نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية افتتاحية حذرت فيها من التوتر المتزايد في شرق المتوسط، معتبرة أن الحرب ليست في مصلحة أي طرف، وأن نزاعا بين عضوين في حلف الناتو أمر لا يمكن تصوره.
وشددت الصحيفة في تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، على أن الحرب في إطار الصراع على موارد الطاقة لا تحمل معنى، وأن انخراط دول أوروبية فيه يتجاهل الأولويات العليا.
واستنكرت الصحيفة دخول تركيا واليونان، العضوين بالناتو، في صراع يوشك أن يتطور إلى حرب مدمرة، في وقت يشهد فيه العالم الكثير من الأزمات، مشيرة إلى دور مهم لألمانيا بـ"تحكيم العقل" بين الجانبين.
وفي جوهر المشكلة، كما في الخلافات الخطيرة الأخرى حول العالم، تكمن مصادر الطاقة، بحسب الصحيفة، خاصة ذلك المخزون الهائل من الغاز الطبيعي الذي اكتشف خلال العقد الماضي في شرق المتوسط.
وتزعم اليونان أن الجزر في المنطقة تعطيها الحق بالتنقيب في المياه المحيطة بها، لكن تركيا التي تشعر بالضيق أرسلت السفن المرفقة بالفرقاطات لكي تنقب عن الغاز قرب مياه قبرص.
والنزاع بين تركيا واليونان ليس جديدا لكن ما يعقده الآن هو أن دولا أخرى تركز عينها على احتياطيات الغاز.
ومن الناحية المبدئية يجب أن تكون هذه الطاقة محلا لجلب دول المنطقة معا وهو ما فعلته الدول الأخرى مثل الأردن وإسرائيل وفلسطين واليونان ومصر وقبرص.
ووجدت تركيا نفسها مستبعدة نظرا للمزاعم اليونانية في المياه الإقليمية ولأن تركيا في عهد رجب طيب أردوغان أغضبت بسلوكها القوي في سوريا وليبيا الحلفاء والأعداء.
ومما يعقد الأمور أن تركيا هي عضو في حلف الناتو وليس في الاتحاد الأوروبي، وبالعكس فقبرص عضو في الاتحاد الأوروبي وليس الناتو أما اليونان فهي عضو في التكتلين.
وهنالك مشكلة تكمن في أن قبرص مقسمة بين الشمال التركي والجنوب اليوناني، مع أن أحدا باستثناء تركيا لا يعترف بالدولة المنفصلة في شمال الجزيرة.
وفشلت المحاولة التي قامت بها ألمانيا عندما أعلنت اليونان عن اتفاق طاقة مع مصر بحيث أعطت نفسها الحق في مناطق واسعة في البحر، وفق "نيويورك تايمز".
اقرأ أيضا: فرنسا وألمانيا: الاتحاد مستعد لحوار بناء مع تركيا في "المتوسط"
وكانت تلك الخطوة ردا على اتفاق عقدته تركيا مع ليبيا. وبدأت أنقرة إثر ذلك عملية التنقيب التي راقبتها البحرية اليونانية، وفي 12 آب/أغسطس احتكت بارجتان حربيتان للبلدين واشتعلت الأمور.
وفي إطار التصعيد المتجدد، قامت فرنسا الغاضبة على تركيا لدعمها طرفا في الحرب الأهلية الليبية لا تدعمه باريس بإرسال مقاتلات وبوارج حربية وتقوم بمناورة عسكرية مشتركة مع اليونان وقبرص وإيطاليا لمنع تركيا من القيام بعمليات تنقيب جديدة.
وأعلنت اليونان عن توسيع مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا على شواطئها الغربية، بالبحر الأيوني، وهددت بفعل الأمر نفسه في بحر إيجة شرقا، وهو ما لن تتسامح معه تركيا.
والمثير في الأزمة، وفق الصحيفة، أن التنافس على موارد الطاقة الناضبة كان يجب التخلي عنه في ظل التنافس على استبدالها بموارد الطاقة المتجددة، خاصة بين الدول التي وقعت على اتفاقية باريس للمناخ.
كما أن التراجع على الطلب للطاقة بسبب فيروس كورونا المستجد يعني أن أوروبا لديها غاز كثير، ومن الغرابة بمكان أن تغرق دول البحر المتوسط وأوروبا في توترات دخيلة في الوقت الذي توجد فيه نزاعات أخرى وكثيرة كافية لأن تتركها مشغولة طوال الوقت، بما في ذلك الاقتصاد والوباء وحالة الترقب السياسي في الولايات المتحدة واشتباكات الشوارع في بيلاروسيا وتهديد روسيا بالتدخل فيها.
وفي زمن سابق، كانت الولايات المتحدة تتقدم وتحل المشاكل بين أعضاء الناتو المتنازعين، كما فعلت عام 1996 عندما تدخلت لمنع نزاع بين اليونان وتركيا.
ومع أن الرئيس دونالد ترامب اتصل بنظيره التركي رجب طيب أردوغان، وحثه على التفاوض، إلا أن أمريكا لم تعد وسيطا يؤتمن، وترامب غارق في الحملة الانتخابية.
وتراجعت بريطانيا من شؤون أوروبا وخرجت من الاتحاد الأوروبي، ولم يعد لبروكسل أيضا أي نفوذ على تركيا خاصة بعدما تبين لأنقرة أنها فقدت الفرصة بالانضمام للتكتل القاري.
ولهذا السبب، بحسب "نيويورك تايمز"، وقع الأمر على عاتق ألمانيا، التي تترأس حاليا المجلس الأوروبي، وقام وزير خارجيتها هايكو ماس، بالفعل، بجولات مكوكية بين أنقرة وأثينا في هذا الإطار.
ومحاولات برلين ليست خيرية بالمطلق، ففي حالة حشرت أنقرة بالزاوية فستفتح الباب أمام اللاجئين السوريين الراغبين في معظمهم بالهجرة إلى ألمانيا.
وبثلاثة ملايين تركي يعيشون في ألمانيا فقد تلقى أردوغان تأكيدا بأن هناك من يستمع لوجهة نظره.
وهذا مهم وفق الصحيفة، فرغم أن القانون البحري الدولي يقف مع اليونان، بحسبها، لكن هنالك مساحة للتفاوض كما أن عمليات التنقيب التركية لم تتجاوز الخط الأحمر.
خبراء معهد بروكينغز يقيمون اتفاق الإمارات مع الاحتلال
توماس فريدمان: هل تنتهي ديمقراطية أمريكا بانتخابات 2020؟
كيف تعاني صناعة الدفاع الأمريكية بسبب تركيا؟