يستيقظ المواطن الفلسطيني أبو سعيد الأعرج يوميا على ضجيج الحافلات الإسرائيلية التي تقلّ المستوطنين كاسرةً هدوء الصباح في قريته الولجة غرب مدينة بيت لحم في الضفة المحتلة، فالشارع الرئيسي الذي تم شقّه لخدمة عدة مستوطنات لا يبعد عن منزله سوى أمتار قليلة.
ليس الضجيج فقط ما يزعج أبا سعيد الأعرج وعائلته، فالشارع الالتفافي
الاستيطاني أقيم على أراضيهم الخاصة وصادر منها أكثر من ألف دونم بين ليلة وضحاها،
وحتى الآن ما زالت آثاره تلقي بظلالها عليهم.
وفي حديثه لـ"عربي21" أوضح أبو سعيد أن منازل العائلة كانت محاطة
بالأراضي المزروعة بمختلف أنواع الأشجار، وفي عام 1995 صدر قرار مفاجئ عن قوات
الاحتلال بشق طريق استيطاني يصادر هذه الأراضي بدواعٍ أمنية، حيث تمت كتابة كلمة
"لأغراض عسكرية" داخل الورقة التي حملت القرار.
وبدأت العائلة حينها سلسلة خطوات في محاولة للحفاظ على أراضيها، لكنها باءت
بالفشل أمام خطط الاحتلال بتسهيل حياة المستوطنين وإنشاء طريق سريع لهم على حساب
أراضي الفلسطينيين.
ويوضح أبو سعيد أن القانون الإسرائيلي يستوجب إبعاد أي شارع عن العمران
السكاني لمسافة لا تقل عن 75 مترا، ولكن حين يتعلق الأمر بمنازل الفلسطينيين
فالموضوع يختلف كثيرا وتقل المسافة إلى أمتار قليلة كما حدث معهم، لأن الهدف هو
ضمان راحة المستوطنين بأي ثمن.
وأنشئ الشارع الذي التهم أراضي عائلة الأعرج بهدف خدمة مستوطنة "هار
جيلو" وبؤر عديدة مجاورة كلها مقامة على أراضي القرية، وفي ذات الوقت لا
يستطيع الفلسطينيون استخدامه لأنه يمر بالقدس المحتلة، حيث يمنع الاحتلال أهالي
الضفة من الوصول إليها بدون تصريح أمني.
وفي سبيل إنشاء الشارع حاول الاحتلال هدم منازل العائلة، لكن احتجاجات
الأهالي منعت ذلك، فقرر إقامة الشارع على بعد ثلاثة أمتار فقط منها.
وبعد إنشائه طالبت العائلة بالسماح
لها بالحصول على ترخيص لمنازلها مقابل إقامة الشارع لكن الاحتلال رفض ذلك تحت حجة
منحهم ما يسمى "المسامحة الأمنية"، إلا أن العائلة تخشى باستمرار من هدم منازلها
بحجة عدم الترخيص.
ويشكل الشارع، وفقا للأعرج، خطرا دائما على منازل العائلة، حيث لا يستطيع
أي شخص الاقتراب من حدوده، كما يستخدمه المستوطنون أحيانا للانطلاق للاعتداء على
المنازل بكل سهولة ودون تدخل قوات الاحتلال، بالإضافة إلى منع البناء بالقرب من
الشارع، الأمر الذي حرم العائلة من بناء مزيد من المنازل.
وبسبب مصادرة هذه الأراضي اضطرت عائلة الأعرج إلى شراء قطع أرضية أخرى في
أماكن مختلفة من القرية لتعويض خسارتها، وما زالت حتى الآن ملتزمة بأقساط دفعها
والتي كلفتها ملايين الشواكل.
ويلفت أبو سعيد إلى أن الاحتلال وخلال شقه للشارع على حساب أراضيهم قام
بردم آبار مياه كانت تستخدم لتزويد القرية بحاجتها من المياه، وهذا الأمر ساهم في
تفاقم أزمة المياه هناك.
أهداف بعيدة
ويترتب على هذه الشوارع الاستيطانية أضرار أخرى تلحق بالفلسطينيين، فالاحتلال
لا يستخدمها فقط لربط المستوطنات ببعضها، بل لعزل المدن والقرى الفلسطينية
وتحويلها إلى تجمعات معزولة عن بعضها يصعب التواصل بينها، وهو هدف يخدمه كثيرا
لمنع إقامة دولة فلسطينية مترابطة ولإبقاء كل التجمعات تحت سيطرته.
ويقول مدير عام النشر وتوثيق الانتهاكات في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان
قاسم عواد إن شق الطرق الالتفافية يأتي شكليا ضمن أوامر الاستملاك للمصلحة العامة
ومنفعة الجمهور، ولكن الاحتلال لا يعلن أنها طرق استيطانية لخدمة المستوطنين.
ويوضح لـ"عربي21" أن المخططات الهيكلية المقدمة من المجالس
المحلية والبلديات الفلسطينية قوبلت بالتجاهل وعدم الإجابة مما تسمى بالإدارة
المدنية الإسرائيلية، وذلك يعني منع تراخيص البناء وعدم المصادقة على خريطة البناء
فيها.
ويشير عواد إلى أن السلوك الاحتلالي بدأ حديثا بتخصيص بعض الطرق للمستوطنين
لأهداف استعمارية، بحيث يمنع الفلسطينيين من المرور منها وهذا جعل الاستفادة
المثلى لصالح المستوطنين لفرض سياسة الأمر الواقع.
ويضيف: "يمارس الاحتلال الكذب
في ما يعلن عنه من شق للطرق الالتفافية"، مستشهدا بما أعلنه الاحتلال بمصادرة 480 دونما
من أراضي بلدة حوارة جنوب نابلس لإنشاء شارع التفافي جديد، ولكنه في الحقيقة يصادر
أكثر من 1500 دونم من أراضي البلدة والقرى المجاورة.
ويرى أن الهدف من إنشاء شبكة الطرق الالتفافية هو تقطيع محافظات الوطن إلى
كنتوتات معزولة، وهذا حسب الرؤية الإسرائيلية والأمريكية يهدف لإبقاء المناطق كلها
خاضعة للنفوذ الاحتلالي وتحويل فلسطين إلى كنتونات معزولة، ما يلغي الشروط
الأساسية لإقامة دولة فلسطينية متكاملة.
وتتعدد مخاطر الطرق الالتفافية لتصل إلى القتل، حيث يتعمد المستوطنون دهس
الفلسطينيين المارين بالقرب منها، واستهداف المركبات الفلسطينية بالحجارة أو
الزجاجات الحارقة، وتعتبر بؤرة للانطلاق نحو القرى والبلدات الفلسطينية للاعتداء
عليها.
ويصل طول بعض الشوارع الالتفافية إلى 800 كم وتصادر في مجملها عشرات آلاف
الدونمات من أراضي الفلسطينيين، ليجد صاحب الأرض نفسه محاصرا في بيته معزولا عن الامتداد
الجغرافي الطبيعي مع المناطق الفلسطينية المجاورة، في سبيل راحة المستوطنين.
ما حقيقة "وقف الضم" باتفاق أبوظبي وتل أبيب.. هل هو وهم؟
هكذا يحارب الاحتلال نشطاء حملة المقاطعة BDS
جهود إسرائيلية لتفادي "نار" بالونات غزة وتقدير بتصاعد التوتر