إثيوبيا.. تكشف كتفها وتُعري ظهرها!

وقد كشفت إثيوبيا كتفها وعرت ظهرها، فماذا هم فاعلون؟!

لم يملّ الجنرال المصري من أن يعلق كثيراً من فشله على شماعة ثورة يناير، فبعض هذا الفشل يرجعه للأشرار، وقد عرفنا من هم!

وفي أكثر من مرة ذكر أن بناء سد النهضة بدأ عندما كشفت مصر كتفها وعرت ظهرها، وهو يقصد بذلك ثورة يناير، التي لم تحكم، فقد سلم مبارك الحكم للمجلس العسكري، وفي سنة واحدة كانت هي الخط الفاصل بين حكم المجلس المذكور وحكمه هو، كان ملف سد النهضة بيد الجيش بناء على طلبه. ثم إن الرئيس محمد مرسي، كان له موقف واضح من ذلك، أغضب الإثيوبيين بحسب السيسي نفسه، والذي جعل من دوره أن "يطيب الخواطر"، لكنه وكلما فشلت مفاوضات السد، عاد ليذكرنا بأن السبب في بنائه راجع إلى الأيام التي كشفت فيها مصر كتفها وعرت ظهرها!

إثيوبيا تمر هذه الأيام بمنعطف خطير، وبحرب أهلية طاحنة، بين الحكومة برئاسة آبي أحمد، وبين إقليم تيغراي، وهو إقليم وإن كان يمثل 6 في المئة من عدد السكان الذين يبلغون مئة مليون نسمة، إلا أن التيغراي هم من كانوا يهيمنون على السلطة، قبل وصول آبي أحمد لرئاسة الحكومة، فعمد إلى إبعادهم من كل المناصب العليا، وسجن العديد منهم، وفرض الإقامة الجبرية على القيادات المختلفة، وقام بتقليص الأموال الفيدرالية المخصصة للإقليم، الأمر الذي اعتبره سكان الإقليم إعلان حرب!

العرق دساس:

ولأن آبي أحمد عسكري في الأصل، ولأن العرق دساس بطبيعة الحال، فلم يلق بالاً إلى أنه حصل على جائزة نوبل باعتباره رجل سلام، فأعلن الحرب على الإقليم، وساعدته إريتريا التي يقع تيغراي على حدودها. وهو المتهم بالاستعانة بالجيش الإريتري لقتل الإثيوبيين من أبناء الإقليم، لكن قوات التيغراي استطاعت أن تخوض الحرب على الجبهتين في وقت واحد، فأطلقت نيران المدفعية والصواريخ على إريتريا، في الوقت الذي دخلت فيه في مواجهة قوات الجيش الإثيوبي، الذي طالبته بعصيان الأوامر والعمل على إسقاط آبي أحمد وحكومته!

وقد استهدفت قوات إقليم تيغراي مطارين للجيش في ولاية أمهرة، كما استهدفت مطار أسمرة بالصواريخ!

وفي المقابل، فإن حكومة آبي أحمد تعتبرها حرباً حقيقية وتعمل على إبادة الإقليم ومحوه من الوجود أو أن يسلم له تسليما تاماً، لا يكترث بشيء، ولا تشغله الإدانات الدولية أو المطالب التي رفعت بسحب جائزة نوبل منه!

والحال كذلك، فإن إثيوبيا تواجه حرباً أهلية كبرى، لا يمكن مقارنتها بما جرى في مصر مع ثورة يناير، التي كانت سلمية ولم ترفع السلاح في مواجهة السلطة، وكانت تسيطر فقط على عدد من الميادين في بعض المحافظات الكبرى، وفي وجود قوات الجيش، ولا نقول حصارها، والتي كانت تتعسف أحياناً، فتتحكم في عملية الدخول للميدان، كما حدث في اليوم التالي لموقعة الجمل، دون رفض من ثوار رفعوا شعار الجيش الذي حمى الثورة!

وإذ سقطت الشرطة بعد أن نفذت ذخيرتها في يوم جمعة الغضب، ودون تسجيل حالة قتل واحدة أو إصابة في صفوف رجالها، فإن قوات الجيش كانت في كامل لياقتها، وبعد (18) يوماً تنحى مبارك وسلم السلطة للمجلس العسكري بينما ذهب الثوار لتلميع الأرصفة ودهنها وتنظيف الشوارع وجمع القمامة. وإذا كانت ثمة مظاهرات جرت بعد ذلك، فقد كان الجميع يعلم أن وراءها الطرف الثالث، الذي كان يخيف الناس بالفوضى حتى يكون التسليم للمجلس العسكري بالحكم الأبدي. وإذ خرج الثوار بعد ذلك للميادين وليس لعموم الشوارع، فقد كان بسبب إساءة المجلس العسكري استعمال السلطة عامداً متعمداً، وبدا واضحاً أنه يريد الاستمرار فيها رغم وعد اليوم الأول بأن المرحلة الانتقالية لن تزيد عن ستة أشهر!

إثيوبيا تتعرى:

وفي جميع الأحوال، فإنه لم تحدث مواجهة من جانب الثوار، ضد السلطة القائمة في عهد مبارك أو في حكم خليفته المشير محمد حسين طنطاوي، ولم تمر البلاد بفراغ في الحكم لدقيقة واحدة!

وإذا كان هذا الأداء السلمي للثورة المصرية، ويقال إن مصر كشفت كتفها وعرت ظهرها، فبماذا يمكن وصف إثيوبيا وما يحدث فيها من معارك حربية يستهدف الجيش فيها إقليماً بكامله في معركة التطهير العرقي، ويحاصر الإقليم من دولة جارة هي إريتريا، ويرد الإقليم على العدوان بالصواريخ التي تستهدف المطارات، وتستهدف الجيش، وتستهدف الدولة الجارة؟!

بالمقارنة، تكون إثيوبيا قد تخلصت من ملابسها تماماً، وإذا كان بناء السد تم انتهازاً لفرصة كشف مصر لكتفها وتعريتها لظهرها، فلماذا لا تُستغل الفرصة والجيش الإثيوبي مشغول بحربه الداخلية، وإزالة آثار العدوان المتمثل في سد النهضة، وقد بني استغلالاً للحظة التي كشفت فيها مصر كتفها وعرت ظهرها، لتكون دقة بدقة، والبادي أظلم، لا سيما وأن الرئيس الأمريكي نفسه قال بحق مصر في نسف السد، لكن آبي أحمد بدا كما لو كان يناطح القوة العظمى وغير مبال بهذا التهديد؟!

وفي الحقيقة، فإن رئيس الحكومة الإثيوبية لم يكن هنا رأسه برأس ترامب، لكنه يعلم حدود جهد الجنرال المصري، ولذا فلم يتوقف عن ابتزازه بتهديدات سابقة، وبتحركات عسكرية، وتصريحات لا يجوز الصمت عليها. ولم يكد يبلع ريقه بعد رده على ترامب، إلا وجاء الرد المصري متهافتاً، ملخصا المراد بعبارة "لا خيار سوى المفاوضات"، لتعقد جولة جديدة منها حتى لو فشلت مثل عشرات الجولات السابقة!

لقد بدأ بناء سد النهضة، ومن يقود مصر هو الجنرال، والذي منح إثيوبيا موافقة القاهرة بتوقيعه على اتفاقية المبادئ بدون قيد أو شرط، وهي الموافقة التي بمقتضاها حصلت إثيوبيا على التمويل الدولي والإقليمي للقيام بعملية البناء، فمال ثورة يناير وهذا التفريط المتعمد؟!

لا بأس، فهل كان التفريط قدراً وعلى أساس أن مصر كانت في الوضع كاشفة لكتفها ومعرية لظهرها؟.. حسناً، ها هي إثيوبيا وقد خلعت ملابسها تماما.

فإلى الأمام يا روميل!

twitter.com/selimazouz1