رقم كبير تعلن عنه
مصر كتكلفة للمرحلة الأولى من العاصمة
الإدارية التي يبنيها رئيس الانقلاب عبد الفتاح
السيسي بالصحراء، ومفاجأة مدوية
تكشف أن الحكومة ووزاراتها وهيئاتها لن تتملك مقارها الجديدة بالعاصمة الجديدة،
وأنها مُطالبة بدفع الإيجار لشركة العاصمة.
800 مليار جنيه أو (50 مليار
دولار)، هو الرقم الذي أعلنه رئيس شركة العاصمة الإدارية أحمد زكي عابدين، بحوار
لـ"وكالة أنباء الشرق الأوسط" الحكومية، مؤكدا أن إجمالي استثمارات
المرحلة الأولى لمشروع العاصمة بين 700 إلى 800 مليار جنيه لم تكلف الدولة جنيها
واحدا.
ولفت إلى إنجاز نحو 70 بالمئة من المرحلة الأولى التي
تستوعب 2.5 مليون شخص بمساحة 40 ألف فدان -تعادل مساحة العاصمة الأمريكية- وتشمل
8 أحياء سكنية بجانب الحي الرئاسي والحكومي والمدارس والجامعات ومدينة رياضية.
وقال رئيس شركة العاصمة إن تكلفة الحي الحكومي فقط وصلت إلى 50 مليار جنيه لم تدفع الحكومة منها جنيها واحدا، وتم تمويلها من حصيلة بيع
الأراضي، كاشفا عن مفاجأة مدوية بقيام شركة العاصمة بتحصيل قيمة إيجارية من
الحكومة عند تسلمها هذه المنشآت والمباني.
وتواصل السلطات العسكرية الحاكمة قراراتها الاقتصادية المفجعة
للمصريين، والتي تأكل من رصيد الدولة وأملاك الحكومة.
وفي 3 أيلول/ سبتمبر الجاري، أصدر قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي، قرارات بإزالة صفة النفع العام عن 7 مبان وأراض حكومية هامة وضمها
للصندوق السياسي، وهي مجمع التحرير، ووزارة الداخلية، والحزب الوطني، وملحق معهد
ناصر بالقاهرة، والقرية التعليمية، والكونية بمدينة 6 أكتوبر، وحديقة الأندلس
بطنطا.
والاثنين، الماضي، أعلنت وزيرة التخطيط إنشاء صندوق مصر
الفرعي برأسمال 30 مليار جنيه من صندوق مصر السيادي، للقيام بجميع الأنشطة
الاستثمارية بما فيها إصدار السندات وبيع وشراء وتأجير الأصول الثابتة والمنقولة.
ولكن السؤال: لماذا تترك الحكومة مبانيها المملوكة لها
وبأماكنها التاريخية لتنتقل للصحراء بمبان غير مملوكة لها ومطالبة بدفع الإيجار؟
"ملك للمحتكرين
الجدد"
وفي إجابته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله،
إن "الرقم الذي أعلن عنه رئيس العاصمة كبير للغاية؛ ولو فرضنا صحة قوله بأنه
لم يُحَمَّل على الموازنة العامة للدولة فقد تم جمعه من الشركات المصرية
والمواطنين عن طريق بيع الأراضي والشقق والاستثمارات".
ذكر الله، أكد لـ"عربي21"، أن حديث عابدين
يجزم بأن "
العاصمة الجديدة ليست ملكا للدولة ولا الحكومة ولا الشعب، وأنها
مملوكة للشركة التي يعود نصف أسهمها فقط على الحكومة، والباقي للمستثمرين والقوات
المسلحة".
ويرى رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية العلاقات
الدولية، أن "نقل المباني الحكومية فيه الكثير من علامات الاستفهام، ولا أحد
يعرف على وجه الدقة ماذا سيتم بالمباني القديمة".
وأشار إلى "نقل أصول مباني الوزارات القديمة
بتكلفتها وبطابعها التاريخي والثقافي والحضاري؛ ثم نقلها للصندوق السيادي بدون
إعلان قيمتها المالية، بل وتحصين عقود الصندوق ليضم ما يشاء من وزارات ومبان ويتصرف فيها ويقيمها بالقيمة التي يشاء".
الأكاديمي المصري، لفت إلى حدوث ذلك "في غياب الرقابة
من أي نوع؛ إلا رقابة هامشية لـ(الجهاز المركزي للمحاسبات)، و(الرقابة الإدارية)؛
بتقارير ليست لها صفة قانونية حتى يمكن تحويلها للنيابة العامة وغيرها، وترفع
للسلطة التنفيذية ورئيس الحكومة وليس البرلمان".
وأكد أن "نقل أصول الدولة والوزارات القديمة وبدون
مقابل أمر يحيط به علامات الاستفهام والتعجب، وزاد الأمر غموضا تصريح عابدين، بأن
الحي الحكومي سيتم إيجاره للدولة، ما يؤكد أن العاصمة ليست ملكا للحكومة ولا للشعب
فلا يؤجر من امتلك".
وتساءل ذكر الله، "لماذا تؤجر الوزارات المباني
الجديدة ولا تمتلكها ولديها أصول تملكها بالقاهرة؟ ولماذا لا يتم عمل مقايضة
وتقييم الأصول القديمة والجديدة؟ رغم أنه لا يمكن مقارنة أصل بالصحراء بمثل ذلك
الأصل الذي يوجد بقلب القاهرة".
وأضاف: "ولو سلمنا بالمقاربة بين قيمة أصول
الوزارات القديمة والمباني الجديدة بالعاصمة الإدارية؛ فلماذا لا تتم المقايضة دون
تحمل الحكومة أي شيء؟ وبالطبع القيمة الإيجارية ستحمل على موازنة الوزارات وبالتالي
المزيد من عجز الموازنة العامة".
وتساءل الخبير الاقتصادي مجددا: "لماذا تصر الحكومة
على مثل هذه التصرفات؟ ومن الواضح أن هناك رؤية معينة لصالح جهات معينة، وليست
لصالح الشعب ولا الموازنة العامة، وهي التصرفات التي ستزيد التحميل على المواطن
لصالح فئة المحتكرين من الشركات والجهات السيادية".
"دولة المتناقضات"
من جانبه قال الخبير الاقتصادي الدكتور أشرف دوابه،
لـ"عربي21": "هذا التصريح يزيد حالة الحيرة والإيهام وعدم
الشفافية والتناقض في الأمر".
وأضاف: "جعلوا شركة العاصمة دولة داخل الدولة وتؤجر
للحكومة"، مستغربا من "قول رئيس الشركة أن موارد البناء جاءت من بيع
الأراضي"، متسائلا: "كيف تبيع أراض هي أصول حكومية وتقوم بتأجير
المباني الجديدة بمبالغ كبيرة لمؤسسات الحكومة؟".
ويعتقد أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة "إسطنبول
صباح الدين زعيم" أن "الاتجاه القادم هو منح المباني التي يتم إخلاؤها
بالقاهرة للصندوق السيادي يتصرف فيها بالبيع كبقية أصول مصر".
وأكد أن "من بين التناقضات عدم ذكر رئيس العاصمة
للقروض الخارجية التي لها دور مهم ببناء العاصمة الجديدة ليكشف عن مزيد من
التناقضات داخل دولة المتناقضات".
"يوتوبيا العاصمة"
وفي رؤية سياسية، قال البرلماني محمد عماد صابر، إن
"العاصمة الإدارية النموذج التطبيقي لرواية (يوتوبيا) للراحل أحمد خالد
توفيق، والسيسي وعصابته المستفيدون، حتى رجال الأعمال الذين تملكوا الأراضي بها
فرضت عليهم جبرا تحت تهديد المساس بمصالحهم".
صابر، أضاف لـ"عربي21"، أن "العاصمة الإدارية
كتفريعة القناة، ومحاور وطرق كلفت المليارات دون دراسات علمية واقعية ومستقبلية؛ لأن
السيسي صاحب القرار أعلن عدم إيمانه بدراسات الجدوى".
ويعتقد أن "العاصمة مشروع خاص خارج نطاق القانون
والرقابة والمتابعة، والمليارات التي تدفقت فيه غالبيتها من الخليج، وقد أعلن
الكويتي مبارك البغيلي، أن السيسي أخذ من الخليج 92 مليار دولار لا يعرف أحد أين
هي؟".
وأكد السياسي المصري، أن "الحي الحكومي ملك للعاصمة
وليس للوزارات التي ستدفع إيجارها السنوي من المنبع عن طريق وزارة المالية خصما من
ميزانيتها السنوية الضعيفة أصلا، والتي يستهلك منها نحو 85 بالمئة مرتبات وأجور،
وبعد خصم الإيجار لن يتبقى ما يكفي لدور الوزارات بخدمة الشعب".
ويرى أن "الأخطر أن مقار الوزارات بالقاهرة غالبيتها
قصور للأسرة العلوية، بأفضل مناطق وسط القاهرة، والمتوقع ضمها للصندوق السيادي
للبيع أو عمل مشروعات استثمارية تابعة للصندوق السيادي الأسود".
وقال إن "مصر مغتصبة ومخطوفة قسرا تحت تهديد
السلاح، وحتى لو رحل السيسي أو قامت ثورة فقد أوقع الشعب والجيش في الوحل، وحل
الممتلكات والتركة بعد أن انتقلت ملكية مصر من الأسرة العلوية إلى الأسرة
العسكرية".