نشرت صحيفة "
التايمز" تقريرا أعدته ليلى فارودي قالت فيه إن الباحثين عن العمل أمام المجمع الذي يعالج مادة الفوسفات في
تونس نصبوا الخيام وركنوا دراجاتهم أمام كل المداخل لمكاتب المنطقة الصناعية في الميناء.
وفي التقرير الذي ترجمته "عربي21" قال رضوان حجيج، 30 عاما: "لا خيارات لدينا وعقدنا اتفاقا بعد اتفاق ولا شيء حدث". وحتى لو دخل العمال إلى مكاتب العمل فلن يجدوا ما يمكن عمله لأن العمال في منجم قفصة للفوسفات أوقفوا الإنتاج.
وتشير الصحيفة إلى الإضطرابات التي انتشرت تقريبا في كل مكان بتونس. فمعدلات البطالة لا تزال عالية وكلفة الحياة مرتفعة ويتخبط من هم في السلطة.
ويقول طارق حداد، 37 عاما: "عليهم (الحكومة) معرفة أنهم لو لم يستطيعوا الوفاء بدورهم فسأغلق البلاد ولو لم يتحركوا فستحدث ثورة"، وكان حداد واحدا من الذين أغلقوا خط وقود في الصحراء لمدة 115 يوما في بداية العام.
وتشير الصحيفة إلى أن الدعوة للاحتجاج تأتي بعد مضي عشرة أعوام على الثورة التي أطاحت ببن علي وانتقلت إلى دول عدة في الشرق الأوسط. ويرى الكثيرون أن ما أطلق عليه
الربيع العربي لم يحقق أهدافه، فلم يفتح المجال الفرص أمام الناس بالمنطقة، وحتى في تونس التي قادت الثورة لعملية ديمقراطية دائمة فالناس فيها غير راضين.
وفي كل أنحاء الشرق الأوسط، عاد الحرس القديم في الدول التي شهدت انتفاضات وتراجعت الحريات المدنية وفي بعض الأحيان حروب مستمرة.
وفي تونس لم تترافق الثقافة الجديدة للإنتخابات النزيهة وحرية التعبير بتحسن الحياة اليومية خاصة في المناطق المحرومة في داخل البلاد والتي انطلقت منها شرارة الثورة. وكان أهم شعار في
الثورة التونسية هو "العمل" لكن البطالة ارتفعت من 13% في 2010 إلى 16.2% عام 2020. وارتفعت بين الشباب الذين وفروا الطاقة للتظاهرات إلى 35.7%. وتضاعف عدد العاطلين عن العمل بين المتخرجين من الجامعات من 130.000 عام 2010 إلى 300.000 عاطل في الوقت الحالي.
وكان الحصول على الكرامة من مطالب الثورة لكن الغضب والسخط ارتفعا بين كل قطاعات المجتمع بسبب زيادة كلفة المعيشة ومظاهر الإهمال الحكومي. وفي الأسبوع الماضي نظم عمال الصحة "يوم الغضب" بعد سقوط طبيب عمره 26 عاما من مصعد مستشفى.
وفي بداية هذا العام قتل رجل في سبيطلة عندما كان نائما في كوخ بعدما جرفته جرافة كانت تزيل بناية أقيمت بطريقة غير شرعية في الساعات الأولى من الصباح وبدون أن تتأكد من عدم وجود شخص في المكان.
وفاقم فيروس كورونا من المصاعب، حيث يرى الإقتصادي التونسي حكيم بن حمودة أن الموجة الأولى منه أدت لانكماش بنسبة 7% من الناتج المحلي العام. ويرى أن الموجة الثانية قد تكون أسوأ قائلا: "لم نخطط لموجة على هذه القاعدة وربما انخفض إلى نسبة 10%".
وبحسب تقرير صدر هذا الشهر عن المعهد الوطني التونسي للإحصاء فنسبة 37% من الشركات الخاصة تواجه خطر الإغلاق الدائم. وفي الوقت الذي خرج فيه عدد كبير من السكان إلى الشوارع احتجاجا على الأوضاع طالب آخرون بفرض النظام ولو بالقوة. وهناك من يطالب بثورة ثانية مع أن هناك من يتحسر على حدوث الثورة الأولى.
وكانت هذه قد بدأت في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 عندما أشعل بائع فواكه اسمه محمد بوعزيزي من بلدة سيدي بوزيد النار في نفسه، بعدما أساءت إليه شرطية. وتوفي متأثرا بحروقه بعد أسابيع. وأصبح اسمه مرادفا للثورة لكن أقاربه يرون أن الحادث أصبح "لعنة".
وقال زيد بوعزيزي ابن عم محمد: "بدأ الناس بلعننا ويقولون إن كل شيء نعيشه بسببكم". ويسخر منه زملاؤه ويقولون إن "عائلة بوعزيزي خربت البلد".
وليس لدى بوعزيزي ما يعمله فهو الذي شارك في الثورة وفقد أسنانه الأمامية بعد اعتداء الشرطة عليه ويقول: "أردنا العيش بكرامة. وليس لدينا الآن لا كرامة ولا حياة". وهو يعمل وزوجته لكن ليس باستطاعتهما شراء بيت.
ولا يزال شقيقه قيس، 34 عاما يعيش في سيدي بوزيد وحضر إلى المحكمة الشهر الماضي بعدما تهكم على النائبة عبير موسي التي زارت البلدة. وقال: "إنها إهانة، فهي من الحرس القديم وجاءت وأهانت الثورة ومهدها". وتقول الكاتبة إن موسي استقبلت بحفاوة وتقدم نفسها كمعادية للنظام.
والبرلمان التونسي متشرذم ويتعارك نوابه مع بعضهم البعض. وشهدت البلاد ثلاثة رؤساء وزراء منذ الإنتخابات الأخيرة. وفي ظل رئيس الوزراء الحالي هشام مشيشي فشلت حكومته بتمرير أي قانون.
وقال غازي الشواشي، السكرتير العام لحزب التيار الديمقراطي: "لا نعرف من يحكم، ولدينا حكومة تكنوقراط لا أحد راض عنها وهم بدون برنامج أو رؤية".
وهذا محبط لمعنويات التونسيين العاديين فكما يقول أحمد الصيادي، محاضر الجامعة: "لا أتابع الأخبار ولا أهتم بما يفعله النواب، كتبوا قوانين، سرقوا البلد، اقتتلوا فالوضع ميؤوس منه. ويرى الشباب أن مغادرة البلد هو ضوء الأمل الوحيد".