قال موقع "ذي
أتلانتيك" إن هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لا تعني
بحال من الأحوال نهاية "الشعبوية" التي عززها ترامب بقوة في العالم
الغربي.
وأضاف الموقع في
مقال للصحفية ياسمين سرحان، وترجمته "عربي21"، إنه إذا كان عام 2016 هو عام
"الزلزال الشعبوي" الذي أظهر فيه دونالد ترامب أن أسلوب السياسة المتشدد
والمناهض للمؤسسة كان ممكنا في أمريكا، فقد قدم عام 2020 فرصة لتصحيح مناهض للشعبوية،
وهو تصحيح سيخرج فيه الناخبون بأعداد كبيرة ضد الترامبية ولصالح نظام حكم تعددي وأكثر
تسامحا في عهد جو بايدن.
وتضيف أن هذا التغيير
السياسي لم يحدث، وبدلا من ذلك، أثبت الأمريكيون مرة أخرى أن بلدهم بلد منقسم بشدة،
حيث تظل الشعبوية -رغم كل إخفاقاتها ووعودها الكاذبة- قوة جذابة ودائمة. حتى لو تمكن
بايدن من الوصول للبيت الأبيض، فإن الشعبوية الأمريكية ستظل حاضرة.
وتقول إنه من بعض
النواحي، فإن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 ليست مجرد استفتاء على "الترامبية"،
ولكنها اختبار لقابلية الشعبوية للحياة في جميع أنحاء العالم. ففي النهاية تجري هذه
المنافسة وسط أزمة عالمية للصحة العامة؛ كابوس للشعبوية عزز الدعم لقادة المؤسسة، وعزز
أهمية الخبرة، وطرح جانبا بقضايا مفضلة للشعبوية مثل الهجرة.
وعلى الرغم من
هذه التحديات، فقد كان ترامب قادرا إلى حد كبير على شن حملة مماثلة للحملة التي خاضها في
عام 2016: الانتقادات ضد "الدولة العميقة"، وتوبيخ الخبراء، والتهديد بتقويض
الأعراف الديمقراطية التي تعتبر مقدسة مثل الانتقال السلمي للسلطة.
تشير تنافسية السباق
إلى أن هذه الاستراتيجية لم تكن فاشلة تماما وتتحدى المنطق التقليدي القائل بأن الشعبوية
هي حالة عابرة ويمكن قلبها بسهولة، وأن عجز الشعبويين عن الحكم ينكشف بمجرد وصولهم
إلى السلطة. إذا كانت هذه الانتخابات تثبت شيئا ما فهي تثبت عكس ذلك: لا يزال بإمكان
الشعبويين أن يطرحوا أنفسهم على أنهم غرباء سياسيون يمثلون "الشعب الحقيقي"
ضد النخبة، حتى لو كانوا جزءا من تلك النخبة بلا منازع.
ولو كان بايدن
قد فاز بأغلبية ساحقة، كما توقعت بعض استطلاعات الرأي، فإن ذلك بالطبع لم يكن سيعني
نهاية الشعبوية في أمريكا أو في أي مكان آخر.
وقد سبقت ظاهرة الشعبوية الحديثة ترامب في عدد من البلدان، كثير منها يتربع فيها شعبويون على رأس الحكومة (المجر والبرازيل والفلبين) وفي أجزاء من المعارضة (ألمانيا وإيطاليا وفرنسا).
ومع ذلك، فإنه كان يُنظر إلى المنافسة الأمريكية على أنها شيء من الريادة، من شأنها أن تشير إلى ما إذا كان أكثر الشخصيات الشعبوية قوة وظهورا في العالم يمكن أن يحقق انتصارا كمرشح مناهض للمؤسسة على الرغم من قضائه السنوات الأربع الماضية في إعادة تشكيل المؤسسة بما يناسبه.
لا شك في أن فوز ترامب سيعزز زعماء العالم المتشابهين في التفكير والذين يرون أن نجاحه مبشر بنجاحهم، تماما كما حدث في عام 2016.
ونقلت الكاتبة
عن روث ووداك، وهي أستاذة لسانيات تدرس خطاب اليمين المتطرف في جامعة لانكستر وجامعة فيينا
ومؤلفة كتاب "سياسة الخوف: ما تعنيه الخطابات الشعبوية اليمينية": "سيحدث فرق
كبير إذا قامت أقوى دولة في العالم بهذا الأمر، وأضافت أنه في حال خسر ترامب بهامش
كبير، فسيُظهر هذا أن هذا النوع من الفساد وتقويض الديمقراطية الليبرالية لن يعمل لفترة
طويلة".
ومن خلال إعلان
النصر قبل الأوان وبلا أساس، لم يقوض الرئيس الإيمان بالعملية الديمقراطية فحسب، بل
زود مؤيديه وزملاءه الشعبويين في جميع أنحاء العالم بسردية يتمسكون بها: "أن الانتخابات
سُرقت منه".
وانطوت مطالبه بإنهاء مبكر وتعسفي لفرز بطاقات الاقتراع في بعض الولايات بشكل ضمني فكرة شعبوية بطبيعتها: فقط مؤيديّ "الأشخاص الحقيقيون" هم من يستحقون أن يُسمع صوتهم. وعلى الرغم من نبذ هذا الشعور لاحقا من قبل عدد من الجمهوريين البارزين، إلا أن الرسالة انتشرت، حتى خارج حدود الولايات المتحدة. كان رئيس الوزراء السلوفيني يانيز يانشا أول من هنأ الرئيس بشكل استباقي.
كما أعرب زعماء شعبويون وقوميون يمينيون
آخرون، بما في ذلك الإيطالي ماتيو سالفيني، والألماني تينو تشروبالا، ومارين لوبان
الفرنسية، عن دعمهم، رغم أنهم لم يصلوا إلى حد إعلان فوزه.
حتى الآن، فشلت
جهود ترامب. وعلى الرغم من التحديات التي يفرضها الوباء، فإنها تواصل الولايات عدّ أوراق
الاقتراع كالمعتاد. النظام يعمل.
مطروح إذن بالنسبة لبايدن والمناهضين للشعبويين الذين
دعموه هو: كيف تكون الهزيمة الحاسمة للشعبوية في أمريكا؟
إذا كان بإمكاننا
البناء على النتائج الأولية، فهذا لم يكن من خلال الحملة من أجل العودة إلى سياسة طبيعية
أكثر منطقية.
ومع أن بايدن كان قادرا على استعادة بعض الولايات التي خسرتها المنافسة
الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون أمام ترامب في عام 2016، وعلى الرغم من أن هزيمة
رئيس في منصبه يعد إنجازا نادرا بحد ذاته (آخر مرة حدث فيها هذا كان منذ ما يقرب من
ثلاثة عقود، عندما فشل جورج بوش في الفوز بإعادة انتخابه ضد بيل كلينتون في عام
1992)، إلا أن فوز بايدن قد لا يعتبر كبيرا بما يكفي لإدراجه في كتاب قواعد لعبة مناهضة
الشعبوية.
وقال بنجامين موفيت،
المحاضر البارز في الجامعة الأسترالية الكاثوليكية ومؤلف كتاب الشعبوية: "إن الاصطفاف
خلف مرشح (عاقل وغير أيديولوجي)، لا أعتقد أنه الصيغة الرابحة"، مشيرا إلى أنه
ربما يكون أفضل مثال يمكن اتباعه في مناهضة الشعبويين هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون،
الذي كان صعوده غير المتوقع في عام 2017 مدفوعًا إلى حد كبير بحقيقة أنه وصف نفسه بأنه
دخيل سياسي يعمل ضد الأحزاب الرئيسية التي فقدت الشعبية.
كان ماكرون الشخصية المناهضة
للمؤسسة في سباقه دون أن يحمّل نفسه عبء التفريق والشعبوية كمنافسته لوبان.
وتعلق بأن المناهضين
للشعبوية يحتاجون أيضا إلى الاستعداد للتكرار التالي المحتمل لترامب. مع وجود الحزب
الجمهوري الآن أيديولوجيا إلى جانب الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفا في أوروبا، فمن المنطقي
أن الحزب الجمهوري، حتى في حالة خسارة ترامب، سيستمر على خطاه. قال موفيت: "هناك
أشخاص انحازوا إلى جانبه سيحذون حذوه، وربما يقومون بعمل أفضل"، مشيرا إلى أن
ترامب قد يجد نفسه في مأزق من قبل زعيم متفق معه أيديولوجيا أقل فظاظة وأكثر تهذبا
منه.
كان هذا هو مصير غيرت وايلدرز، السياسي الهولندي اليميني المتطرف الذي فقد العام
الماضي نحو نصف مؤيديه لصالح شخصية شعبوية جديدة، تييري باوديت. وقال موفيت إن باوديت
وحزبه "منتدى الديمقراطية"، "تعلما كل حيل (وايلدرز) وقاموا بعمل أفضل
منها".
ويبدو أن بايدن
مدرك لهذا التحدي، حيث أكد في خطاب له أمس أن رئاسته ستمثل جميع الأمريكيين، بغض النظر
عن من صوتوا.
قال بايدن: "لسنا أعداء"، مضيفا أن "ما يجمعنا كأمريكيين
هو أقوى بكثير من أي شيء يمكن أن يمزقنا".
سيستغرق الأمر
أكثر من خطاب موحد للتأثير على أكثر من 68 مليون أمريكي ممن أدلوا بأصواتهم لصالح ترامب
هذا العام. بالنسبة لهم، كان الوعد الشعبوي مقنعا. وبعد أربع سنوات، يمكن أن يتأثروا
به مرة أخرى.
الجمهوريون منقسمون حول مزاعم ترامب عن "تزوير الانتخابات"
مسلمو أمريكا "كتلة حرجة" عاقبت ترامب.. مقابل ماذا؟
هل يمكن لترامب قلب نتيجة الانتخابات في المحكمة العليا؟