حصلت "عربي21" على وثائق ملف فساد ضخم يجري التحقيق فيه حاليا من
قبل جهاز الكسب غير المشروع المصري التابع لوزارة العدل (أحد جهات التحقيق في
مصر)، ضمن ملف الكسب غير المشروع الخاص بالرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، ونجليه
علاء وجمال، والذي يجري فيه تحقيقات موسعة باعتباره أخر القضايا الخاصة بـ
"مبارك" ونجليه.
الفساد الذي يجري التحقيق فيه في هذا الملف، هو فساد شائك وضخم في شركة "العاشر
من رمضان للإنشاءات"، وهي شركة مساهمة مصرية، وإحدى شركات وزارة الإسكان
وتنمية المجتمعات العمرانية، بمساهمة شركة المقاولون العرب وبنك الإسكان والتعمير،
وهي مال عام للدولة المصرية خالص بنسبة 100%.
ويشير الملف إلى تورط عائلة الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووزراء سابقين، في
الملف، والتربح بمبلغ 250 مليون جنيه، وإهدار الملايين الأخرى، كما يكشف عن وجود
بيزنس ثلاثي الأطراف جمع بين سوزان ثابت زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك وبين رجال
أعمال وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان الأسبق أحمد
المغربي، وهما في عهد "مبارك".
المستندات التي يجري التحقيق فيها في الملف، كانت مرفقة ضمن بلاغ رسمي
للنائب العام وجهاز الكسب غير المشروع، وأبرزها تقرير رسمي صادر من الجهاز المركزي
للمحاسبات، خاص بشركة العاشر من رمضان للإنشاءات، والصادر في 31 كانون الأول/ ديسمبر
2010، والذي حصلت "عربي21" على نسخة منه.
"بداية مخطط الفساد"
قام وزير الإسكان الأسبق، أحمد المغربي – الذي حُكم عليه بالسجن 5 سنوات في
قضية فساد، وهي تربحه وتسهيله الاستيلاء على أراضي الدولة لصالح رجل الأعمال منير
غبور، والتي تم الطعن عليها وتبرئته بعد ذلك – بالتوسط وتعيين نائب وزير الإسكان
السابق، اللواء مهندس أشرف محمود أحمد، في منصب رئاسة مجلس إدارة شركة العاشر من
رمضان بعد بلوغه سن الستين وإحالته للمعاش، بعد أن كان نائبا لرئيس هيئة المجتمعات
العمرانية الجديدة.
وقام بعدها "المعين" بتقديم فروض الولاء والطاعة لعدد من كبار
المسؤولين في الدولة ومجاملتهم من خلال تعيين أقاربهم ومحاسيبهم في الشركة، حيث قام
بتعيين نحو 50 موظف من بينهم 16 موظف جديد لقسم الحاسب الآلي في وظيفة "IT"
على الرغم من أن عدد الأجهزة في القسم بل في الشركة كلها هو 4 أجهزة كمبيوتر فقط.
وذكر تقرير جهاز المحاسبات أن تعيين الموظفين يؤكد عدم وجود دراسة لتحديد احتياجات
الشركة وتحميل الشركة أعباء إضافية دون عائد عليها.
واستكمالا لسلسلة "المحسوبية" وإسكات الأصوات داخل الشركة، قام
بصرف نحو 700 ألف جنيه مكافآت عن العام المالي 2010 لعدد 46 موظف، تجاوزت نسبتها
357% من المرتب الذي يحصل عليه بعض الموظفين دون تحديد ضوابط أو أسباب في اللائحة
الخاصة لصرفه تلك المكافآت.
بالإضافة إلى صرف مكافآت إضافية لمجموعة أخرى من الموظفين بلغت 82 ألف جنيه
نظير القيام بأعمال من مهام الوظيفة المكلفين بها وصرفت تحت بند "جهود غير
عادية"، وتعيين موظفة علاقات عامة ومديرة مكتب رئيس مجلس الإدارة، وصرف بدل
"جهود غير عادية" نحو ألف جنية دون تحديد طبيعة هذه الجهود "غير العادية".
ثم قام بتعيين قيادات عليا في الشركة من أصدقائه، ومنهم المهندس أشرف
الشربيني، في منصب مدير عام للشركة، وذلك مقابل راتب قدره 5 آلاف جنية شهريا بنظام
"المرتب المقطوع" لبلوغه سن المعاش، وصرف له 18 ألف جنيه مكافأة بنسبة
تزيد عن 362% من راتبه الشهري عن أعمال أغلبها من صميم أعماله وذلك بالمخالفة
للقانون، ورغم عدم إمضائه أكثر من 3 أشهر فقط في الشركة.
تدخل "سوزان مبارك" لمنع إرساء عطاء لشركة عرضت 15% أرباح وقبول
شركة أخرى بـ 7.5% لوجود خلاف بينها وبين مالكها.
وبعد تهيئة المناخ العام في الشركة لممارسة "الانحرافات"، تأتي
سلسلة الفساد الكبرى، حيث أنه بتاريخ 29 أيلول/ سبتمبر عام 2010 طرحت شركة العاشر
من رمضان للإنشاءات مناقصة لتنفيذ مشروع الصرف الصحي بقرية "نقاليفة"
بمحافظة الفيوم بمناقصة عامة.
فقدمت إحدى الشركات، وهي شركة "هورس" للأعمال الهندسية عرضا
ماليا بنسبة عائد ربح قدره 15% لشركة العاشر من رمضان، إلا أنه تم رفض العطاء،
بناء على تعليمات مباشرة من رئيس مجلس الإدارة للجنة البت، وذلك بحجة أن شركة
"هورس" طلبت صرف دفعة مقدمة لبدء المشروع على الرغم من أن هذه الدفعة
يتم صرفها بشكل طبيعي من الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي.
وفي هذا السياق، تمت إعادة طرح المناقصة بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر
عام 2010 فتقدمت شركة باسم "صيام" للمقاولات بعطاء جديد، وبالفعل تم
قبول عرضها رغم أن نسبته 7.5% فقط، أي أقل من العرض السابق، بل وتم صرف دفعة مقدمة
للشركة بمبلغ 2 مليون جنيه في 16 كانون الأول/ ديسمبر عام 2010، دون تحصيل ما
يقابلها من قبل الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي، وهو السبب الذي سبق وأن
رفضته الشركة، رغم أن نسبته كانت أعلى، مما يُعد إهدارا للمال العام، بحسب الوثائق.
بل وتم قبول خطاب ضمان عن تأمين نهائي للعملية بملغ 750 ألف جنيه بنسبة 5%
لقيمة تعاقدية 15 مليون جنيه، في حين تبين أن قيمة العملية 39 مليون جنيه، وذلك من
واقع تقرير مجلس الإدارة في الميزانية.
كما تم تأييد صرف كميات من المستخلصات الخاصة بمشروع الصرف لشركة
"صيام"، أكبر من الكميات التي قامت الشركة بصرفها بالفعل لصالح المشروع،
وتبين أنها تجاوزت مليون و550 ألف جنيه، وقد مررها المهندس صفوت معوض المشرف على
التنفيذ والتخطيط بحجة تسيير العمل، وهو أحد القيادات العليا التي أتى بها نائب
"المغربي" المُعين بـ "المحسوبية"، مما أدى إلى التعتيم على
الأمر.
وروى بلاغ الكسب غير المشروع الذي يجري التحقيق فيه حاليا، بأن رفض شركة
"هورس" جاء بأوامر عليا من سوزان ثابت حرم الرئيس المخلوع حسني مبارك،
بعد نشوب خلافات بينها وبين رجل الأعمال عادل عطية صاحب شركة هورس ورئيس مجلس
إدارتها، التي كانت تجمعها به سلسلة من الصفقات والأعمال بعضها، يحيط به الشبهات،
خاصة بعد حبس رئيس شركة هورس 10 سنوات سجن في قضية رشوة، وهروبه خارج البلاد،
وأرفق مُقدم البلاغ بعض هذه الصفقات، لبحثها أيضا.
"سرقات بالجملة وإهدار للمال العام"
واستمرارا لمسلسل السرقة من "المال السايب" -حسب الوثائق -
للشركة تبين صرف عشرات الآلاف من الجنيهات بدون مستندات تؤيد الصرف معظمها مكالمات
بدون فواتير ومصروفات نثرية، وأيضا صرف مبلغ وقده 6 آلاف جنيه قيمة بدل حضور ما
يسمى بـ "لجنة المشتريات"، وذلك عن شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2010 في
حين أن قيمة المشتريات عن نفس الشهر لم تتجاوز 13 ألف جنيه، وهو ما يُعد إهدارا
لمال الشركة، لعدم وجود تناسب بين ما تم صرفه من بدل حضور لجان المشتريات، وبين
المشتريات الفعلية.
وأيضا وجود أعمال في كانون الأول/ ديسمبر 2010 تُقدر بمبلغ 3.5 مليون جنيه
قيمة تشوينات "شغل العمالة" لم يتم جردها ولم يتم تقييدها، وتم صرفها بدون
أن يكون لها مستند صرف.
كما أنه جاء بتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، وجود مبلغ 4 مليون و200 ألف
جنيه مستحقات لـ "مقاولي الباطن" عن أعمال شهر كانون الأول/ ديسمبر
2010، كانت شركة العاشر بواسطة رئيس مجلس إدارتها قد تعاقدت على مستخلصات داخلية
لتوريدها إلى الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي، إلا أن الشركة لم تقم
بالجرد الفعلي لتلك الأعمال للتحقق من صحة ما تم تنفيذه، وهو ما تبين على إثره
وجود أعمال "وهمية" ووجود إهدار للمال العام.
وأيضا، تضمن حساب مقاولي الباطن أرصدة مدينة متوقفة بلغت قيمتها مبلغ 2 مليون
و100 ألف جنيه مستحقة على الجمعية التعاونية للإنشاءات والتعمير عن عملية المعهد
الديني بالصالحية، وشركة التوفيق، إلا أنه لم يتم المطالبة بها لوجود علاقات مع
أصحابها.
"الربح على حساب 1800 أسرة"
ثم تأتي ما يمكن وصفه بـ "الكارثة الكبرى"، حيث ينكشف "المخطط
الأقوى" في جني 250 مليون جنيه، لصالح نجلي "مبارك"، على حساب حياة
1800 أسرة من محدودي الدخل، حيث قامت وزارة الإسكان، في عهد وزير الإسكان الأسبق،
محمد إبراهيم سليمان، بتخصيص 61 فدان لشركة العاشر من رمضان للإنشاءات وذلك لإقامة
مشروع إسكان للشباب بالعاشر من رمضان يقع في منطقة بين حديقة الكفراوي وجهاز مدينة
العاشر من رمضان.
وقد تم ترسية وإسناد تنفيذ هذا المشروع بالأمر المباشر بواسطة رئيس مجلس
إدارة الشركة، وأعوانه، وبتعليمات من وزير الإسكان وقتها، لصالح شركة
"العمارة الخضراء" للأنظمة المتطورة، دون أن يتم إعداد كراسة شروط
ومواصفات للمشروع ملزمة للشركات المتقدمة بعروضها وبما يضمن سلامة التنفيذ، ودون
أن يتم طرح المشروع في مناقصة عامة، وهو ما يعد مخالفة صارخة للقوانين.
وقد تم إسناد المشروع للشركة بمبلغ 270 مليون جنيه لتبني 180 عمارة عبارة
عن دور أرضي و4 أدوار وكل دور شقتين على أن يتم البناء بنظام حديث يسمى
"فوم" وبدون مرافق.
ونظام "الفوم" هو نظام بناء بدون أساسات أو حديد تسليح، ولذلك
يكون عبارة عن دور أرضي ودور أول أو دورين في أقصى الحالات، مما يُعد بناء أكثر من
ذلك مخالفا للمعايير العالمية ويهدد العمارات بالسقوط.
إلا أنه رغم ذلك تمت الموافقة بناءً على موافقة مجلس الإدارة بجلسة رقم 211
في 27 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2010، بينما تم رفض عرض بنك الإسكان والتعمير بنفس
القيمة "بنظام المباني العادية" شاملة المرافق وتنسيق الموقع والإشراف
والتسويق، مما يعد إهدارا للمال العام ويؤكد تعمد اختيار شركة العمارة الخضراء
لتتولى المشروع لتحقيق "بيزنس" خاص.
ليس ذلك فحسب بل أنه اتضح من خلال السجل التجاري – الذي حصلت "عربي
21" على نسخة منه – أن الشركة التي أسند لها مشروع بقيمة 270 مليون جنيه رأس
مالها هو 2.5 مليون جنيه فقط، والمدفوع منه 250 ألف والمسدد منه فقط وقتها كان 25
ألف جنيه.
وأن هذه الشركة تأسست في شهر آب/ أغسطس عام 2010، وتم إرساء المشروع عليها
في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2010، أي في أقل من شهرين، وأن هذه العملية هي أول
عمليه تقوم بها، وليس لديها سابقة أعمال، بما يشير إلى أن تأسيس الشركة جاء لهذه
العملية فقط لجني الملايين من وراءها.
وتم صرف نحو 150 ألف جنيه على حملة تسويق لوحدات المشروع القومي للإسكان
بمعرض "أبو ظبي للاستثمار العقاري" خلال الفترة من 15 إلى 18 كانون
الأول/ ديسمبر عام 2010 على الرغم من أن العقد المبرم مع الهيئة ينص على تسويق
الوحدات السكنية للمصريين محدودي الدخل بحيث لا يتعدى دخل الفرد 1750 جنيه ودخل
الأسرة عن 2500 جنيه فهي مخصصة لإسكان الشباب، إلا أنه تم التسويق للوحدات استكمالا
للمجاملات والمحسوبيات لصالح الشركة التي تولت الحملة مما يُعد "إهدارا للمال
العام".
وتتضح الرؤيا لـ "مخطط الفساد"، حيث تبين أن شركة "العمارة
الخضراء" رئيس مجلس إدارتها يدعى طارق السيد كمال طلعت، وأنه أحد الأصدقاء
المقربين لنجلي الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأنه أتخذ مجرد "واجه" لهذه
الصفقة، مقابل عمولة ومشاركة في الربح، وأن علاء وجمال مبارك، وأحد رجال الأعمال
الإماراتيين، هم المتربحين الأساسيين من وراء هذه الشركة، وهذه الصفقة، وفقا لبلاغ
الكسب غير المشروع.
وتأتي عمليه التربيح من خلال أن الاتفاق لبناء 180 عمارة بمبلغ 270 مليون
جنيه، في حين أن تكلفة الشقة بنظام الفوم نحو 10 آلاف جنيه أي أن العمارة الكاملة
لن تتعدى بناءها 100 ألف جنيه، أي أن إجمالي العمارات يتكلف في أقصى تقدير 20
مليون جنيه ليكون صافي الربح 250 مليون جنيه.
"رد مكتب المحامي فريد الديب"
وفي سياق، متصل تواصلت "عربي 21" مع مكتب المحامي المصري فريد
الديب رئيس هيئة الدفاع عن "علاء وجمال مبارك"، للاستعلام عن موقفهما في
القضية وما ألت إليه التحقيقات.
وأكد المكتب أنه حتى الآن لم يتم استدعاء أيا من علاء أو جمال مبارك في
القضية، وأن ملف الكسب غير المشروع لمبارك وأسرته لم يتم التحقيق فيه باستدعاء أيا
من المتهمين فيه.
وتابع المكتب، أن "قضاة التحقيق حتى الآن في مرحلة الفحص والاستعلام
من جهات التحري، واستبيان المعلومات من مقدمي البلاغات، موضحين أن جهاز الكسب طلب
معلومات من هيئة الدفاع عن علاء وجمال في ملف الكسب غير المشروع وتم إرسالها إليهم".
مخاوف من استشراء الفساد بمشروع الضبعة النووي بمصر
علاء مبارك ينتقد "البرهان" بعد تصريحاته عن حلايب وشلاتين
خاص: الفساد يضرب أكبر شركة طيران مصرية حكومية (وثائق)