بدأ الحديث منذ شهور عن الاستحقاق الانتخابي المُفترض تنظيمه في المغرب بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل (2021)، حيث شرعت وزارة الداخلية المغربية في إجراء سلسلة لقاءات مع الفاعلين السياسيين، كما تقدمت مجموعة من الأحزاب، من الأغلبية الحاكمة والمعارضة، بمذكرات فردية وجماعية، ضمّنتها تصوراتها للقضايا المطروحة على الاقتراع المقبل، والمصاحبة لتنظيمه، سواء تعلق الأمر بالانتخابات التشريعية، أو الجماعية والجهوية.
هناك اختلافات متباينة بين مذكرات الأحزاب، أكثر عناصرها جوهرية نسبةُ العتبة المطلوبة، والقاسمُ المشترك، ونمطُ الاقتراع أو الانتخاب: هل تجب العودة إلى الاقتراح الفردي، كما ظل مطبقا في المغرب حتى سنة 2002، أم الإبقاء على المزج بين الاقتراع الفردي واللائحي كما هو معمول به، أو يُستحسن تكريس النظام اللائحي لوحده؟
وفي كل الأحوال تُعتبر كل هذه العناصر جوهرية وذات تأثيرات على النتائج المنتظرة من الانتخاب، وعلى مراتب الأحزاب وأوزان قوتها في القادم من الاستحقاقات. لكن بالمقابل، ثمة شعور مشترك بأن اللحظة السياسية الحالية ليست واضحة كما ينبغي، وأنها حمّالة احتمالات كثيرة، أكثرها سلبية على الأحزاب وعلى البلاد معا، تكمن في استمرار ظاهرة العزوف عن المشاركة لدى فئات واسعة من المواطنين، وديمومة الإحساس بعدم جدوى التصويت لاختيار النخب المقبلة على الصعيدين الوطني (البرلمان) والمحلي (انتخاب الجماعات الترابية بكل مستوياتها).
ثمة صورة رمادية عن مستقبل الانتخابات المتزامنة في خريف 2021، كما لا تقنع استعدادات الأحزاب، بمختلف مراتبها، بأن لها القدرة الكافية لاسترجاع ثقة الجسم الانتخابي، وتحفيز القاعدة الواسعة من الناخبين على التصالح مع السياسة
ما يبدو واضحا في المشهد السياسي المغربي اليوم أن ثمة صورة رمادية عن مستقبل
الانتخابات المتزامنة في خريف 2021، كما لا تقنع استعدادات الأحزاب، بمختلف مراتبها، بأن لها القدرة الكافية لاسترجاع ثقة الجسم الانتخابي، وتحفيز القاعدة الواسعة من الناخبين على التصالح مع السياسة، والعودة إلى التعاطي مع الشأن الانتخابي بحماسة ودون تردد.
ثم إن الظرفية العامة الناجمة عن جائحة كورونا والآثار المترتبة عنها على الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية لعموم المواطنين، قد تُعقّد فرص الاندماج من جديد في كسب رهانات الانتخابات المقبلة. فالأوضاع الداخلية للأحزاب لا تبعث على الارتياح، من نوعية أدائها، وطبيعة علاقتها بالمواطنين، كما أن تماسكها الداخلي ليس بالقوة التي تدفع بكامل أعضائها نحو الانخراط بإرادة في سيرورة الانتخابات القادمة.
يمكن التأكيد، بدون تردد، على أن منسوب شعبية جل الأحزاب السياسية، المحسوبة على الأغلبية والموجودة منها في المعارضة، لم تُحدث تغييرا جوهريا من شأنه تطوير قاعدتها الشعبية، وتنويع قوائم المنخرطين في صفوفها، بل ما حدث لبعضها تراجع قوتها الكمية والنوعية معا، بسبب ترهّل أدائها، وتفاقم الخلافات الداخلية، التي وصلت حدّ الانسحاب الجماعية أو الانشقاق، وانغلاقها على نفسها، وعجزها عن فتح الأبواب أمام مناضليها للترقي في سلم المسؤوليات ومراكز صنع القرار الحزبي.
الظرفية العامة الناجمة عن جائحة كورونا والآثار المترتبة عنها على الاقتصاد والأوضاع الاجتماعية لعموم المواطنين، قد تُعقّد فرص الاندماج من جديد في كسب رهانات الانتخابات المقبلة
ثم إن بعض الأحزاب المشاركة في قيادة العمل الحكومي خلال السنوات الأخيرة، إما انساقت مع تطبيق سياسات تمّ تقديرها بأنها غير اجتماعية، أو ابتعدت تدريجيا عن قواعدها الانتخابية واستسلمت لإغراءات السلطة وجاذبيتها، فوجدت نفسها ضعيفة، وغير قادرة على إعادة بناء ذاتها من جديد.
لا تبدو الصورة مشجعة على القول بإمكانية حصول جديد في الانتخابات المغربية المقبلة لعام 2021، لا سيما من زاوية تجديد جوهري للنخب البرلمانية والحكومية، وتجدد المسؤوليات على صعيد الهيئات المنتخبة الترابية. كما لا نميل إلى تحقق قطيعة مع الممارسات الماضية من قبل مجمل الفاعلين السياسيين، بسبب أن التغيير المعبر عنه بالقطائع يحتاج، من جهة، إلى إرادة تواقة إلى التغيير الحقيقي، وهو ما لا يمكن ملامسته في خطابات الأحزاب السياسية وممارساته، وإن اختلفت ألوانها واتجاهاتها، ثم يحتاج من زاوية ثانية، إلى مناخ وطني عام يحفز على التغيير نحو الأفضل ويحفز عليه، وهو ما يبدو غير واضح في الواقع المغربي بما فيه الكفاية. بيد أن ما يمكن أن يحصل، مع وعينا الكامل بصعوبة قراءة المستقبل بجزم ووثوقية، هو تحقق مشهد الاستمرارية مع تغييرات لا تمس جوهر العملية السياسية، وإنما تطال تفريعاتها وأطرافها. وهو ما يعني استمرار النخب الحالية مع ترميمات محدودة في المواقع والوجوه والأوزان داخل البرلمان والجهاز الحكومي.
خريطة التوازنات الحزبية قد لا تشهد تغييرات جوهرية، كما لن تعرف التحالفات والتقاطبات السياسية تغييرا جذريا، يمكن أن يدخل حزبا ويخرج آخر من دائرة التحالفات الموجودة. ومن الراجح جدا أن يبقى تصدر الانتخابات المقبلة لحزب "العدالة والتنمية"
نميل إلى الظن، في ضوء ما سبق بيانه، بأن خريطة التوازنات الحزبية قد لا تشهد تغييرات جوهرية، كما لن تعرف التحالفات والتقاطبات السياسية تغييرا جذريا، يمكن أن يدخل حزبا ويخرج آخر من دائرة التحالفات الموجودة. ومن الراجح جدا أن يبقى تصدر الانتخابات المقبلة لحزب "
العدالة والتنمية"، على الرغم من الانتقادات التي وُجهت إليه، وأبانت بشدة عدم حصول قبول لأدائه منذ قرابة عشر سنوات.
أما مصدر ترجيحنا لهذا التقدير، فمردّه إلى أن "الإسلاميين" حافظوا بشكل كبير على تماسكهم الداخلي، على الرغم من تعرضهم لهزات سياسية داخلية وفي علاقتهم بمحيطهم، وحافظوا أيضا على قواعدهم الانتخابية، على الرغم من كل عمليات النقد والتشهير والتبخيس التي طالتهم خلال السنوات الأخيرة. ويمكن التأكيد، من زاوية ثالثة، أن التقدير حاصل على أنهم أقدر من غيرهم على المحافظة على الاستمرارية، وهي استمرارية مطلوبة وضرورية للانخراط في المشاريع المهيكلة التي سيقدم عليها المغرب، والتي ورد بعضها في الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة للبرلمان.