"جحر الضب" وحالة اللامنطق العربية

أسقطت الدول العربية الأربعاء، وفق دبلوماسي فلسطيني رفض الكشف عن اسمه، مشروع قرار قدمته فلسطين، في اجتماع الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، يُدين اتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.

وقال الدبلوماسي وفقا لوكالة الأناضول، إن فلسطين توافقت مع الدول العربية، قبيل انطلاق الدورة العادية للجامعة العربية، على إصدار بيان ختامي، لا يتضمن إدانة للاتفاق التطبيعي، لكنه يشدد على ضرورة الالتزام بالمبادرة العربية لعام 2002، والتي تربط التطبيع بالإنهاء الكامل للاحتلال الإسرائيلي، والالتزام بحل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام.

بكل مرارة، فإنه لا توجد في القاموس السياسي حقيقة مفردات من شأنها توصيف هذا التراجع، أو بتوصيف أدق الانهيار العربي، والذي تحول فيه التطبيع لخيار عربي لا يستوجب الإدانة والتجريم، وقبل ذلك لا يثير حياء أو خجل من يقدم عليه.

 

تحول التطبيع لخيار عربي لا يستوجب الإدانة والتجريم، وقبل ذلك لا يثير حياء أو خجل من يقدم عليه

فرغم كل الخلافات العربية العربية التي كانت سمة دائمة في العلاقات البينية بين الأنظمة، إلا أن تبني القضية الفلسطينية حتى ولو لفظيا كان بالمقابل سمة أساسية رافقت وميّزت الخطاب الرسمي العربي، وكذلك ركيزة من ركائز "العمل العربي المشترك" الذي قامت الجامعة العربية من أجله.

يكون مشروعا والحالة التي انتهى لها بعض العرب وجامعتهم؛ التساؤل: كيف تحول بعضهم من التصدي للمشروع الصهيوني، إلى التصدي للفلسطينيين وشن حرب ضروس دبلوماسية ونفسية وشخصية ضدهم، والتسابق على خدمة المشروع الصهيوني، وعمل كل ما من شأنه إرضاء قادته، وتوفير الراحة والأمن والاستقرار لمستوطنيه و"مواطنيه" من مغتصبي الأرض العربية الفلسطينية؟

وحيث أن المنطق وأدوات التحليل السياسي الراهنة لا تقدم تفسيرا مرضيا لذلك التحول، فإن العودة لما كتبه مفكرون استشرفوا تلك المرحلة مبكرا تبدو خيارا ملحا، فلم يكن الراحل الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري يهذي عندما حذر مبكرا في إحدى محاضراته الشهيرة من ظهور "صهاينة جدد" يتحدثون العربية، ويصلون في المساجد، وينتسبون للعرب، لكنهم قلبا وقالبا صهاينة.

فإخفاق جامعة العرب عن تمرير قرار فلسطيني بإدانة التطبيع يشي بأن ثمة صهاينة يشغلون مقاعد العضوية فيها!! للتذكير، المشروع الصهيوني وبحسب بيانات سابقة لذات الجامعة هو تهديد للأمن القومي العربي، وليس لفلسطين وحدها.

 

تسعى دول عربية للدفاع عن إسرائيل، وتأخذ على عاتقها إزالة العقبات التي تحول دون دمجها في المنطقة، بل وتمول مشاريع التطبيع والتصهين، في الوقت الذي تحاصر فيه الفلسطينيين وتجرم دعمهم أو مساندتهم

يبدو واضحا وبدون أدنى شك فقدان الجامعة العربية للبوصلة، وسيطرة اللوبي "الصهيوعربي" عليها وعلى جدول أعمالها، فلم يكن بنيامين نتنياهو ولا شارون من قبله ولا غولدا مائير يأملون في أفضل أحلامهم بشيء مما يحصل حاليا.. أن تسعى دول عربية للدفاع عن إسرائيل، وتأخذ على عاتقها إزالة العقبات التي تحول دون دمجها في المنطقة، بل وتمول مشاريع التطبيع والتصهين، في الوقت الذي تحاصر فيه الفلسطينيين وتجرم دعمهم أو مساندتهم، في مشهد لا يمكن إلا أن يوصف بأنه مثير للشفقة على الحال الذي انتهت له الأمة العربية، أو أنظمتها الرسمية تحديدا، ومثير للاستغراب من جهة أخرى من القاع الذي انحدر له العرب.

جنبا إلى جنب مع ذلك يعزف البعض معزوفة "التصالح والسلام"، وأن الرسول توفي ودرعه "مرهونة عند يهودي". نقول لمروجي هذا الرأي: ما علاقة الدين اليهودي بالصهاينة الحاليين؟ هذا مشروع استعماري استعمل الدين وسرق التاريخ وأقام دولة عنصرية. هل كان يهود المدينة يحتلون فلسطين في ذلك الوقت؟ هل الصهاينة الحاليون هم أبناء المنطقة أم مستعمرون؟ وفي ظل حالة اللامنطفق التي تسود أفعال وأقوال "الحلف الصهيوعربي"، لا أجد توصيفا لما يجري إلا ما تحدث عنه الرسول الكريم مبكرا: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبرٍ، وذراعا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتُمُوهم".. إلى آخر الحديث.

وتوقفت عند معنى جحر الضب ولماذا اختار الرسول الكريم هذا التوصيف، وببحث معمق فوجئت حقيقة بدقة الوصف وحقيقة مطابقته لما يجري الآن، بل هو بالفعل التوصيف الوحيد لحالة اللامنطق القائمة في اللحظة العربية الراهنة، حيث يلقي العرب برقابهم تحت السكين الصهيوني، ويحاصرون أنفسهم ويغلقون النوافذ والأبواب ويقطعون الأوكسجين بتحالفهم مع أعدائهم.. المهم وبالعودة للحديث الكريم، فإن جحر الضب "معروف عنه أنه شديد القذارة، وله فتحة واحدة، ليس كباقي الحيوانات التي تحفر جحورها في الأرض وتصنع لها عدة فتحات لتخدع أعداءها وتستطيع الهرب منهم. فجُحر الضبِّ فيه مهلكة محققة إذا ما حوصِرَ جُحره من عدوٍّ يتربص به، فجمع جحر الضب القذارة المؤكَّدة، والمَهلَكةَ المحقَّقة".