من آفات مواقع التواصل الاجتماعي، أن أخبار الوفيات فيها، لا سيما تلكم التي تُحزن متلقيها أيّم حُزنٍ، فهو قد يتلقاها بقدرٍ من الاضطراب، ويعتلج في داخله، شعوران، شعورٌ بالرجاء، وآخر بالحزن! فالأول: لأنه يُمكن أن يكون شائعة، فما أكثر ذلك! والثاني: فالنبأ الحزين، تأكيده في مصدره!
ولكن في حال هذه العُجالة المرثية، ثبت باليقين القاطع، أن الموت اليوم قد اختار الأخ الصديق الدكتور علي أحمد السيد رئيس القطاع التنظيمي في حزب الاتحاد الديمقراطي (الأصل) في السودان. فالموت هنا لا فكاك منه، فهو حقٌ علينا جميعاً، تصديقاً لقول الله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ". فقد ارتحل عن دنيانا، وهو في عنفوان الحياة، إلى رحاب الله، في هدوءٍ بلا عودة، الدكتور علي أحمد السيد صباح يوم الأحد 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، والمحامي الشهير، والقانوني الضليع، أحد أبرز فقهاء قانون الأحوال الشخصية والقانون الدستوري، إثر نوبة قلبية لم تمهله طويلاً.
كان الراحل الدكتور علي أحمد السيد شديداً في الحق، شرساً في معارضته، حتى أني مازحته في مداخلةٍ لي في ملتقىً قانونيِ، نظمته جمعية القانون الدولي السودانية، برئاسة الأخ الصديق البروفسور البخاري عبد الله الجعلي بجامعة النيلين، أنه في الحزب الديمقراطي (الأصل) يرتدي قفطاناً أحمر، بينما أهلوه في ذاكم الحزب يجمعون على إرتداء القفطان الأخضر، في إشارة ضمنية أدرك كُنهها وبعض الحاضرين، ولكنه لم يغضب أو يثور كعادته، فكان حليماً في رده، وهادئاً في مساجلته!
وأحسبُ أنني كنتُ من أوائل الذين هنأوه بالأوبة إلى حزبه القديم، بعد مغاضبةٍ، امتدت إلى بضع سنين، صنفه خلالها السيد الحسن محمد عثمان الميرغني مسؤول التنظيم في الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) آنذاك، مع نفرٍ من صحبه، من الغاضبين على أحوال الحزب آنئذٍ بالدواعش!
ارتحل عن دنيانا، وهو في عنفوان الحياة، إلى رحاب الله، في هدوءٍ بلا عودة، الدكتور علي أحمد السيد صباح يوم الأحد 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، والمحامي الشهير، والقانوني الضليع، أحد أبرز فقهاء قانون الأحوال الشخصية والقانون الدستوري، إثر نوبة قلبية لم تمهله طويلاً.
وكان الراحل الدكتور علي السيد لا يخفي حنقه على الإسلاميين، إنقاذاً كانوا أم معارضين لها، أم أهل هامشٍ ومغاضبةٍ! لم يكن ميالاً إلى المهادنة، حتى في نقده لقيادة حزبه، كان عنيفاً في لفظه، معتسفاً في كلمه، لا يركن إلى التورية في خطابه، ولا المجاز في بيانه، كان صريحاً واضحاً، في غير لبسٍ أو غموضٍ، لا يحتاج سامعوه إلى مدارسة في فهمه، ولا تفسير لمعاني كلمه. كان بعض جماهير حزبه يروقهم أساليب مغاضباته وعنفوانه، والبعض الآخر يستهجن غلظة أطروحاته واعتسافاته!
أخلص إلى أن الدكتور علي أحمد السيد ـ يرحمه الله ـ كان يُعدُ من أبرز القيادات السياسية في السودان، حيثُ كان عضواً فاعلاً في سكرتارية التجمع الوطني الديمقراطي المعارض لنظام الإنقاذ، عقب إنقلاب حزيران (يونيو) 1989. ونشط في الفترة الأخيرة في قطاع التنظيم بالحزب الديمقراطي (الأصل)، بقيادة السيد جعفر محمد عثمان الميرغني، في العمل على إعادة تنظيم الحزب، وكأنه يُريد أن يُعيده سيرته الأولى، وفقاً لمرئياتٍ جديدةٍ، ومستجداتٍ حديثةٍ، ومتغيراتٍ متسارعةٍ، تجعل الحزب يتصدر المشهد السياسي، ويحتل موقعه المتميز في الخارطة السياسية السودانية.
وللراحل علي السيد ـ يرحمه الله ـ مؤلفات عديدة في قانون الأحوال الشخصية والقانون الدستوري أبرزها مجلدان عن دستور السودان لسنة 1988.
وأكبر الظن عندي، أن الدكتور الراحل علي السيد، كان يُنزل في نفسه، في شدة معارضته، وعنفوان مخاصمته، قول أمير الشعراء أحمد بن علي بن أحمد شوقي بك:
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
وَما اِستَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُم رِكابا
ألا رحم الله تعالى الأخ الدكتور علي السيد رحمةً واسعة، وأنزل عليه شآبيب رحمات الله الواسعات، وتغمده برحمةٍ وغفرانٍ من عنده، وهو الغفور الرحيم، وجعله من أولئك ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّين وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقًا، وتقبله الله قبولاً طيباً حسناً، وألهم آله وذويه وأصدقاءه وزملاءه، وأشقاءه من الاتحاديين، وعارفي فضله، الصبرالجميل.
ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖوَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون".
i.imam@outlook.com
في رثاء رئيس القضاء السوداني الأسبق دفع الله الحاج يُوسُف