نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، ترجمته "عربي21"، حول الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة في بغداد، معتبرة أن هذا المستوى من الحرارة يشير إلى التغير المناخي العالمي.
وقال معدا التقرير الصحافيين، لويسا لافلوك وكريس موني، إن الحرارة في العراق ليست عادية، بل "قاسية جدا"، و"حطمت الأرقام القياسية". ولدى فتح سحاب حقيبة سمع صوت تكسر، ويبدو أن النسيج الصناعي لغطاء الرأس انصهر والتصق بأعلى الحقيبة. وقنينة الماء المثلجة أصبحت حارة بسرعة، وفي المكتب تكوي يد الباب الجلد عند لمسها، تاركة بثرات عليه.
ووصلت درجة
الحرارة في 28 تموز/ يوليو 51.7 درجة مئوية، محطمة بذلك رقما قياسيا سابقا هو 51
درجة مئوية، الذي تم تسجيله هنا قبل خمس سنوات، وزاد عن 48.8 درجة مئوية استمرت لمدة
أربعة أيام متتالية.
وكون المدينة تقع في منطقة هي الأسرع تحولا نحو معدلات حرارة
أعلى في العالم، فإنها تمنحنا فكرة عن "شكل المستقبل الذي سيجلبه التغير المناخي
لمناطق أخرى في العالم".
ويقول الخبراء إن الأرقام القياسية، مثل التي شهدناها في بغداد، ستستمر مع تقدم التحول المناخي.
وقال جوهانس
ليليفيلد، الخبير في التغير المناخي في الشرق الأوسط في معهد ماكس بلانك في
ألمانيا: "إن الحرارة أكثر كل عام، وعندما تبدأ ترى درجات حرارة أعلى من 50
درجة مئوية.. يصبح الأمر مهددا للحياة".
اقرأ أيضا: تغير المناخ سيؤثر على حرارة البحار و ستتأثر الأسماك بنسبة 60%
واضطرت حرارة الهواء الجميع للبقاء داخل بيوتهم. أما الذين في الشوارع، فخرجوا من أجل كسب قوتهم، من خلال بيع المشروبات الباردة أو الفواكه التي بدأت بالتقرح من الحر، وقال معدو التقرير: "رأيناهم يختبؤون في الظل من الشمس الحارقة، ويغمسون أيديهم ورؤوسهم في صناديق ثلج ذاب من فترة".
وسألنا شرطي
مرور إن كان هناك شيء يساعده على وقاية نفسه من الحر، فهز رأسه قائلا: "ليس
هناك أي شيء".
وقال ليليفيلد إنه إن قام العالم بفعل شيء للحد بشكل كبير من التغير المناخي، فإن مثل درجات الحرارة تلك التي تزيد على 49 درجة مئوية ستكون ربما محدودة لأجزاء من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والهند.
ولكن إن لم يتم
هذا، فإن الحرارة في مناطق من الخليج وجنوب آسيا قد تتجاوز في المحصلة 54 درجة
مئوية، ولن يكون بقية العالم بمنأى عن الارتفاع المفاجئ لدرجات الحرارة. وفي
الواقع تظهر دراسة أن المناخ في فينيكس (أريزونا) سيشبه المناخ في بغداد عام
2050.
بعض البلدان
مجهزة بشكل أفضل للتأقلم، لكن البنية التحتية في العراق مدمرة منذ العقوبات قبل
الغزو الأمريكي عام 2003 وسنوات الصراع والفساد منذ ذلك الحين.
الحرارة تدمر
الحياة، ويزيد انقطاع الكهرباء الشعور بالشقاء، ما دفع بالمتظاهرين إلى الشوارع؛ للمطالبة بخدمات أفضل، حتى أنهم يغامرون بأن يصابوا بالذخيرة الحية من القوات
الأمنية.
وقتل ثلاثة
متظاهرين على الأقل منذ الشهر الماضي ولا أحد يعتقد أنهم سيكونون آخر من يقتل.
وتضع الحرارة
الضغط على شبكة الكهرباء المنهارة أصلا. والناس الذين يستطيعون شراء الكهرباء
المولدة بمولدات خاصة لتشغيل عدد من الأنوار ومروحة يفعلون ذلك. أما من لا
يستطيعون شراء تلك الخدمات فيعانون من الحر والظلمة.
وكان المقرر
الخاص للأمم المتحدة حول الفقر الشديد وحقوق الإنسان، فيليب ألستون، قد حذر العام
الماضي من سيناريو "الأبارتايد المناخي" القادم. وهذا شكله في البداية.
ويتمتع الأجانب في العراق، إلى جانب الأقلية الصغيرة من السياسيين والمدراء، بامتلاك مولد يوفر الكهرباء طيلة الوقت تقريبا لمجمعات يقطنونها وعليها حراس على الأبواب. لكن بالنسبة لكثير من البيوت فإن مولدا خاصا لإبقاء الأنوار وربما تلفزيون يكلف حوالي نصف الدخل الشهري.
وفي جنوب
العراق، فإن الحرارة ونقص مياه الأمطار يزيد من أزمة الماء، ما اضطر الكثير من
الناس أن يغادروا بيوتهم على مدى العقد الماضي. وحذر تقرير صادر عن المنظمة
الدولية للهجرة في تموز/ يوليو أن هناك احتمالا كبيرا في استمرار ذلك التوجه.
والتحذيرات في
البلد أكبر من المعدل بكثير. وبحسب بيانات من بيركلي إيرث شو ،قارنت درجات الحرارة
في نهاية القرن التاسع عشر (1880-1899)، أظهرت أنه في السنوات الخمس الأخيرة كانت
الحرارة أكثر بـ2.3 درجة مئوية. وارتفعت على مستوى العالم بنصف ذلك الرقم على مدى الفترة ذاتها.
ويقول مزارعون
عملت عائلاتهم في الأرض لأجيال إن دخلهم يتراجع بشكل كبير. وفي منطقة الأعظمية، تفقد
معتز غالب، البالغ من العمر 47 عاما، نباتات مشتله التي كان يريد أن يبيعها للبيوت
والبلكونات، فوجد أن ورقها أصفر وعيدانها جافة.
وقال بحزن
"إنه حر حارق.. الحر يغير حياتنا".
وعندما تتحدث مع
العراقيين حول ارتفاع الحرارة في بغداد، يتكرر ذكر اختفاء الحزام الأخضر للمدينة
دائما، كأشجار النخيل التي قطعت القوات الأمريكية والعراقية رؤوسها لمنع المتطرفين
من الاختباء هناك خلال الحرب الأهلية. وفي الأماكن التي كان فيها أميال من الأراضي
الزراعية تمت مصادرة تلك الأراضي وبيعها لمن يدفع أكثر. كما أن العشوائيات تنتشر
بشكل واسع.
مثل هذه
التغييرات للأراضي ربما فاقمت ما يسميه العلماء "أثر الجزر الحرارية
الحضرية"، حيث تسجل المدن درجات حرارة أعلى من الأراضي المحيطة؛ لأن البنايات
والأرصفة تخزن الحرارة بدلا من أن تعكسها إلى الفضاء.
وعملت عائلة
غالب في مزرعتين متبقيتين لثلاثة أجيال. وكطالب مدرسة كان يسقي الحقل يوميا ويقول: "التواجد في الأرض
الخضراء جعلني استرخي.. كنت أقضي ساعات هنا قبل الذهاب للبيت لأنهي الواجب
المدرسي.. لا يمكن لنا أن نعيش تلك الحياة الآن. لقد أصبح الحر كبيرا".
وقال غالب إن أحد
العاملين في المزرعة مرض بسبب إصابته بضربة شمس، فغاب 10 أيام عن العمل، ولم تستطع
المزرعة دفع أجره لتلك الفترة، ويضيف: "الشمس حرقت عظامه.. أجسادنا لا
تستطيع التحمل.. لا نستطيع العمل كما كنا نفعل".
اقرأ أيضا: علماء: الحرارة ببريطانيا ستصل إلى 40 درجة نهاية القرن
وأصبح غالب الآن مستسلما لحقيقة أن أبناءه لن يرثوا المزرعة، ويقول إن هذا كان سيصيب والده بالصدمة.
وقال خبير
المناخ في جامعة مساتشوستس، الفاتح الطاهر، إن بلدا صحراويا مثل العراق تزيد
حرارتها بشكل أسرع؛ لأنها جافة جدا. وبينما تذهب الحرارة الزائدة في الأماكن الأخرى
بشكل جزئي نحو تبخير الرطوبة من التربة، لا يوجد الكثير من الرطوبة في العراق.
وقال الطاهر:
"هذه منطقة ليس فيها رطوبة، ولذلك فإن أي آثار دفيئة ستتحول إلى حرارة
ملموسة".
وإن كان هناك
وميض من الأخبار الجيدة، فهي أن بغداد بعيدة نسبيا عن مياه الخليج، وإلا لكانت
حرارة بهذا المستوى ولدت رطوبة عالية جدا في الجو.
وبحسب الطاهر، فإن امتزاج الحرارة مع الرطوبة يؤدي إلى حرارة قاتلة في الخارج؛ لأن البشر لا
يستطيعون التبريد في العرق. ويشير بحثه إلى أن هذه الظروف ستبدأ بالحدوث في بعض
أجزاء الشرق الأوسط مع استمرار الارتفاع في درجات الحرارة.
وبينما شهدت
العراق ارتفاعا في الحرارة فيها بشكل سريع أكثر من العادة، إلا أنه يتوقع أن يصل
بقية العالم إلى ذلك الحال خلال العقود القادمة.
وبينما بدأت
الشمس ذات اللون البرتقالي تغيب من سماء بغداد يوم الخميس، نظر عامل بناء إلى
السماء، ورفع يديه متضرعا، وقال لزميله وهو ينظر إلى حيث كانت الشمس في السماء: "الحمد لله.. ذهبت صديقتنا لتنام".
MEMO: الإمارات تعمل ضد تركيا.. لكن إلى متى؟
MEE: تجنب الصين لصراعات الشرق الأوسط قد ينتهي قريبا
التايمز: ضغوط متزايدة في الأردن.. لا سياحة ولا تحويلات