أعلن الأحد الماضي، أنه بحث مع نظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في مؤتمر عبر الفيديو مستجدات تفشي فيروس كورونا المستجد في المنطقة وقضايا أخرى.
فيما اعتبر مستشار وزير الإعلام
اليمني مختار الرحبي، في تدوينة عبر تويتر، أن لقاء وزير خارجية الإمارات عبد الله
بن زايد مع نظيره الإيراني جواد ظريف، يكشف "الدور الحقيقي" لأبو ظبي في
اليمن.
مراقبون: الرياض تستخدم وزراء اليمن في صراعها مع الدوحة
قيادي يمني: الانتقالي أداة الرياض للسيطرة على المهرة
التحالف السعودي يجبر طائرة ركاب للعودة للقاهرة وغضب يمني