أعجبني كلام
السيسي في فرنسا عن
حقوق الإنسان، وأعجبتني نبرته الحازمة وطريقته الواثقة في الدفاع عن بلاده وأمن شعبه، خاصة وأن المنطقة تعاني من مخاطر كثيرة في مرحلة "شديدة الاضطراب"، وزاد إعجابي عندما اعترض بقوة على محاولة توصيف نظامه بأنه عنيف أو مستبد، فهذا "لا يليق بالدولة
المصرية وعراقتها وسيادتها".
وكنت قبل ساعات من إعجابي بكلام وأداء السيسي قد أبديت إعجابي بحديث
رئيس نادي الزمالك "المعزول" عن الدستور والقوانين، وتحذيره من غضبة الجماهير "التي بالملايين"، وتذكيره بأن الرئيس الذي يأتي بقوة الناخبين لا تملك أي قوة أخرى حق عزله!
قلت في سري: ذنبك يا دكتور مرسي.. لقد صار غلمان السلطان يرددون الآن كلامك عن الشرعية والجمعية العمومية.
تأملت الكلام وأصحابه، وقلت لنفسي: هذا كلام جميل، فلماذا أعترض عليه؟
السيسي تحدث بكلام "زي الفل"،
ومرتضى منصور قال ما قاله قبله "رئيس معزول آخر"، جاء بالانتخابات وخرج بقرارات يصفها منصور بأنها ليست إلا "مؤامرة"!
كيف يمكن أن نفهم هذه اللخبطة؟
كيف يمكن أن نتفق مع منصور والسيسي وغيرهما على مقياس واحد نقيس به الأمور، حتى لو كان من كلامهما؟
سأحاول أن أفعل ذلك، سأحاول أن أقف في صف هؤلاء الحكماء.. الشرفاء أوووي.. الأمناء أوووي.. المخلصين أوووي أووووي.
سأقف مع السيسي في معركته الكبيرة ضد الإرهاب، وأوافق على مصادرة أموال الدكتور حسن نافعة والدكتور ممدوح حمزة بنفس الدرجة التي أؤيده فيها بامتصاص أموال السويركي وصفوان ثابت، لتجفيف منابع الزبادي التي تغذي الإرهاب و"الكلسونات" التي تدفئ العناصر الإرهابية وتساعد على توسيع البيئة الحاضنة للإرهاب.
ليس ذلك فقط، بل أعلن استعدادي للتطوع بالقتال في معركة محاربة الإرهاب، بشرط أن يوسع السيسي معركته مع كل الإرهابيين ومع كل التنظيمات والدول التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها وتعمل من أجل زيادة الاضطراب، مثلاً يجب أن نتخذ موقفا يا سيادة الرئيس الحقوقي من الجرائم اليومية التي تحدث في اليمن، ويجب ملاحقة مجرمي الحرب هناك، لا فرق بين القاعدة والحوثيين ولا مجاملة لإماراتي ولا سعودي، تجب محاسبة كل من شارك في قتل المدنين وتخريب المدن والقرى وحياة الناس، سواء بالقصف أو التمويل أو الدعم الإعلامي والتبرير السياسي..
لا شك فخامتك أن مفهوم حقوق الإنسان وضمان أمن وسلامة الشعوب في "المراحل شديدة الاضطراب وغيرها من المراحل عادية الاضطراب"؛ تستلزم إدانة جرائم الاغنيالات السياسية، وظواهر الإرهاب الدولي الذي يكشف همجية "القوة الغاشمة" وتمرير الجرائم بالعنف الدولي المسكوت عنه على حساب الأخلاق السياسية وضرورات أمان الشعوب (وهو المفهوم الذي كان ينقط عسلا من تصريحاتك المحبوكة جيدا والملقاة بجسارة وثقة.. قال 55 الف جمعية قال؟!).
وهنا يأتي الحديث عن تأخر بقية المواقف الجذرية من فخامتكم، مثلا ماذا كانت تصريحاتكم بخصوص اغتيال قاسم سليماني، (وللا بلاش سليماني علشان الأمن الوطني عندكم يقدر يطلعه إخوان)، خلينا في اغتيال فخري زاده، الراجل عالم فيزياء تم قتله في جريمة علنية في الشارع تستأهل أكثر من مجرد كلمات باردة. وأعتقد بعد أن سمعت تصريحاتك الجسورة التي نهرت فيها
الصحفي الفرنسي الذي تجرأ وسأل عن
حقوق الإنسان في مصر، أنك لا تسكت عن جرائم الاغتيالات لأنها تهديد خطير لسيادة الدول والسلم العالمي، لذلك أعتقد أنك لن تترك مثل هذه الجريمة تمر كما تمر جرائم قتل الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، وكما يمر قصف غزة باعتباره هواية صيد صهيونية مشروعة، وكما يمر تجويع شعب أعزل في بلاد كانت تسمى فلسطين وتريدون أن تعلموننا اسما آخر لها، وكما يمر سلوك رعاية أمراء الحرب في ليبيا، و..
لا داعي، المؤكد أن فخامتك تعرف بقية القائمة، وتعرف أن الإرهابي هو الإرهابي حتى لو ارتدى بزة عسكرية وحمل رتبة مقدم أو لواء أو مشير، إذ لا فرق في الإرهاب بين ضابط وسياسي، بين عشماوي وشعراوي، بين فرد ودولة..
المقصود يا سيادة الرئيس، سواء كنت "رئيس الزمالك" أو "رئيس المهالك"، أننا عرفنا أخيراً أنكم ناس شربات بتفهموا أكثر مننا، وبتعرفوا كل الكلام العسل، ونحن نريد أن نصدقكم ونمشي صفوفاً معكم في طريق التخلص من الخوف ومكافحة الإرهاب حتى لا نكون مثل سوريا واليمن وليبيا وقبلهم العراق، وأظنكم تعرفون أن الحكام الطغاة لتلك البلدان كانوا من أول وأهم وأكبر أسباب كفر الشعوب بالوعود الكاذبة عن الرخاء والأمان وشد الأحزمة لزوم المعارك، والرضا بالقمع لحماية الأوطان من تهديدات المراحل "شديدة الاضطراب"، كما كانوا السبب الأكبر والذريعة الأولى لاحتلال ثم تفتيت الدولة والمجتمع معاً.
أخشى يا سيادة الرئيس، سواء كنت عبد الفتاح أو مرتضى، من الكلام الصحيح الذي يخفي بين سطوره اللامعة خراب الباطل
وسموم القمع والقتل، ثم نسمي هذه الجريمة "غير الإنسانية" بمسميات من نوع "الإصلاح الجريء" و"حماية الدولة" و"مصلحة الشعب".
فخامة الرئيس، سواء كنت تتكلم في فرنسا أو ميت عقبة، أعرف أنك نصاب، وأعرف أن كلام النصابين يكون جميلاً، لأنه مجرد خديعة للإيقاع بالضحايا السذج، لكنني أستدرجك بنفس الأسلوب الناعم حتى باب الدار لنعرف حقيقة "العيَّار"، أو كما يقول الإخوة المصريون: خليك ورا الكداب حتى باب الدار، لكنني أخشى يا سيادة الرئيس (سواء كنت مدعوماً بالرز أو بملايين تركي آل شيخ) أنكم أجحفتم في الظلم والنهب فلم تتركوا للدار باباً ولا حصيرة، لذلك أقولها من الآن توفيراً للمشاوير: كداب يا خيشة.. كداب أووووي..
والسلام على أهل السلام.