أعلنت الكويت رسميا التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة الخليجية، التي امتدت أكثر
من ثلاث سنوات، وتخللها حرب إعلامية شرسة بين السعودية والإمارات والبحرين، إضافة
إلى مصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، وذلك بعد محاصرة الدول الأربع للدوحة برّا وجوّا.
الأزمة التي بدأت في حزيران/ يونيو 2017 باختراق وكالة الأنباء القطرية،
وبث اتهامات ضد دول الحصار، حددت خلالها هذه الدول 13 شرطا، قالت إن على الدوحة
تنفيذها في غضون 10 أيام، مع تلويح غير رسمي باحتمالية التدخل العسكري.
قطر بدورها، رفضت تلك الشروط، واعتبرتها تدخلا في شؤونها السيادية، وعززت
علاقتها مع تركيا وإيران، لتقوم دول الحصار باختزال الشروط إلى 6، وبرغم ذلك لم تقبلها
الدوحة.
اتفاق ضبابي
الإعلان الأخير قبل يومين الذي كشفت عنه وزارة الخارجية الكويتية، لم يكن
واضحا، ولم يتضمن أي بنود للمصالحة، وهو ما اعتبره مراقبون أمرا مقلقا ربما يؤدي
إلى فشل الاتفاق.
وبرغم قول أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، إن السعودية هي ممثلة للإمارات والبحرين في هذه المباحثات، إلا أن خبراء أوضحوا أن أبو ظبي لن تكون مشمولة بالمصالحة.
وذكر خبراء أن الإعلان الكويتي تحدث عن "جهود مثمرة"، وشكر
التجاوب السعودي القطري، ولكنه ما لم يتضمن خطة عمل، وبنود محددة، لا يمكن تسمية
ما تم بـ"المصالحة".
الكاتب والأكاديمي السعودي خالد الدخيل، قال إن البيان الكويتي والتعليق
السعودي والقطري عليه "لا يحمل أي مؤشر على المصالحة".
وتابع في تغريدة عبر "تويتر": "لن تتم هذه المصالحة والسياسة التي وضعها الأمير الوالد وحمد بن جاسم لا
تزال معتمدة في قطر. تعتمد الدوحة على ثروتها من الغاز لتمويل حمايتها الأمريكية
والتركية. والدول الأخرى ليست في عجلة من أمرها. الأزمة باقية".
في حين، نقل الكاتب محمد آل
الشيخ عن مصادر لم يسمها قولها إن الاتفاق لم يتم بلورته بعد.
أستاذ العلوم السياسية
القطري، علي الهيل، قال إن الرؤية لا تزال ضبابية بالفعل، ولكن ما يمكن فهمه أن
إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "المحتضرة"، ومن خلال زيارة صهره ومستشاره
جاريد كوشنر إلى السعودية وقطر، أدركت أن الدوحة وأنقرة نجحتا بعزل أبو ظبي عن
الرياض.
اقرأ أيضا: أمير الكويت: السعودية تمثل جميع الدول المقاطعة لقطر
اعتذار وتعويضات؟
قال الهيل في حديث لـ"عربي21"،
إن شريحة كبيرة من القطريين يرون أنه يجب على السعودية تقديم اعتذارها لهم،
وتعويضهم عن الخسائر التي تكبدتها الدوحة جراء فرض حصار بري وجوي عليها.
وتابع أنه وبحكم اطلاعه
الواسع على مواقف القطريين، فإن الكثير منهم بما فيهم أفراد من أسرة آل ثاني
الحاكمة، يرون أنه يجب على السعودية تقديم الاعتذار، بيد أنهم لن يعترضوا في حال
سارت المصالحة دون ذلك.
وذكر الهيل أن السياسة
تقوم على المقاربات والتوازن، إذ إن قطر تحتاج للمنفذ البري مع السعودية، كونه
الوحيد لها، في إشارة إلى احتمالية موافقة الدوحة على المصالحة دون اعتذار.
ولفت إلى أن الحد الأدنى
من المطالبات القطرية، سيكون توفير ضمانات بعدم تكرار ما جرى من حصار بري وجوي غير
مبرر، مشيرا إلى أن دول الحصار كانت تنوي غزو بلده عسكريا قبيل توقيع الدوحة
اتفاقية تعاون عسكري مع تركيا، تقضي بإنشاء قاعدة للأخيرة في البلاد.
وعن الإمارات قال الهيل
إنه لا يتوقع حدوث مصالحة معها، إذ أن الخلاف مع الأخيرة وصل إلى حد "الطعن
بالأعراض" من قبل إماراتيين محسوبين على الحكومة.
الأكاديمي الأردني حسن
البراري، توقع أن يحدث الاتفاق الخليجي على قاعدة واحدة وهي "احترام السيادة
الداخلية".
وأضاف: " سيتصالح
الاشقاء الخليجيين على قاعدة احترام السيادة وحق كل دولة في أن يكون لها سياسة
خارجية مستقلة".
وتابع بأن "الأزمة
الخليجية كشفت عن حقيقة أن الخلافات يمكن حلها فقط من خلال الحوار".
اقرأ أيضا: أين تقع مصر في مشهد المصالحة الخليجية المرتقبة؟
مأزق مع واشنطن
رأى مراقبون أن خسارة
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقدوم الديمقراطي جو بايدن، أربك القيادة السعودية،
ودفعها إلى قبول التصالح مع قطر بعد تعنّت لسنوات.
الدكتور علي الهيل قال إن ولي
عهد السعودية محمد بن سلمان تلقى إشارة من ترامب عن طريق كوشنر، يدعوه فيها إلى
التحرك بسرعة نحو المصالحة، لتسجيل نقطة إيجابية في ملف الإدارة التي تنتهي
ولايتها بعد نحو شهر.
وأضاف أن الرسالة مفادها
هو أن إدارة ترامب وقفت مع ابن سلمان في ملف جريمة اغتيال جمال خاشقجي، وفي ملف
سعد الجبري، وتغاضت عن انتهاكات الرياض في اليمن، لا سيما حادثة قصف حافلة أطفال المدرسة
الشهيرة، إضافة إلى الملف الحقوقي والاعتقالات التعسفية، وهي ملفات كانت ستؤرق ولي
عهد السعودية في حال وصول إدارة بايدن في ظل خصومة مع قطر وتركيا.
الأكاديمي والمعارض السعودي
سعد الفقيه، لم يستبعد أن يكون محمد بن سلمان هو من طلب من واشنطن الضغط على
الدوحة من أجل إتمام المصالحة قبل وصول بايدن.
وقال الفقيه في تصريحات لـ"عربي21"، إن الحصار جاء متوافقا مع هوى ترامب السياسي، وليس مع مصلحة الولايات
المتحدة التاريخية التي من مصلحتها دوما بقاء الخليج متصالحا.
وأوضح الفقيه أن قطر ليست معنية بتقديم تنازلات، مستغلة المأزق الذي وقع به ابن سلمان مع قرب تسلّم إدارة بايدن الشهر المقبل.
ولفت الفقيه إلى أن قطر لم تتخلّ عن استضافة الإخوان، ولم تغلق القاعدة التركية، ولم تغلق قناة "الجزيرة"، وهو ما يعتبر فشلا سعوديا في تحقيق الشروط التي قاطعت وحاصرت الدوحة من أجلها.
الإمارات بعيدة
تجاهلت الإمارات رسميا
الحديث عن أي اتفاق، ولم ترد على بيان أمير الكويت ووزير خارجيته بخلاف السعودية
وقطر، في تأكيد على ما انفردت به صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية
الأسبوع الماضي، بأن أبو ظبي غير مشمولة بالمصالحة.
ولفت مراقبون إلى أن
ابتعاد الإمارات عن هذا الاتفاق قد يشير إلى تباين في المواقف مع السعودية، بدأ من
اليمن بدعم أبو ظبي للمجلس الانتقالي الانفصالي، وهي سياسة مضادة للرياض بشكل واضح.
الأكاديمي الإماراتي عبد
الخالق عبد الله، المقرب من حكومة بلاده، أبدى موقفا معارضا بشدة للوساطة الكويتية
الأخيرة.
وقال إن ما حدث خلال 48 ساعة لا يعدو كونه "تهدئة باردة وهشة، وليس مصالحة خليجية، وخطوة استباقية لتنفيس
الاحتقان الخليجي لمرحلة ما بعد ترامب".
متابعا: "صدرت تعليمات مشددة لقناة الجزيرة لضبط خطها التحريري"، إضافة إلى اعتراف
من الجميع أن لا أحد ينتصر في المقاطعة، والكل منتصر في المصالحة، مهما كابر وادعى
البعض عكس ذلك".
في حين قال المعارض الإماراتي حمد الشامسي،
إن أبو ظبي كما يبدو ليست طرفا في هذه المصالحة، لأسباب مختلفة منها التباين
الأخير مع السعودية داخل منظمة أوبك.
ولفت الشامسي إلى أن الإعلام في الإمارات هو
المتحدث غير الرسمي للدولة، وبالتالي عدم تطرقه للمصالحة يعني أن الموقف الرسمي
غير معني بها.
وتابع الشامسي في حديث لـ"عربي21"، بأن قطر قدّمت تنازلات للسعودية، ولكنها ليست معنية بتقديم مثلها للإمارات،
وبالتالي لا تريد أبو ظبي أن تكون طرفا في مصالحة تظهر فيها أنها الخاسرة.
وتوقع الشامسي أن تلحق البحرين بالسعودية
لاحقا في حال إتمام صلح مع قطر، مشددا على أن "استمرار الخلاف الخليجي ليس في
مصلحة أحد، والمستفيد الحقيقي من ذلك هي الدول التي لها مشاريع في المنطقة
كالمشروع الصهيوني والمشروع الإيراني".
اقرأ أيضا: كيف تعاطت الصحف الخليجية مع إعلان نهاية الأزمة؟
احتفاء واسع بمواقع "التواصل" بالمصالحة الخليجية المرتقبة
الاتفاق الخليجي المحتمل.. مصالحة كاملة أم هدنة مؤقتة؟
خاص: هكذا أجهضت الإمارات محاولة إقالة رئيس برلمان العراق