لأول مرة في تاريخ
مصر الحديث، يخيم الهدوء والصمت على
الشارع السياسي المصري إزاء اتفاق التطبيع
الإماراتي الإسرائيلي المفاجئ.
وتتعارض اتفاقية التطبيع الإماراتية مع الاحتلال الإسرائيلي،
التي أُعلِنَتْ الخميس، مع مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية عام 2002،
وتبنتها جامعة الدول العربية.
وتشترط المبادرة العربية، إنشاء دولة فلسطينية معترف بها
دوليا على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من هضبة الجولان،
مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات مع الدول العربية .
وأرجع سياسيون ونقابيون ومحللون صمت الشارع المصري إزاء
اتفاق التطبيع المفاجئ، إلى دخول الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، والاتحادات
الطلابية، حالة الجمود والتجمد تحت وطأة قمع الحكم العسكري.
وأكدوا في تصريحات لـ"عربي21" أن إقصاء التيارات
الإسلامية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، الأكثر نشاطا في الحركات النقابية،
والتي كانت تأخذ بزمام المبادرة، أوصل الشارع المصري إلى هذه المرحلة "الأشبه
بالموت السريري".
مباركة
السيسي وغضب فلسطيني
وسارع رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، إلى مباركة
الاتفاق مرتين، مرة عبر تغريدة له على موقع تويتر، واعتبر أن الاتفاق خطوة "من
شأنها إحلال السلام في الشرق الأوسط".
ومرة ثانية من خلال اتصاله هاتفيا بولي عهد أبو ظبي محمد
بن زايد، وهنأه لما وصفها بـ"خطوة السلام التاريخية التي قامت بها دولة الإمارات
والتي من شأنها أن تدفع جهود عملية السلام وتفتح آفاق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".
غياب الفعاليات في مصر انسحب على غالبية الدول العربية
التي رحب رؤساؤها وملوكها بالاتفاق، فيما التزام بعضهم الصمت، باستثناء السلطة الفلسطينية
وحركات المقاومة، حيث خرجت الجماهير بالضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة السبت، للتعبير
عن غضبها تجاه تطبيع الإمارات الرسمي مع الاحتلال الإسرائيلي.
"لماذا
غابوا"
السياسي والبرلماني المصري السابق، عبد الموجود الدرديري،
أعرب عن استغرابه، قائلا: "سؤال مهم للغاية، لأنها حالة مدهشة حقا، فماذا يمنع
الأحزاب والتيارات الموجودة حاليا في الداخل المصري من التحرك ضد التطبيع، خاصة وأن
فيها اليساري والناصري الرافضين لهذا الاتفاق باعتباره يخالف مبادئهم الحزبية والقومية؟".
لكنه استدرك بالقول في تصريح لـ"عربي21":
"هذا الصمت لا يعني رضا الشارع السياسي بالاتفاق والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي،
لكنه غضب مكتوم ومكبوت لعدة أسباب منها، اولا، اعتقال أكثر من ٦٠ ألف ناشط سياسي كانوا
كفيلين بتحريك الشارع والنقابات والجامعات".
وأضاف: "ثانيا، كان مبارك يسمح بقليل من الحرية للتعبير
عن القضايا العربية، فلسطين والعراق، ليس إيمانا بحق الشعب ولكن تنفيسا عن الضغط بعيدا
عنه، ثالثا، طبيعة الدولة البوليسية بعد الانقلاب والتي أصبحت شرسة وخائفة من أي تنفيس
خوفا من أن يؤدي إلى انفجار الكبت بسبب الوضع الاقتصادي والانغلاق السياسي".
"التطبيع
يكشف حقيقة المعارضة"
بدوره، أكد عضو لجنة العمال بالمجلس الثوري المصري، سيد
حماد، أن حالة الغياب التي يعيشها الشارع المصري غير معتادة ولم تحدث من قبل، قائلا:
"في ظل القبضة الأمنية، وإلصاق تهم الإرهاب لكل مخالف للرأي، وتحجيم دور النقابات
العمالية، وإقصاء جماعة الاخوان المسلمين، رأس الحربة للمعارضة المصرية سياسيا ونقابيا،
من المشهد بات الشارع المصري يفتقد لقيادات لتصدر الصفوف الأمامية إضافة إلى تراجع
دور الأزهر".
في حديثه لـ"عربي21"، تساءل عن الأحزاب التي
كانت تتشدق بالمعارضة والشجاعة: "أين أحزاب جبهة الإنقاذ، ما يجري يؤكد أنها أحزاب
كرتونية، لا قواعد شعبية لها، أما ما يتعلق بالنقابات والاتحادات العمالية فقد تم استبدالها
بأخرى موالية للنظام ومؤيدة لكل سياسات الصهاينة".
ولكنه أكد في الوقت ذاته، أن "الشارع لم ولن يقبل
بمثل هذا تطبيع على بياض للكيان الصهيوني، ولكن هو مغلوب على أمره، يفتقد شجاعة شباب
مصر الأحرار، ثوار 25 يناير من كل أطياف الشعب المصري الذين هم اليوم بين معتقل و مطارد
خارج البلاد".
مصريون يطالبون بطرد السفير الإسرائيلي (فيديو) (عربي21
2015)
"التنفيس
وخطره على السيسي"
في معرض تعليقه، يرى الكاتب الصحفي، أبو المعاطي السندوبي،
أن "القمع في مصر حاليا في ظل العصابة الحاكمة لا يتناسب مع حجم الموقف المعارض؛
تنظيم وقفة احتجاجية أو مظاهرة أصبحت تكلفتها العقابية كبيرة وتتساوى مع كتابة منشور
على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وبالتالي لم يعد هناك منطق في التعامل مع أي موقف معارض".
وأوضح لـ"عربي21: "غياب المنطق دفع بالكثير
من السياسيين والنشطاء والحقوقيين في مصر للعزوف عن كتابة منشورات معارضة، أو وضع علامة
إعجاب على منشور لغيره، ثم التراجع عنه لأنه يظن أنه ممكن أن يكون سببا في القبض عليه"،
مشيرا إلى أن "المعارضة كامنة في النفس ولكن غير معبر عنها بسبب الخوف من العقاب؛
لأن لدى النظام قناعة أن التنفيس سيؤدي لثورة".