مقابلات

"الجبهة الشعبية": نؤيد اتفاق جوبا.. والثورة السودانية سُرقت

الأمين داؤود أكد لـ"عربي21" أن "الثورة السودانية سُرقت"- عربي21

* نعلن عبر "عربي21" تأييدنا لاتفاق جوبا وسنكون حاضنة شعبية لتنفيذه وتفعيله على الأرض

 

* أتعرض للإقصاء من قبل دوائر كثيرة على رأسها الحكومة الانتقالية ولجنة الوساطة وبسبب المؤامرات داخل الجبهة الثورية

 

* استقبال الحشود الغفيرة لي حينما عدت للسودان كان مصدر قلق للحكومة وبعدها بدأت المؤامرات ضدي

 

* الكثيرون يرون وجودي على رأس مسار الشرق بهذه القاعدة الجماهيرية العريضة لن يجعل لهم وجودا

 

* هناك أجندات محورية واضحة في تغيير سياسة الدولة.. وخلافاتنا التنظيمية لا ترتقي لرفض اتفاق جوبا

 

* لا أنتقص من دور دولة جنوب السودان ولكن لديّ بعض التحفظات على «لجنة الوساطة» لأنها لا تتمتع بالنزاهة

 

* دور دول الإقليم في اتفاق السلام لا نريده أن يمتد لأكثر من ذلك لأن هناك مخططات ضد شرق السودان وموارده

 

* الثورة السودانية سُرقت من قِبل "أصحاب الأجندات".. ومَن فجّروا الثورة خارج المشهد تماما وكل صاحب رأي يُطارد

 

* الوضع شرق السودان خطير للغاية وإذا استمر هكذا سينفجر السودان عموما من مدخل الشرق

 

* ما يحدث الآن شرق السودان "مؤامرة حقيقية وسيناريو خطير للغاية يُمهد لتدخل أجنبي لنهب مواردنا"

 

* احتجاجات شرق السودان يكتنفها "علامة استفهام" وتُساق بواسطة أجندات سياسية خفية تريد شيطنة الشرق

 

* إذا لم يقم أهل الشرق والحكومة الانتقالية والجيش بمسؤوليتهم التاريخية فسنقول: (على السودان العوض)

 

* قلقون من أبعاد الدور الإماراتي في شرق السودان.. ولا توجد حكومة واحدة ببلادنا بل حكومات متناثرة

 

* سنشارك في المؤتمر الجامع لحل أزمة شرق السودان وقدمنا الآن رؤيتنا للحكومة

 

* أي سلام دون حركتي "عبد العزيز الحلو" و"عبد الواحد نور" سيكون "سلاما ناقصا"

 

* ليست لدينا مشكلة مع الدين في السودان ومشكلتنا هي أولويات المواطن البسيط

 

* الحكومة الانتقالية لا يحق لها أن تقوم بأي تطبيع في الوقت الحالي.. ويجب أن يستقر السودان أولا

 

قال رئيس الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، وعضو المجلس الرئاسي للجبهة الثورية السودانية، الأمين داؤود، إن "الوضع في شرق السودان مؤسف جدا، وخطير للغاية، وإذا استمر هكذا سينفجر السودان عموما من مدخل الشرق؛ فما نراه الآن سيناريو خطير جدا يُمهد لتدخل أجنبي لنهب موارد الشرق، وأراه مؤامرة حقيقية".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع (ضيف "عربي21")، أنه "إذا لم يقم الشعب في شرق السودان، والحكومة الانتقالية، والقوات المسلحة، بمسؤوليتهم التاريخية نحو التدخل السافر، والأجندة الخفية التي تُحاك الآن في الشرق، ومدنه الرئيسة، وخاصة في بورتسودان، فسنقول: (على السودان العوض)".

 


وأعلن "داؤود" من خلال "عربي21" تأييدهم لاتفاق جوبا الذي قال إنه كان نتاجا لجهودهم طيلة العشر سنوات الماضية، مُشدّدا على أنهم سيكونون الحاضنة الشعبية لتنفيذ وتفعيل هذا الاتفاق على الأرض، ومُعبّرا عن أمله في أن يكون اتفاق جوبا بداية لعمل كبير يمكن أن ينجح في إنهاء حرب طويلة امتدت لأكثر من 20 عاما.

وعن سبب عدم مشاركته في مراسم التوقيع النهائي لاتفاق جوبا، قال: "هذا امتداد لسياسة الإقصاء والتهميش الذي أتعرض له من قبل دوائر كثيرة على رأسها الحكومة الانتقالية، ولجنة الوساطة، والراعون للاتفاق، وبسبب المؤامرات داخل الجبهة الثورية، بالإضافة إلى أن الكثيرين يرون أن وجودي على رأس مسار الشرق بهذه الشعبية الكبيرة لن يجعل لهم وجودا. كما أننا لا ننكر أن هناك أجندات محورية واضحة في تغيير سياسة الدولة".

وتاليا نص المقابلة الخاصة مع (ضيف "عربي21"):

 

كيف تنظر لاتفاق جوبا؟


اتفاق جوبا من الاتفاقات المحورية، ويحمل في طياته الكثير لإعادة النازحين، وإعمار المناطق التي دُمرت بالحرب، وإنهاء الاقتتال في السودان، وقد جاء عبر إرادة قوية من كل الأطراف سواء من الجبهة الثورية أو من الحكومة الانتقالية. وهذا الاتفاق أيضا له أبعاد طيبة؛ فقد جاء بعد انتفاضة قام بها الشعب السوداني في الداخل والخارج واقتلع رأس نظام البشير. ونعتبر هذا الاتفاق بداية لعمل كبير، ونسأل الله أن ينجح في إنهاء حرب طويلة امتدت لأكثر من 20 عاما.

ولماذا لم تشارك في مراسم التوقيع النهائي؟


عدم مشاركتنا يُعد امتدادا لسياسة الإقصاء والتهميش الذي أتعرض له بشكل شخصي، وذلك من قبل دوائر كثيرة على رأسها الحكومة الانتقالية، وبسبب المؤامرات داخل الجبهة الثورية، نتيجة لبعض الخلافات هنا وهناك. وإقصائي جاء بعد زيارتي للسودان يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، للتبشير باتفاق حسن النوايا، وكان في استقبالي جموع غفيرة من جماهير الشعب سواء في العاصمة الخرطوم أو القضارف أو كسلا وأخيرا في بورتسودان، وهذه الجماهير الغفيرة التي استقبلتنا كانت مصدر قلق للحكومة، وخاصة مكون إعلان "الحرية والتغيير"، ومن هنا بدأت المؤامرة، إلا أننا بدأنا افتتاح منبر شرق السودان، وكانت هذه المؤامرة حاضرة، وتم استقطاب أحد القيادات الجبهة الشعبية المتحدة إليها.

لكننا من خلال "عربي21" نبشر الشعب السوداني عموما، وشعب شرق السودان بصفة خاصة، ونعلن أننا نؤيد هذا الاتفاق الذي كان نتاجا لجهودنا طيلة العشر سنوات الماضية، ولذلك فتنفيذ الاتفاق يتطلب وجود حاضنة شعبية، ونحن أصحاب هذه الحاضنة، وسنكون في قلب من يسعون لتفعيل هذا الاتفاق على الأرض.

ولماذا دائما ما يتم إقصاءك؟

لأسباب كثيرة، أولها أن الكثيرين يرون أن وجود الأمين داؤود على رأس هذا المسار بهذه القاعدة الجماهيرية العريضة لن يجعل لهم وجودا في شرق السودان. كما أننا لا ننكر بأي حال من الأحوال أن هناك أجندات محورية واضحة في تغيير سياسة الدولة، وتلك الأجندات المحورية لا ترغب بوجود الأمين داؤود في قيادة هذا المسار.

لكن فُهم من بيانكم الأخير أنكم ترفضون اتفاق جوبا؟


لم نصدر أي بيانات ضد الاتفاق، لأننا أسهمنا فيه إسهامات حقيقية، إلا أن هناك خلافات تنظيمية لكنها لا ترتقي إلى رفض الاتفاق الذي سيصب في مصلحة أهل السودان وشرقه، وبالتالي فمن غير المنطقي أن نرفضه، لكننا نقول إننا الآلية الوحيدة والكبيرة التي يُعوّل عليها تنفيذ هذا الاتفاق.

وما أبعاد الخلافات التنظيمية داخل "الجبهة الشعبية"؟


بعض تلك الخلافات كانت تخطط لها الحكومة الانتقالية في الفترة الأولى، وبعضها كان بسبب سياسة المحاور التي تحدث في المنطقة.

وماذا عن الخلافات داخل "الجبهة الثورية"؟


الخلافات داخل "الجبهة الثورية" ألقت بظلالها على الوضع التنظيمي للجبهة الشعبية للتحرير والعدالة، وكان من أهم الخلافات بيننا والجبهة الثورية في تحديد المنبر التفاوضي قبل الموافقة على منبر جوبا الذي كانت تراه بعض الحركات الثورية غير ملائم لهذا الاتفاق، ونحن في الجبهة الشعبية، وشخصي الضعيف، كنت أرى أن منبر جوبا هو المنبر الملائم للتوسط ما بين القضية في شمال السودان، وإذا ما نجح هذا السلام فسيعتبر سلاما بين الجنوب والشمال.

كما كانت هناك خلافات أخرى بخصوص الترتيبات الأمنية، ونحن نرى كشعوب شرق السودان أننا ظُلمنا في هذه الدولة السودانية سواء في مؤسساتها العسكرية أي الجيش أو الشرطة أو الأمن. فهذا الشعب ظُلم ظلم الحسن والحسين في هذه المؤسسات، وكنّا نرى أن يكون لنا ترتيبات أمنية خاصة باسم شرق السودان، بينما رأى الإخوة في الجبهة الثورية أن هذه الترتيبات الأمنية فقط للحركات المسلحة الدارفورية، بالإضافة إلى خلافات أخرى عميقة بشان التسابق على أرض الميدان؛ فعندما عدت للسودان بعد اتفاق حسن النوايا رأى بعض الرفاق في الجبهة الثورية أن هذه الجماهير التي تتبع برنامج وسياسات الجبهة الشعبية سوف تأخذ منهم الأضواء، وتسبب ذلك في غيرة وحسد، ولم أكن أتوقع ذلك.

والجبهة الثورية بعد انتهاء الفترة التي كان يقودها "مني أركوا مناوي" اختلفنا في مَن يخلفه في رئاسة الجبهة، وكانت بيننا خلافات كبيرة. ورئيس الجبهة الحالي الدكتور الهادي إدريس أحترمه كثيرا ولكن التنظيم الذي يقوده عمره في الجبهة الثورية كان أقل من عامين، وهذه كانت مُخالفة دستورية واضحة، إلا أنه تمت ممارسة بعض الضغوطات وجاء الهادي إدريس رئيسا للجبهة الثورية التي يمنع نظامها الأساسي أي تنظيم بداخلها عمره أقل من عامين من تولي رئاستها، ولكن جاء الدكتور الهادي لينفذ هذه المخططات داخل مدينة جوبا، وكان شديد الضعف، وهذا كان خلافا رئيسيا أيضا أدى لانشقاق بيننا وبين إخوتنا في الجبهة الثورية.

في 17 أيلول/ سبتمبر الماضي قابلتم المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان والناطق الرسمي باسم لجنة وساطة دولة الجنوب.. ما الذي دار في هذه الاجتماعات؟


اتصل بي المستشار الأمني لرئيس جنوب السودان، توت قلواك، قبل مجيئه إلى الخرطوم، وطلب مني مقابلته وهو في طريقه إليها، فلبيتُ الدعوة والتقيته، وبالفعل دار اللقاء بيننا في موضوعين رئيسين، الأول: هو خلافات الجبهة الثورية السودانية ودوري فيها، والموضوع الآخر: هو الخلاف داخل الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة.

في الموضوع الأول: قلت يا أخي ليس لدينا مشكلة في التدخل أو الإدلاء برأينا في هذه الخلافات الموجودة داخل الجبهة الثورية، ولكن تم إقصاؤنا من قبلكم، فقد وصلت إلى جوبا بدعوة رسمية لحضور مراسم توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى، فإذا بي أتعرض للاختطاف داخل المطار لمدة ساعتين ونصف الساعة، وأنا أعتقد أن هذا الاختطاف لا يمثل الوجه الحقيقي لدولة جنوب السودان، ولا مُخطط له من قبل القيادات العليا داخل دولة جنوب السودان، ولكن الاختطاف جاء من قبل أفراد بأجهزة داخل المطار، بغرض منعي من حضور مراسم التوقيع في وقت مبكر. ولو حدث وحضرت في وقت مبكر لتغير كثير من مسار الأحداث، لكن أتعجب من حدوث ذلك عندكم، فاعتذر لي بشكل رسمي، وطلب مني زيارة جوبا لحضور مراسم التوقيع النهائي لاتفاق السلام في موقت مبكر، فطلبت منه أن تُقدم لنا دعوة رسمية للحضور، وبالفعل وافق على ذلك.

وبموجب هذا الحوار التقينا والناطق الرسمي باسم لجنة وساطة دولة الجنوب، ديو متوك، وأكدوا تقديم الدعوة الرسمية، لكن - في تقديري - كان هذا استهلاكا للوقت، فقد ظنوا أني سأخرج في تلفزيون السودان، وفضائيات الخرطوم وأُعلن عن تفاصيل اللقاءات، وهم كانوا يخشون الإعلام، وبعد ذلك خرجت قيادات من شرق السودان وتحدثت عن ذلك الموضوع، وهو ما جعلهم منزعجين جدا، فكان اللقاء معي لتهدئة الأوضاع فقط، وكانت النيات مُبيّتة على عدم تقديم الدعوة لي، والآن تأكد لي - بما لا يدع مجالا للشك - أن دولة جنوب السودان أو لجنة الوساطة ذاتها لم يكن بمقدورها دعوتي، وأستطيع القول بأن إقصاءنا تم بالتوافق مع الحكومة الانتقالية، ولجنة الوساطة، والراعين للاتفاق.

ما تقييمكم لدور دولة جنوب السودان كوسيط في المفاوضات؟


أنا لا أنتقص من دور دولة جنوب السودان في هذا الاتفاق، فقد كان لهم دور كبير، وما قاموا به لا يمكن أن تقوم به أي دولة أخرى؛ وذلك لأسباب عدة:

أولها: دولة جنوب السودان تعرف تماما الإشكاليات الحقيقية الخاصة بالحركات الثورية المسلحة.

ثانيها: السلام في السودان يؤدي للاستقرار والسلام في دولة جنوب السودان، لذا لا أنتقص ما قاموا به من أدوار، ولكن لديّ بعض التحفظات على «لجنة الوساطة» بقيادة المستشار «توت»، لأنهم "لا يتمتعون بالنزاهة"، وهذا يرجع إلى أشخاصهم وليس إلى دولة جنوب السودان.

ماذا عن دور بعض الدول الإقليمية في اتفاق جوبا؟


أحيي ما قامت به دول الإقليم من أدوار، كالسعودية، والإمارات، وقطر، ومصر، وتشاد، لرعايتهم ودعمهم للسلام، وهذا دور طيب جدا، لكن نحن – كشعوب شرق السودان عموما – كان لدينا رأي واضح في السابق وهو أن يكون السلام شاملا وعادلا بإرادة حقيقية من الشعب السوداني والحكومة الانتقالية والجبهة الثورية السودانية، أما عن الأدوار القيّمة التي قاموا بها فنحن لا نريدها أن تمتد لأكثر من ذلك، فهناك مخططات ضد مصلحة المواطن في شرق السودان، والتدخل في موارده.

وعدتم بكشف جميع التفاصيل الخاصة بما وصفتموه بـ"سيناريو المؤامرات في مسار الشرق".. فما هي تفاصيل هذه "المؤامرة"؟


الوضع في شرق السودان مؤسف جدا، وخطير للغاية، وإذا استمر هذا الوضع سينفجر السودان عموما من مدخل شرق السودان، وهو وضع غير طبيعي.

 

في شرق السودان طيلة الفترة الماضية – حتى قبل وبعد الاستقلال – كان هناك أمن، واستقرار، وتعايش قبلي، وما نراه الآن هو سيناريو خطير للغاية يُمهد لتدخل أجنبي لنهب موارد الأهل في شرق السودان (من موانئ، ومعادن، وذهب)، وأراه مؤامرة حقيقية، وإذا لم يقم الشعب في شرق السودان، والحكومة الانتقالية، والقوات المسلحة، بمسؤوليتهم التاريخية نحو "التدخل السافر" والأجندة الخفية التي تُحاك الآن في شرق السودان، وفي مدنها الرئيسة وخاصة في بورتسودان، فسنقول: "على السودان العوض".

مَن صاحب هذا التدخل الذي تصفه بـ "السافر"؟


الثورة السودانية سُرقت، سرقها أصحاب الأجندات، فأصحاب الثورة من الشعب السوداني، ولجان المقاومة، والشباب مواليد الثمانينات الذين فجّروا هذه الثورة التي أذهلت الجميع هم الآن خارج المشهد تماما، وكل صاحب رأي يُطارد الآن، كما طاردوني في «سجن كوبر»، وفي مطار جوبا، وبالمناسبة هذا التوجه خطير لأصحاب الأجندات الخطيرة داخل البلاد.

هل "الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة" لديها قواعد وقوات على الأرض أم لا؟ وما حجم تأثيرها؟


"الجبهة الشعبية" تمتلك قواعد كبيرة جدا، في الولايات الشرقية الثلاث، وفي الخرطوم العاصمة، وأهم أولوياتها تحقيق السلم المجتمعي في السودان عموما، وفي شرق السودان بصفة خاصة، لكن إن استمر هذا الوضع على ما هو عليه فسيكون للجبهة "رأي آخر"، لحماية مواطنينا بأي حال من الأحوال، وإذا كان الشعب السوداني يقتتل فيما بينه، وتقوم الحكومة الانتقالية بدور المتفرج، وتكون هناك ضحايا وخسائر في الأموال والأنفس العزيزة، فحينئذ يجب على الشعب أن يحمي نفسه، ونحن في الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة لن نقوم بدور المتفرجين على الإطلاق.

وماذا ستكون طبيعة "الرأي الآخر" للجبهة الشعبية حال تأزم الأمور؟


أولا نسأل الله العلي القدير، وبمجهودات الجميع أن ننتصر على أعداء السلام والاستقرار في السودان، وأنا شخصيا بعد خروجي من السجن بعد قضاء شهرين ونصف الشهر، ظللنا داخل الخرطوم ننادي بمبادرات عدة، فقط لحفظ النسيج الاجتماعي في شرق السودان، لكن إن كانت هناك أجندة أخرى تفرض علينا الحرب بالقوة، والحكومة الانتقالية في موقف "المتفرج"، فلا بد من الدفاع عن أنفسنا بالسبل المناسبة، وحينئذ سيكون لنا الرد الكافي والمناسب.

وهل أنتم قادرون على الدفاع عن أنفسكم؟


أي شخص في الدنيا عنده محاولة من محاولات الدفاع عن النفس.

كيف ترون غياب أهم فصيلين في الحركات المسلحة عن اتفاق جوبا وهما "عبد العزيز الحلو" و"عبد الواحد نور"؟


هما فصيلان مهمان، الحركة الشعبية (قطاع الشمال) بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد محمد أحمد النور هما من الحركات المؤثرة في السودان. لذا نقول للحكومة الانتقالية إن عليكم القيام بمجهود جبار لمفاوضة الحركتين لقبول السلام، وأي سلام دون هاتين الحركتين هو "سلاما ناقصا"، وسيكون له مردود غير إيجابي على الوضع في السودان بشكل عام.

وهل لك تواصل مع "عبد العزيز الحلو"، و"عبد الواحد نور"؟


لم أتواصل معهما منذ فترة طويلة، لكنهما يعتبران رفقينا.

"عبد الواحد نور" قال إن لديه مبادرة بديلة تعتمد على إشراك جميع أطياف الشعب السوداني، وأنه سيعود إلى السودان قريبا لإطلاقها.. هل تواصل معكم بشأن هذه المبادرة؟  

 

هذا الطرح موجود في وسائل الإعلام، وطرح عبد الواحد نور هو طرح للشعب السوداني عموما، والجميع يعرف هذا الطرح، ونأمل أن يعود الأستاذ عبد الواحد النور إلى الخرطوم خلال هذه الفترة. ومن هنا أدعو عبد الواحد النور وآخرين من الحركات المسلحة التي لم نذكر أسماءها الآن، سواء في الجبهة الثورية أو خارجها، إلى الدخول في عملية السلام والعودة للوطن، لأن السلام مطلوب تأصيله داخل المجتمعات، وعلى أي شخص أو حركة لديها طرح عليها أن تبادر بالدخول للخرطوم.

ما موقفكم من مبدأ فصل الدين عن الدولة؟


ليست لدينا مشكلة مع الدين في السودان، فالدين لله، وهذه عقيدة شخصية، ومشكلتنا مع "حكومة الإنقاذ" التي لم يكن لها أي علاقة بالدين، فهل كان يحكم عمر البشير بالدين أو الشريعة مثلا؟ فمشكلتنا هي أولويات المواطن البسيط.

لكن عبد الواحد النور يتمسك بقضية "فصل الدين عن الدولة" ودعا لسودان علماني ديمقراطي؟


عبد الواحد نور له رؤيته، لكننا في السودان نرى أن المشكلة ليست مع الدين، فالدين لله، وإنما الإشكالية في الأنظمة الديكتاتورية التي جثمت على صدور الشعوب، وتأكل من موارده، فلا تجد مياها للشرب، ولا صحة ولا تعليما ولا أمنا.

ونحن في السودان على مدار ثلاثين عاما يقاتل بعضنا بعضا في دارفور، وفي جنوب كردفان، وفي النيل الأزرق، وفي شرق السودان، وفي الوسط، بل وفي داخل الخرطوم هنالك طلبة من أبناء دارفور كانوا بالجامعات والمعاهد العليا وقد تعرضوا للسلب والذبح، فمشكلتنا هي الاستقرار، والحياة الكريمة، وعلاج الوضع الاقتصادي المتردي، والوضع التعليمي المتردي، وكذا الوضع الصحي، هذه هي مهامنا، والشعب السوداني هو الذي يقرر بماذا يُحكم، ويعرض ذلك في المؤتمر الدستوري الذي يحضره كل فئات الشعب، أما الحركات الثورية فليس عندها حل.

هل ترى توسيع المشاركة في «اتفاق جوبا» ليشمل جميع الحركات المسلحة، أم تنادي بعقد اتفاق جديد؟


نظرا لبعض المشاكل في الجبهة الثورية السودانية، فقد كنّا نرى بتوسيع هذا الاتفاق ومشاركة كل الحركات المسلحة، أما الآخرون فكانوا يرون مشاركة الحركات المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية السودانية فقط، وهذه العقلية التي تفكر بهذه الطريقة هي "عقلية خربة"؛ فلا يمكن بهذه العقلية أن نقود السودان ولا قوى الهامش. في نظري يجب توسيع هذا الاتفاق ليسع الجميع من حاملي السلاح، وحاملي الرأي، وإذا كانت بعض الحركات ترى بأن يكون هناك اتفاق آخر فلا يضيره شيء، ففي النهاية كل هذا سلام.

ما فرص توسعة وإنجاح هذا الاتفاق وضم جميع الحركات المسلحة له؟


فرص توسعة الاتفاق صعبة جدا؛ فالوضع غير ملائم الآن، والحكومة الانتقالية غير مستقرة، والشراكة بين المدنيين والعسكريين شراكة مُخلة، فهناك خلافات تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي والأمني المتردي، لذا على الجميع (حركات ثورية، وأصحاب الاتفاق، وحكومة انتقالية) أن يكون همنا الأول والأخير هو وحدة السودان.

هل قد تكون هناك انشقاقات جديدة وحركات مسلحة جديدة رفضا لاتفاق جوبا؟


نتوقع ذلك، والسبب في ذلك هو عدم مشاركة العديد من الحركات في اتفاق السلام، وعدم الاستماع لآرائهم في الاتفاق، مما سيؤدي إلى انشقاقات أخرى وحركات حديثة، فلذلك علينا نحن وعلى الجميع في الحكومة الانتقالية أن يسعى لعمل حوار جامع لكل الحركات المسلحة، وغير المسلحة من أصحاب الرأي لعودتهم للسودان، وحوارهم بشكل جاد. كما ننادي أيضا ونناشد بعدم الإقصاء - كما تم معي - ألا يتم مع الآخرين من حملة السلاح.

برأيك، كيف استقبل الشارع السوداني التوقيع النهائي لاتفاق السلام؟


الشارع السوداني تواق للسلام، الشعوب في دارفور، وفي جنوب كردفان، وفي النيل الأزرق سئمت الاقتتال فيما بينها، لذا فالسلام الآن يحظى بترحيب كبير جدا، وقد جاء هذا السلام في ظروف الثورة، لذلك فتطبيق هذا السلام على الأرض يحتاج إرادة حقيقية من جميع الأطراف، وأرى أن الأجواء ملائمة.

هل اتفاق جوبا الأخير يختلف عما سبقه من اتفاقات السلام الأخرى؟


بكل تأكيد. الاتفاق هذه المرة مختلف بالتأكيد، فقد كنّا نفاوض الحكومات السابقة (حكومات الإنقاذ)، وما توصلنا إليه في عام واحد، لم يتوصلوا إليه خلال ثمانية عشر عاما مضت، وهذا يعني وجود الإرادة الحقيقية، فالشعوب انتفضت ضد ذلك النظام، ونحن الآن نفاوض النظام الثوري وليس نظام عمر البشير، والنظام الثوري نحن جزء منه، فنحن جزء من إعلان الحرية والتغيير، لذلك نرى الفرق واضحا.

وبالتالي، هل اتفاق جوبا سيطوي تماما صفحة الحرب وحالة الصراع التي امتدت لسنوات طويلة؟


نتمنى ذلك، لكن الواقع بعد دخولي للسودان لا يوحي بذلك؛ لأن الحروب الآن امتدت، ولأن الاقتتال انتقل من دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق إلى شرق السودان، وقد ينتقل إلى وسط السودان وشماله، لذلك لا يمكن أن ننظر لهذا الواقع بالتفاؤل فقط، ولكن على الجميع أن يجتهد.

ما مدى رضاك عن مسار المفاوضات لمدة عام كامل؟


هذا جهدنا، لكنه جهد دون الطموح، لكن علينا أن نُثبّت هذا الجهد، وأن نضيف عليه كذلك.

كيف ترى انعكاس «اتفاق جوبا» على أزمة سد النهضة الإثيوبي؟


في تقديري هذا الاتفاق، وغيره له مردود إيجابي، وسلبي في نفس الوقت على الوضع في سد النهضة.

لماذا فشل نظام البشير في تحقيق نجاحات في إحداث تفاهم ومصالحة وسلام مع الحركات المسلحة رغم أنه سعى لذلك لأكثر من 8 أعوام تقريبا؟


لأنه لم يكن لديه أي إرادة حقيقية للسلام أو تحقيقه.

ما أبعاد الاحتجاجات التي تحدث شرق السودان رفضا لاتفاق جوبا والتي أدت لإغلاق ميناء بورتسودان ومقتل ضابط شرطة؟


الأبعاد الحقيقية التي يشهدها الآن شرق السودان يكتنفها "علامة استفهام"، بمعنى أنها تُساق بواسطة أجندات سياسية خفية تريد شيطنة شرق السودان.

مَن هم أصحاب تلك "الأجندات"؟


هم رافضو السلام، والذين ينادون بخطابات عنصرية، والذين يرتدون "جلباب القبيلة" لتنفيذ أجندة سياسية.

الحكومة السودانية أكدت على ضرورة وجود "استراتيجية متكاملة" لإدارة أزمة ولاية البحر الأحمر، نظرا لـ"وجود بُعد مخابراتي ودولي وكثير من التعقيدات فيها".. فكيف ترون أزمة ولاية البحر الأحمر؟


هذا إقرار من الحكومة بوجود أزمة، ونحن نقول ذلك، لكن الحكومة لم تملك أي استراتيجية لإخماد هذه الحرب، بل الحكومة ذاتها هي سبب المشاكل، فعليها أن تقوم بدورها الأمني لحفظ البلاد، لكنها الآن تقوم بدور "المتفرج"، فكيف تقول إن لديها استراتيجية؟ هذا كلام للاستهلاك الإعلامي، وفي تقديري أن الصراع بين المحاور والجهات المختلفة، والصراع بين الجهات العسكرية والمدنية يلقي بظلاله على أهلنا المسكين في شرق السودان، وهنالك بعض القيادات في شرق السودان نحمّلهم هذه المسؤولية التاريخية.

لماذا لم تقم الحكومة بدورها المنوط بها في شرق السودان؟


لأنه لا توجد حكومة واحدة ببلادنا، بل حكومات متناثرة، لكن الوضع في شرق السودان يمكن حسمه بسهولة من خلال مؤسسة واحدة، فالشرطة قادرة على حسمه، لكن للأسف هناك وضع مخل.

"مجلس الأمن والدفاع السوداني" قرر التحضير لعقد مؤتمر دستوري جامع لحل أزمة شرق السودان التي استفحلت خلال اليومين الماضيين.. كيف تنظرون لهذا المؤتمر؟


هذا من عجائب الأمور؛ فما علاقة مجلس الأمن والدفاع بذلك، فقد أُقر في الاتفاق بأنه سيكون هناك مؤتمر جامع لأهالي شرق السودان، ولا جديد في هذا، وهذا عمل سياسي، بينما مهمة مجلس الأمن والدفاع هي حماية المواطن، فليتركوا الأمور الخاصة بالمؤتمر وإشكالاته، ويجب عليه فقط أن يقوم بدوره المنوط به في حماية المواطن.    

وهل ستشاركون في هذا المؤتمر؟


سنشارك بالتأكيد. الكثيرون يريدون تخلفنا عن المشاركة، ولكن نحن داخل وطننا سنشارك في هذا المؤتمر، وقدمنا الآن رؤيتنا للحكومة، وكنّا ننادي منذ فترة طويلة بعقد هذا المؤتمر لنناقش فيه ما سقط في اتفاق جوبا، ليكون هذا المؤتمر إضافة حقيقية للاتفاق.   

هناك تقارير دولية أشارت لجهود إماراتية للضغط على الإدارة الأمريكية لدعم خطة شركة موانئ دبي، للاستحواذ على ميناء بورتسودان لمدة 20 عاما.. ما صحة ذلك؟


هذا ما يخيفنا.

وما أبعاد الدور الإماراتي في شرق السودان؟


هذا ما يقلقنا. ولا تفصيل أو توضيح في ذلك.

كيف ترون الجدل الخاص بملف التطبيع في السودان؟ 


هذا كلام لا معنى له، يجب أولا أن يستقر السودان عموما، وهذه حكومة انتقالية على عاتقها ملفات كثيرة، أهمها السلام، وليس لدينا برلمان، ولم تكتمل الكثير من الهياكل بالدولة، وبالتالي فالهرولة وراء التطبيع هي شماعة فقط، والشعب السوداني عبر مجلسه التشريعي المنتخب القادم هو الذي يقرر سواء برفض أو قبول التطبيع، لكن هذه الحكومة لا يحق لها أن تقوم بأي تطبيع في الوقت الحالي.