على نحو مفاجئ، أقصت السعودية قائد قواتها المشتركة في اليمن، الفريق الركن فهد بن تركي الثاني بن عبد العزيز، ابن شقيق الملك سلمان، إضافة إلى إقصاء نجله عبد العزيز أمير منطقة الجوف، بتهم متعلقة بالفساد.
استهداف فهد بن تركي الثاني ونجله الشاب (30 عاما)، جاء هذه المرة بتوجيه مباشر من محمد بن سلمان، رغم أن القرار المعلن صادر على أنه أمر ملكي من والده، إذ قال التلفزيون السعودي إن إعفاء الأميرين وعددا من الضباط جاء على خلفية ما أحيل إلى ولي العهد من هيئة الرقابة ومكافحة الفساد.
ويأتي إعفاء فهد بن تركي، ضمن حملة تشويه تطال أبناء عمومة محمد بن سلمان، إذ يتم ربطهم بالفساد قبيل إقصائهم من مناصبهم، على غرار ما حدث مع وزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله، وما بدأت الرياض بالتلميح له حول ولي العهد وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، عن طريق اتهام مساعده المباشر سعد الجبري بالاختلاس.
وبحسب ما رصدت "عربي21"، فإن هذه الخطوة تأتي ضمن استهداف متكرر لقوتين من الأسرة الحاكمة، هما "السديريون السبعة"، وأسرة الملك عبد الله.
السديريون السبعة
فهد بن تركي هو آخر أبناء السديريون السبعة الأقوياء، وهم أبناء الملك عبد العزيز من زوجته حصة السديري (فهد، سلطان، عبد الرحمن، نايف، تركي الثاني، سلمان، أحمد).
وتأتي إقالته بحسب مراقبين في إطار تهميش ومحاربة متعمدة يقوم بها ابن سلمان لهذا الفرع من العائلة الذي ينتمي إليه، وفي مقدمتهم عمّه الأمير أحمد شقيق الملك وابن عمّه محمد بن نايف، اللذان ترددت أنباء متكررة عن اعتقالهما.
إذ حارب ابن سلمان أبناء السديريين، وأبقى مناصب غير مهمة لبعضهم، فبالرغم من أن عبد العزيز بن سعود حفيد الأمير نايف عيّن وزيرا للداخلية خلفا لعمه محمد في 2017، إلا أن دوره يعد شكليا، وراجت أنباء عديدة عن اعتقاله من قبل السلطات للاشتباه في دوره بمحاولة انقلاب.
وبعدما كانت أهم المناصب العسكرية والاستخباراتية بحوزتهم في عهد الملك فهد، ولم تتأثر كثيرا في حقبة الملك عبد الله رغم أنه ليس من "السديريون السبعة"، إلا أن الإقصاء والتهميش جاء في عهد الملك سلمان، الذي أبقى المناصب لأبناء وأحفاد شقيقه سلطان فقط، فإمارة منطقة الحدود الشمالية ذهبت لفيصل بن خالد بن سلطان، وإمارة منطقة تبوك بقيت مع فهد بن سلطان، وسفارة الرياض بواشنطن راحت ريما لبنت بندر بن سلطان، وسفارة الرياض بلندن لشقيقها خالد بن بندر بن سلطان.
فيما لم يتبق من إرث الملك فهد بالمناصب سوى حفيده تركي بن محمد، بمنصب وزير دولة.
وبدا واضحا أن محمد بن سلمان حاول مبكرا تفكيك أي مشروع انقلابي عليه يقوده الأمير أحمد، ومحمد بن نايف (أقوى طرفين بالسديريين السبعة)، وهو ما يفسر إقصاءه فهد بن تركي بهذه الصورة، فعلى الرغم من أن الأخير كان قائدا للحرب في اليمن، إلا أن ابن سلمان خشي من أن يشكل خطرا مستقبليا على وجوده، بحسب مراقبين.
اقرأ أيضا: اعتقالات جديدة بالسعودية تطال مقرئا شهيرا وأستاذا جامعيا
ضربة لأسرة الملك عبد الله
أسرة الملك عبد الله هي الأكثر استهدافا منذ وصول ابن سلمان للسلطة، إذ تتحدث تقارير عن وجود ثلاثة من أبناء الملك رهن الاعتقال حاليا، مع تجريدهم وإخوتهم من المناصب كافة.
ومؤخرا، بدأت صفحات تناشد بإطلاق سراح الأمير تركي بن عبد الله بشكل علني، وهو الذي اعتقل في حملة "الريتز" نهاية 2017، والوحيد الذي لم يفرج عنه حينها، فيما أعادت السلطات اعتقال أخوبه فيصل، ومشعل، بحسب تقارير.
خبراء رجحوا أن يكون إقصاء الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز، على علاقة باستهداف ابن سلمان لأسرة الملك عبد الله، إذ إن زوجة قائد العمليات المشتركة باليمن، هي الأميرة عبير ابنة الملك عبد الله.
والأميرة عبير هي شقيقة الأمير فيصل بن عبد الله، الذي عزل من منصبه رئيسا للهلال الأحمر منتصف 2016 بشكل صامت، ودون أن يصدر أي أمر رسمي بذلك.
وحتى تاريخ إقصاء زوجها، والأنباء التي راجت عن اعتقاله، كانت الأميرة عبير تنشط في مجالات اجتماعية، إذ تترأس "المنظمة العربية للسلامة المرورية"، وأطلقت العام الماضي جائزة للشراكة المجتمعية، تحمل اسمها.
اقرأ أيضا: معهد واشنطن: ابن سلمان حاكم فعلي لكنه قلق دائما
والده وشقيقه
والد الأمير فهد بن تركي، المتوفى في 2016، هو أحد من يطلق عليهم "الأمراء الأحرار"، الذين خرجوا من المملكة معارضين لسياسة الحكم، بالفترة من 1958 إلى 1964.
وكان تركي الثاني أحد هؤلاء الأمراء، بالإضافة إلى إخوته الأمير طلال (مؤسس الحركة)، والأمير مشاري، والأمير بدر، والأمير فواز.
في ثمانينيات القرن الماضي، ذهب الأمير تركي إلى مصر، وتزوج بهند الفاسي، وهو ما أثار جدلا واسعا، إذ ظهرت صوره لسنوات طويلة في حفلات صاخبة، محاطا بزوجته ونساء أخريات.
هذه التداعيات دفعت الأمير تركي لهجر السعودية والاستقرار في مصر لغاية العام 2010، حين عاد إلى الرياض بعد شهور من وفاة زوجته هند الفاسي في ظروف غامضة.
يقول معارضون إن الأمير تركي الثاني كان مرشحا لاستلام مقاليد الحكم، لولا قصة زواجه من الفاسي التي أبعدته عن المشهد، إذ كان قبل ذلك نائبا لوزير الدفاع من عهد الملك فيصل إلى عهد الملك فهد.
أما نجله سلطان (شقيق فهد بن تركي)، فهو من أقدم الأمراء المعارضين، إذ طالب في بداية الألفية الجديدة بمحاربة الفساد، والشفافية، وهو ما دفع المخابرات السعودية لاختطافه من جنيف في 2004.
واتهم حينها الأمير سلطان، كلا من ابن عمه عبد العزيز بن فهد، ووزير الشؤون الإسلامية حينها صالح آل الشيخ، باستدراجه والتسبب في اختطافه، عقب تخديره داخل قصر الملك فهد في سويسرا، ونقله بطائرة خاصة إلى الرياض.
غابت سيرة الأمير سلطان لسنوات طويلة، إلا أنها عادت مؤخرا بكتاب "الدم والنفط"، الذي كشف أن محمد بن سلمان اختطف سلطان من باريس.
وبحسب الكتاب، فإن الأمير سلطان استأجر منتصف 2015 فندقا فارها في أحسن موقع بجزيرة سردينيا. وظل الديوان الملكي يرسل مخصصاته إليه. ولكنه شعر أن الأموال قد تتوقف في أي لحظة، ولهذا طور خطة وهي مطالبة الحكومة السعودية بتعويضات عن الإصابة التي تعرض لها في أثناء عملية الاختطاف عام 2003.
وعند تجاهل محمد بن سلمان مطالبه، قرر في صيف العام ذاته تقديم دعوى ضد العائلة بتهمة الاختطاف. لكن المقربين منه حذروه، وقال محاميه في بوسطن، كلايد بيرغسترسر: "لقد اختطفوك مرة، فهل هذا يمنعهم من اختطافك مرة ثانية؟".
وهو ما تم بالفعل عند ترتيب لقاء له مع والده بالقاهرة قبل وفاته، على أن تكون هناك مصالحة مع محمد بن سلمان، إلا أن السلطات السعودية حوّلت مسار الطائرة إلى الرياض، لتزج بالأمير في السجن لغاية الآن.
وبحسب هذا الكتاب، فإن التهمة الأبرز التي وجهت للأمير سلطان، هو بعثه رسائل للصحافة الأجنبية يزعم فيها أن الملك سلمان بات عاجزا صحيا عن إدارة البلاد.
اقرأ أيضا: فانيتي فير: كتاب عن ابن سلمان يكشف اختطافه أميرا من باريس
خبير يوضح لماذا حلّقت "طائرة التطبيع" فوق الرياض (شاهد)
صحيفة عبرية تؤكد خبر (MEE): ابن سلمان مندفع نحو اسرائيل
لماذا تعرقل الإمارات كل المساعي لاتفاق خليجي؟