بدأت التكهنات تثار حول احتمالية تطبيع السودان لعلاقاته مع الاحتلال الإسرائيلي، منذ لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في شهر شباط/ فبراير الماضي.
وزادت هذه التكهنات بعد مرور طائرة
تجارية إسرائيلية عبر الأجواء السودانية في شهر شباط/ فبراير الماضي، وعادت القضية
مجددا بعد توصل الإمارات لاتفاقية تطبيع مع الاحتلال، حين ألمح الراعي الأمريكي
للاتفاق بأن هناك دولا عربية أخرى تنوي توقيع اتفاقية مشابهة.
وفي سياق متصل، أعلن الناطق الرسمي
باسم الخارجية السودانية حيدر بدوي صادق تأييده تطبيع العلاقات مع الاحتلال، إلا
أن الوزارة نفت ذلك وقامت بإقالته.
وكانت بعض المصادر ألمحت إلى أن وزير
الخارجية الأمريكي الذي زار الخرطوم، قادما إليها بشكل مباشر من تل أبيب، طلب من
السلطات السودانية تطبيع العلاقات مع تل أبيب مقابل رفع العقوبات الأمريكية عن
الخرطوم.
إلا أن المتحدث باسم حكومة السودان،
فيصل محمد صالح، قال إن حمدوك طلب فصل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، عن القرار
الأمريكي بحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
تطبيع عملي
وعلى أثر هذه المعطيات جميعها
والتضارب بين تصريحات وزارة الخارجية السودانية والناطق الرسمي السابق باسمها،
يبقى السؤال؛ هل يمكن أن يوقع السودان اتفاقا مع الاحتلال الإسرائيلي ويطبع
العلاقات معه؟
رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية
عثمان ميرغني استبعد في معرض إجابته على هذه التساؤلات، التوقيع على اتفاق قريب
بين الخرطوم وتل أبيب، موضحا أنه "سيكون هناك تعامل مع الواقع وتعامل عملي
عبر تطبيع العلاقات، دون الدخول في إجراءات مراسمية قد يكون لها انعكاس على
التحالف السياسي الحاكم".
وبيّن ميرغني في حديث لـ"عربي21"،
أن "التطبيع سيكون موجودا بشكل عملي، ولكن دون توقيع اتفاقات رسمية، حتى لا تحدث صدامات بين المكونات السياسة الموجودة في الحكم الآن".
اقرأ أيضا: بومبيو بالسودان.. وحمدوك يطلب فصل التطبيع عن العقوبات
وأردف: "خلال الأشهر الماضية
كانت هناك دلائل على وجود اتصالات بين الطرفين إلى أن اجتمع البرهان مع نتنياهو بشكل
معلن، وهنا بدأ المسار العلني لهذه العلاقات وأصبح معلوما أن هناك نوعا من
التفاهم".
وأشار إلى أن "عبور أول طائرة
إسرائيلية تجارية للمجال الجوي السوداني أكد وجود هذا التفاهم"، مشيرا إلى
أنه بهذا العبور "أصبح هناك نوع من التطبيع الاقتصادي، لأن شركات الطيران
تدفع مقابل عبورها أجواء أي دولة".
وأكد الميرغني أن "هذه
التفاهمات وصلت الآن إلى مرحلة أكثر تقدما، وهي في الطريق للتطبيع الكامل"،
معربا عن تقديره أن زيارة وزير خارجية أمريكا بومبيو إلى الخرطوم اليوم تصب في هذا
الاتجاه، ولتشجيع الدولة السودانية للمضي قدما في إجراءات التطبيع التي يتولاها
المجلس السيادي وليس الحكومة التنفيذية، لذلك فإنه حينما نفى وزير الخارجية مسألة
التطبيع يعني ذلك أنها ربما تكون مغيبة من هذا الملف".
احتمالات ضعيفة
بدوره، اعتبر المحلل السياسي
السوداني أمية يوسف أبو فداية أن "احتمالات توقيع اتفاق بين السودان وإسرائيل
وتطبيع العلاقات بينهما ضعيفة جدا، وذلك لأن من يحكم الآن هي كيانات متعددة وليس
حزبا واحدا، ولا يوجد كيان بذاته يؤيد التطبيع"، وفق قوله.
وتابع أبو فداية في حديث
لـ"عربي21": "الأمر الثاني أن الحكومة الآن لا تستطيع اتخاذ قرار يكون
فيه إجماع، فهي كما قلت مكونة من كيانات سياسية متعددة، وكل كيان له رأيه المختلف
عن الآخر ولا يستطيع السير إلى قضية مفصلية حتى لو كانت خارجية منفردا".
وردا على ما قيل بأن المجلس السيادي
يتصرف وحده ويرغب هو بالتطبيع، رأى أن "المجلس لا يستطيع التوجه وحده
للتطبيع، فهناك أزمات سياسية واقتصادية داخل البلاد".
وأردف: "أيضا معظم قواعد
الحركات الموجودة داخل الحرية والتغيير المشاركة في الحكم رافضة للتطبيع، ولكن
هناك تحركات فردية لأشخاص عندهم مشاكل، فمثلا المكون العسكري متهم عند قطاع من
السودانيين بأنه كان مشاركا في فض الاعتصام الدموي الذي حدث في رمضان قبل الماضي،
ويظنون أنه في يوم من الأيام قد يتم تسليمهم لمحكمة الجنايات الدولية، بالتالي
كثير منهم يظن أن المخرج يكون عبر التطبيع على الأقل على المستوى الشخصي".
اقرأ أيضا: سودانيون يتظاهرون في الخرطوم ضد بومبيو والتطبيع (شاهد)
وأشار أبو فداية إلى أن
"الحاضنة السياسة الكبرى لمكونات قوى
الحرية والتغيير وهي التي تقف خلف الحكومة الحالية 90 في المئة منها ترفض التطبيع،
طبعا إذا استثنينا حزبين أحدهما الحزب الجمهوري وهو صغير جدا والذي كان الناطق باسم
وزارة الخارجية أحد أعضائه"، وفق قوله.
وتابع: "بالتالي أظن أن ما يصدر
اليوم وما يمكن أن يصدر مستقبلا من تصريحات حول التطبيع هو فقط من قبل أشخاص،
يظنون أن التطبيع يمثل حلا لأزمتهم الشخصية وليس لأزمة السودان ككل".
دور الموقف الشعبي
وتظاهر عشرات السودانيين أمام القصر
الرئاسي بالعاصمة الخرطوم، الثلاثاء، رفضا لزيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك
بومبيو، والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ورفع المتظاهرون لافتات من قبيل:
"لا لخيانة الأمة بالتطبيع"، وشعارات أخرى تندد به.
وتزامنت الوقفة، التي تعد الثانية من
نوعها خلال ساعات، مع محادثات بين البرهان، ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو
بالقصر الرئاسي.
وفي وقت سابق تظاهر سودانيون، أمام
سفارة أبوظبي لدى الخرطوم، احتجاجا على اتفاق التطبيع بين الإمارات والاحتلال
الإسرائيلي.
أيضا عبرت بعض الأحزاب السودانية عن
رفضها للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأعلنت معارضتها وشجبها للاتفاق الإماراتي
الإسرائيلي، ومنها الحزب الشيوعي وحزب الأمة الذي يرأسه الصادق المهدي.
وتثير هذه التظاهرات والرفض الحزبي
للتطبيع تساؤلات، عن مدى قوتها وتأثيرها على القرار الحكومي في ما يتعلق بالاتفاق
مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبهذا الصدد، توقع ميرغني، أن
"لا يكون هناك تأثير للموقف الشعبي الرافض للتطبيع على قرار الحكومة
حوله"، مشيرا إلى أن "الموقف الشعبي الرافض للتطبيع أقل بكثير من الموقف
المؤيد".
وأشار إلى أن "الشعب السوداني
في ما يخص هذه القضية ينقسم إلى ثلاث فئات، الرافضين والمؤيدين، وبينهما من لا يهتم
البتة ولا يعنيهم الأمر، خاصة في ظل الأزمات السياسية التي تمر فيها البلاد".
اقرأ أيضا: بومبيو يغرد عن "التطبيع" بعد وصوله البحرين.. هذا ما دعا إليه
وخلص بالقول: "الرفض القوي قد
يأتي من الفئات المرتبطة عقائديا باليسار مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث وغيرها،
بينما مثلا حزب الأمة الذي هو أيضا رافض للتطبيع لن يكون لرفض قاعدته تأثير كبير
على القضية، فقاعدته الشعبية غير مؤثرة على المشهد السياسي برمته".
بدوره، أكد أبو فداية، أن "الشعب
السوداني تاريخيا كان يتعاطف مع كل قضايا التحرر العادلة في العالم، وهناك شهداء
سودانيون في أكثر من مكان في العالم ومنها فلسطين".
واستدرك قائلا: "لكن الوضع الآن
يختلف، فالسودان يعيش أزمات داخلية سياسية واقتصادية، فمثلا انخفضت قيمة الجنيه
خلال الفترة الأخيرة 100 بالمئة، أيضا هناك أزمات أخرى في المواصلات والكهرباء
التي تنقطع لساعات طويلة".
وأوضح أنه "نتيجة لهذه الأزمات
أصبح الوضع الداخلي له الأولوية لدى الشعب السوداني وحتى لدى الأحزاب السياسية،
وبالتالي فهم لا يستطيعون التفاعل مع القضايا الخارجية سواء سلبا أو إيجابا، لكن كل
الأحزاب أصدرت بيانات قبل التصريح الأخير الذي صرح به الناطق باسم وزارة الخارجية
رفضت فيها التطبيع وإقامة علاقات منفردة مع إسرائيل، والحديث عن التطبيع إذا
كان لا بد منه فأن يكون في إطار المبادرة".
باحثة أمريكية: اتفاقية إسرائيل والإمارات انتصار للاستبداد
لماذا يمانع الاحتلال تزويد الإمارات بـ"أف35" رغم تطبيعها؟
ما خيارات السلطة الفلسطينية بعد تطبيع الإمارات مع الاحتلال؟