دخل الإسلام إلى التشاد في القرن السابع بقيادة
عقبة بن نافع، وتحديدا عام 666 بحسب ما ذكر الشاطر البصيلي، ثم أخذ الإسلام في
الانتشار حتى دخل ملوك "مملكة كانم" في الإسلام خلال القرن الحادي عشر،
وصار الإسلام دين الدولة الكانمية الرسمي شرق التشاد، ودين مملكة برنو غرب التشاد، ومملكة باقرمي جنوب شرق البلاد، ومملكة ودَّاي في أقصى شرق البلاد عند
دارفور السودانية.
شهدت البلاد خلال القرن الرابع عشر قدوم العرب
من الشرق في أعداد كبيرة، لكن الإسلام ظل محصورا بين العرب والتبو من جبال تيبستي.
وكانت اللغة العربية هي لغة الحياة السائدة في
التشاد، من دواوين ووثائق ورسائل رسمية، فضلا عن كونها كانت لغة العلم آنذاك.
ظل الإسلام طوال هذه القرون في استقرار إلى أن
جاء الاستعمار الفرنسي نهاية القرن التاسع عشر.
حتى بدايات القرن العشرين انقسمت التشاد بين
شمال مسلم يتحدث العربية، وبين جنوب وثني مفكك قبليا، شكل بيئة مناسبة لفرنسا
لاختراق البلاد واستعمارها بعد استعمار أفريقيا الوسطى والجابون والكونغو.
شعرت فرنسا على الفور بخطورة الإسلام المنتشر
في منطقة تشاد، لا سيما بعد تحركات السوداني رابح بن فضل الله الزبير في المنطقة،
وانتصاره على مملكة باقرمي ومملكة كانم ـ برنو، وبدئه التحكيم بالشريعة الإسلامية.
دخلت فرنسا التشاد من الجنوب الوثني، وأجبرتهم
على دخول المسيحية بالقوة تارة وبالترغيب تارة أخرى، ومن رفض الديانة الجديدة أبعد
إلى الكونغو للعمل في بناء السكك الحديدية.
أما في الشمال فكان الأمر صعبا، حيث شكل
الإسلام وحدة جامعة للشعب في مواجهة المستعمر، وكان للدعاة دور رئيس في رفع الهمم
عبر الفتاوى الدينية.
رابح الزبير
بوجود دولة رابح الزبير أدركت فرنسا أنها لن
تستطيع الهيمنة على كامل التشاد، فاتخذت قرارا بالقضاء على هذه الدولة، وما كان من
إميل جنتل رئيس البعثة الفرنسية لأفريقيا الوسطى إلا أن أرسل عام 1897 ثلاث فرق
عسكرية بقيادة الكابتن بيرتونيه.
استمرت المعارك بين الجانبين دون جدوى، إلى أن
قررت فرنسا إرسال قوات أخرى قادمة من أفريقيا الوسطى والجزائر نحو بحيرة التشاد
بقيادة الضابط لامي الذي قاد الجيوش في معركة "لخته" التي انتهت بمقتله
واستشهاد رابح في نيسان/ أبريل 1900.
كانت تكلفة المعركة بالنسبة لفرنسا باهظة
الثمن، حيث خسر جيشها أعدادا كبيرة في الأرواح.
لم تنته مقاومة المسلمين بعد استشهاد رابح، فقد
حمل ابنه فضل الله راية القيادة، واستمر في توجيه ضربات للفرنسيين حتى استشهاده
عام 1909، ليواصل جنوده من بعده النضال ضد الفرنسيين حتى عام 1911، تاريخ سقوط
جميع الأراضي التشادية بأيدي فرنسا.
ولمنع أية مقاومة إسلامية مستقبلية، بدأ
الاستعمار الفرنسي القضاء على الإسلام، من لغة وثقافة وآثار ومعابد.
الواقعة الكبرى
في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1917 قام
القادة الفرنسيون بدعوة العلماء الإسلاميين في ربوع تشاد كافة للقائهم، لمناقشة
الوصول إلى حل وسط بخصوص إدارة البلاد.
وفي رواية أخرى، اجتمع في ساحة مسجد مدينة
أَبشة بإقليم واداي ما يقرب من 400 عالم دين والعديد من الزعماء المحليين
المسلمين.
كان هدف الاجتماع الاحتفال بتتويج العقيد
المسلم دكوم الذي رضيت به فرنسا سلطانا على المسلمين في التشاد.
فجأة وأثناء وجودهم في ساحة المسجد تعرضوا
لهجوم مباغت بالأسلحة النارية والسواطير، فقتلوا كل مسلم موجود بمن فيهم العقيد
دكوم، ثم وضعت الجثث في حفرة كبيرة بمنطقة أم كامل.
قامت السلطات الفرنسية تحقيقا في المجزرة، وكان
نتاج التحقيق عزل القائد جيرار من منصبه وطرده من الجيش عام 1922 باعتباره المسؤول
المباشر عن هذه المجزرة.
ما بعد المجزرة
على إثر مجزرة كبكب، استولى الفرنسيون على
تشاد، ولم تعد القوات الفرنسية تلقى مقاومة عسكرية أو ثقافية في تشاد إلا فيما
ندر.
وفي محاولة لإنهاء أي تمرد إسلامي، عمدت فرنسا
إلى إلغاء القوانين الإسلامية ومنع استخدام اللغة العربية وتدمير الآثار الإسلامية
التي خلفتها الإمارات والسلطنات والممالك الإسلامية في المنطقة، وفرض التعليم
الفرنسي بالقوة، وإجبار المسلمين على إرسال أولادهم إلى المدارس المسيحية.
ورغم حالة الهدوء التي سادت شمال التشاد،
استمرت فرنسا في ملاحقة حفظة ومعلمي القرآن وعلماء الدين، الأمر الذي دفع العديد
منهم إلى مغادرة.
بعد أن ساد الهدوء في الشمال، ركزت فرنسا
اهتمامها على جنوب التشاد الذي أصبح مسيحيا في أغلبه، في وقت واصلت محاولاتها في
محو مقومات الشخصية الإسلامية التشادية وإذابتها في المجتمع الأوروبي المستوطن.
في عشرينيات القرن العشرين، وصلت أول بعثة
تنصيرية تابعة للكنيسة البروتستانتية إلى المنطقة الجنوبية، لتلحق بها بعثات
تبشيرية كاثوليكية بعد سنوات.
كانت بداية نشاط الكنيستين في المناطق الجنوبية
كونها مناطق وثنية خالية من الإسلام وتأثيراته.