مع تصاعد وتيرة التطبيع بين الاحتلال الإسرائيلي وكل من الإمارات والبحرين، جاء قرار السلطة الفلسطينية بعودة سفيريها إلى أبو ظبي والمنامة ليفتح التساؤل حول جدوى نهج السلطة ودوافعها خلف هذا التراجع، وسر التوقيت الذي تزامن مع إعلانها عودة العلاقات والتنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال.
وفي اليوم الذي عقدت فيه قمة ثلاثية
في أبوظبي جمعت الأردن والإمارات والبحرين، كشفت السلطة الأربعاء الماضي عن قرار يقضي
بعودة سفيريها إلى الإمارات والبحرين، وذلك بعد أقل من يوم على إعلان السلطة عودة
العلاقات والتنسيق الأمني "كما كان" مع الاحتلال.
وعقب إعلان الإمارات في 13 آب/ أغسطس
2020، والبحرين في 11 أيلول/ سبتمبر 2020، عن تطبيع علاقاتهما مع الاحتلال الإسرائيلي،
تتويجا لعلاقات سرية وثيقة امتدت على مدى الأعوام السابقة، فقد قررت السلطة استدعاء
سفيريها في أبوظبي والمنامة.
وعن قرار السلطة إعادة السفيرين
عصام مصالحة إلى أبوظبي وخالد عارف إلى المنامة، قال مسؤول فلسطيني في حركة
"فتح" فضل عدم ذكر اسمه، إنه "في الأصل تم استدعاؤهما للتشاور،
وهذا تقليد دبلوماسي، ونحن لم نتحدث عن قطع العلاقات".
وأضاف في تصريح مقتضب
لـ"عربي21": "نحن لا نستطيع أن نتحمل أن تقوم تلك الدول (الإمارات
والبحرين) بطرد أبناء شعبنا، ونحن عبرنا عن موقفنا الذي سنبقى متمسكين به"،
بحسب قوله.
اقرأ أيضا: هآرتس: تطوران من السلطة الفلسطينية أحدهما بادرة لـ"بايدن"
وعن الأسباب التي تقف خلف إعادة
السلطة لسفرائها إلى الإمارات والبحرين وسر توقيت ذلك، أوضح الدبلوماسي الفلسطيني
السابق وأستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، علاء أبو عامر، أنه في
"القانون الدبلوماسي؛ استدعاء السفراء لا يعني قطع العلاقات، وإنما خطوة
احتجاجية على ما قامت بها دولة الاستقبال".
ونوه في حديثه لـ"عربي21"،
إلى أن "استدعاء السفراء كخطوة احتجاجية علنية، من الممكن أن يؤدي إلى تدهور
العلاقات أكثر، على أمل أن يوقف آخرين عن التطبيع مع الاحتلال، ولكن اتضح مما جرى
خاصة في اجتماعات جامعة الدول العربية وما صدر عن السعودية ومصر تحديدا، أن
القيادة الفلسطينية محاصرة، وكان هناك شيء من التضامن العربي (الرسمي) مع الإمارات
والبحرين، وأن ما جرى هو شأن داخلي يخصهما".
انتكاسات وخيبات
وفي ظل هذا الواقع، "وجدت
القيادة الفلسطينية نفسها في عزلة، وإسرائيل حققت ما تريد، والسلطة بدأت تخسر
حاضنتها العربية الرسمية"، بحسب أبو عامر الذي أكد أن "خطوة السلطة لم
تأت بنتيجة، فكان من الطبيعي إعادة السفراء إلى مكانهم، لأن زيادة الشرخ بين
السلطة وشعبنا الفلسطيني وبين الدول العربية، سيتسبب بخسارتنا مقابل تحقيق إسرائيل
للعديد من المكاسب".
وعن تزامن قرار السلطة إرجاع
السفراء مع قرارها عودة العلاقات مع الاحتلال، ذكر الدبلوماسي أن ذلك "مرتبط
بالمقاصة وأموال الضرائب لدى إسرائيل، فالسلطة كانت تقترض من البنوك والمؤسسات
المالية الفلسطينية لتتمكن من تغطية جزء من رواتب الموظفين".
وتابع: "هنا؛ إما أن تحل أو تنهار
السلطة بالكامل خلال الأشهر القادمة، أو أن تتراجع لمكانها الطبيعي التي أنشئت
على أساسه؛ وهو التنسيق الأمني وغيره، إلى حين تغيُّر الواقع العربي
الحالي"، مضيفا أن "هذه القراءة إذا أخذنا الأمور بمظهرها الخارجي، ولكن
نحن لا ندري إن كانت هناك دوافع أخرى مجهولة".
اقرأ أيضا: أمن السلطة يعتقل ناشطا فلسطينيا انتقد عودة التنسيق الأمني
ولفت إلى أن قيادة السلطة خلصت إلى
أنها لن تستطيع الضغط على الدول العربية لمنع التطبيع، وعليه فقد أخذت خطوة إلى الخلف،
من أجل الحفاظ على ما تبقى من علاقات مع الدول العربية، منوها إلى أن
"الجامعة العربية تبنت قرار التطبيع بشكل أو بآخر، ورفض القرار الفلسطيني،
وهذا كان بمثابة انتكاسة كبيرة للدبلوماسية الفلسطينية في الجامعة العربية".
وقال: "بعد الإمارات والبحرين
جاءت السودان، وبعدها المغرب وغيرها، وهنا هل سنقطع العلاقات مع باقي الدول
العربية؟ فهذه لم تكن خطوة حكيمة، ومقابل هذه الانتكاسات والخيبات، أعادت
الدبلوماسية الفلسطينية النظر في الموضوع، ومع قدوم إدارة أمريكية جديدة برئاسة
الديمقراطي جو بايدن، ربما تتغير المعادلات".
انفعال لحظي
من جانبه، أوضح أستاذ العلوم
السياسية هاني البسوس، أن "السلطة بقيادة أبي مازن وجدت نفسها في زاوية صعبة،
ولا تستطيع القيام بأي خطوات فعلية على أرض الواقع لتغيير الواقع السياسي الإقليمي
وعلاقته بالقضية الفلسطينية".
وأضاف في حديثه
لـ"عربي21": "سحب السفراء من الإمارات والبحرين، كان خطوة تكتيكية
وليس استراتيجية، بمثابة ردة فعل مؤقتة، وكان من الواضح أنها كانت تنوي إرجاعهم"،
لافتا إلى أن "قيادة السلطة كانت تكبت أي صوت فلسطيني ينتقد البحرين
والإمارات خلال الأسابيع الماضية".
وأشار البسوس إلى أن "السلطة هي التي شرعنت التطبيع والتنسيق الأمني مع الاحتلال من فترة زمنية طويلة، وهي التي مهدت
لما حدث في المنطقة، وعليه فإن من يتحمل مسؤولية ما جرى هو عباس وقيادة السلطة، وهو لا
يستطيع أن يلوم الدول عربية على قيامها للتطبيع مع الاحتلال".
ونبه إلى أن هناك "محاولة من قيادة
السلطة لإيهام المجتمع الفلسطيني بأن السلطة تمتلك الجرأة على انتقاد بعض الدول
ومنها الولايات المتحدة، وكل هذا كلام لا يسمن ولا يغني من جوع"، مؤكدا أن
"قيادة السلطة الحالية لا تستطيع القيام بمواجهة دول التطبيع وأمريكا؛ لأنها
تقوم على التطبيع منذ تأسيسها".
اقرأ أيضا: لماذا تتشدد السلطة بمصالحة حماس وتتساهل مع الاحتلال؟
وعن سر التوقيت، ذكر أستاذ العلوم
السياسية، أنه "من الواضح بعد الانتخابات الأمريكية أن توجه المرشح المنتخب
بايدن، نحو المفاوضات لإيجاد حل للواقع الفلسطيني؛ ليس على أساس حدود 1967 ولا على
أساس دولة فلسطينية كاملة السيادة، وعلى الأقل فقد تكون هناك عودة للمفاوضات (بين
السلطة والاحتلال) التي يتلهف لها رئيس السلطة وباقي قياداتها".
ورأى أن هذا دفع عباس إلى قبول العودة
للتنسيق مع الاحتلال والحصول على أموال المقاصة من الجانب الإسرائيلي، "وهو
لم يبق له أي ذريعة أو مسوغ للحديث عن أنه ضد تطبيع الإمارات أو البحرين أو تجريم
فعل، هو يقوم بأبعد منه".
وفي ظل هذا الواقع، أكد البسوس أن
"قيادة السلطة لا تستطيع أن تلوم دول التطبيع، وهو ما دفع عباس لإعادة سفراء
السلطة إلى هذه الدول"، مضيفا أن "ما جرى من قبل السلطة انفعال لحظي والآن
تعود الأمور والعلاقات لما كانت عليه وربما أفضل"، بحسب تقديره.
لماذا تتشدد السلطة بمصالحة حماس وتتساهل مع الاحتلال؟
قمة أردنية بحرينية إماراتية.. ما سر التوقيت؟
ما أسباب عودة السلطة إلى التنسيق الأمني مع الاحتلال؟