كشف
تقرير مطول لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تفاصيل الرعب الذي بثته
مليشيا الكاني في بلدة ترهونة التي سيطرت عليها بعد هزيمة رجال القذافي في
عام 2012.
وسلط
التقرير الضوء على تاريخ تلك العائلة، عائلة الكاني، التي تمكنت من السيطرة على
ترهونة وعلاقاتها المتشابكة مع حكومات طرابلس وآخرها حكومة الوفاق الوطني، وكيف
انتقلت إلى صف اللواء المتقاعد خليفة حفتر، كما يسلط الضوء على الجرائم والفظائع
التي ارتكبتها طيلة فترة سيطرتها على ترهونة.
كانت
أسرة جهنمية، يقول التقرير، فعلى مدار سنوات وحتى الصيف الماضي وضع الإخوة الكاني بلدة
ليبية صغيرة في قبضتهم القاتلة حيث ذبحوا الرجال والنساء والأطفال للحفاظ على سلطتهم،
والآن يتم تدريجيا كشف النقاب عن جرائمهم.
تعد
المقابر الجماعية الإرث المروع لعهد الإرهاب الذي استمر قرابة 8 سنوات والذي فرضته
على المدينة عائلة محلية هي عائلة الكاني والميليشيا التي شكلوها.
وأعلنت الحكومة الليبية، السبت، العثور على مقبرة جماعية جديدة في مدينة ترهونة.
وقال مدير إدارة البحث عن الرفات بالهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين (حكومية)، لطفي توفيق، إن فرق هيئته اكتشفت مقبرة جماعية جديدة في منطقة "مشروع الربط 2، وتمكنت الفرق من انتشال 4 جثث من المقبرة، وما زالت تواصل البحث"، وفق وكالة أنباء الأناضول التركية.
وقد
لقي حتى الآن 3 من الإخوة السبعة في عائلة الكاني حتفهم، وأجبرت القوات الموالية لحكومة
الوفاق الوطني الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة الآخرين على الفرار في حزيران/
يونيو من عام 2020، ولكن حتى الآن يخشى العديد من سكان ترهونة التحدث عن جرائمهم.
القصة
المرعبة تدور حول كيفية استفادة أسرة فقيرة من الفوضى التي اجتاحت ليبيا بعد ثورة
2011 ضد العقيد معمر القذافي، لتفرض تلك الأسرة سطوتها على المجتمع المحلي بالحديد
والنار وبقسوة مطلقة.
ويقول
حمزة دلعاب، المحامي والناشط المدني الذي يتذكر لقاءهم في الأعراس والجنازات قبل عام
2011: "هؤلاء الإخوة السبعة كانوا أشخاصا فظين بلا أخلاق، وكان وضعهم الاجتماعي
صفرا".
وعندما
اندلعت الثورة ظل معظم سكان ترهونة موالين للقذافي، إلا أن أسرة الكاني كانت من بين القلائل الذين
دعموا الثوار، وإن لم يكن ذلك بدوافع أخلاقية، ولكن بسبب عداء دام 30 عاما مع بعض أبناء
عمومتهم من أنصار القذافي.
وفي
الاضطرابات التي أعقبت الإطاحة بالقذافي رأى الإخوة فرصتهم؛ "تمكنت عائلة الكاني
ببطء وبسرية من اغتيال أفراد تلك العائلة واحداً تلو الآخر".
لكن
ذلك أطلق دائرة من الانتقام أدت إلى مقتل علي ثاني أصغر إخوة الكاني في عام 2012.
واستولى
الإخوة الكاني تدريجيا على المدينة وشكلوا بعض القوات العسكرية في البلدة، وأطلقوا
ميليشياتهم الخاصة المكونة من عدة آلاف من المقاتلين.
كانت
حنان أبو كليش في المنزل في 17 نيسان/ أبريل من عام 2017 عندما اقتحمه حشد من رجال
ميليشيا الكاني.
وتقول
حنان أبو كليش: "صوب أحدهم مسدسا إلى رأسي، وسألني من في المنزل فقلت.. لا أحد،
لكنه جرني إلى غرفة والدي وقالوا له سنقتلك أولا وقد فعلوا ذلك حقا، لقد فعلت كل ما
بوسعي لإيقافهم، لكنهم قاموا بإفراغ مخزن المسدس في صدره".
كما
قُتل 3 من أشقاء حنان في ذلك اليوم، واثنان من أبناء أخيها تتراوح أعمارهم بين 14 و16 عاما، كما اختفى أثر أقارب آخرين بعد أن اختطفتهم قوات الكاني على ما يبدو.
وتقول
حنان أبو كليش إنه لم يكن هناك دافع سوى أن عائلتها كانت ميسورة الحال وتحظى بالاحترام
في ترهونة.
وبحلول
ذلك الوقت، كان الإخوة الكاني قد أسسوا دولتهم الصغيرة في ترهونة وحولها حتى أنهم سيطروا
على الشرطة النظامية، وأداروا إمبراطورية تجارية، وفرضوا "الضرائب" على مصنع
الأسمنت في المنطقة والشركات المحلية الأخرى، وقاموا ببناء مركز تجاري وإدارة بعض المشاريع
المشروعة بما في ذلك محلات غسيل الملابس وأمنوا الحماية لتجار المخدرات وللمهاجرين
الذين مروا عبر أراضيهم في طريقهم من الصحراء إلى ساحل البحر المتوسط مقابل المال.
كان
السلفي محمد الكاني، ثاني أكبر الإخوة على رأس الدولة المصغرة، فقد كان العضو الوحيد
في العائلة الذي حصل على قسط من التعليم وعمل منتظم بأجر، فقبل الثورة كان يعمل سائقاً
في شركة نفط، وكان مقتصدا وهادئا ويرتدي ثوباً سلفيا تقليديا.
وخلفه
كان عبد الرحيم حليق الرأس، مسؤول "الأمن الداخلي" يتعامل مع أي خائن مشتبه
به، بينما كان محسن، صاحب الوجه الهزيل بمثابة "وزير الدفاع" المسؤول عن
ميليشيا الكاني.
وبعد
ذلك في عام 2019 غيرت عائلة الكاني بشكل حاسم مواقفها في الحرب الأهلية.
فبعد
تخليهم عن تحالفهم مع حكومة الوفاق الوطني، التي كانت تسيطر على غرب ليبيا، دعوا ألد
أعدائهم، الجنرال خليفة حفتر، قائد النصف الشرقي من البلاد لاستخدام بلدتهم كنقطة انطلاق
لمهاجمة العاصمة.
وفجأة،
أصبحت ترهونة الصغيرة مسرح صراع دولي، فقد كان حفتر مدعوما بتحالف غريب من فرنسا ومصر
والإمارات وروسيا وأرسل مرتزقة إلى معسكر في بلدة عائلة الكاني.
وفي
أحد أيام كانون الأول/ ديسمبر من عام 2019 رأت ربيعة جاب الله، وهي ربة منزل من ترهونة،
ابن عمها طارق مقتولا بالرصاص على عتبة منزله على يد مليشيات الكاني التي استولت على
شاحنته ذات الدفع الرباعي.
وفي
اليوم التالي أثناء دفنه، اقتحمت الشرطة المقبرة واختطفت 10 رجال من العائلة بما في
ذلك زوجها.
وكان
مع الشرطة شاحنة طارق وقد ثبتت عليها راجمة صواريخ، وفجأة فهمت ربيعة جاب الله سبب
الهجوم: "نحن عائلة جاب الله نعيش من تجارة السيارات، سيارات الدفع الرباعي بشكل
أساسي، لذلك هاجمونا لسرقتنا لاستخدام سياراتنا في حربهم".
واستولى
المقاتلون الموالون للحكومة أخيرا على ترهونة في أوائل حزيران/ يونيو من عام 2020 وفر
الإخوة الكاني الأربعة المتبقون ومليشياتهم مع قوات حفتر إلى شرق ليبيا.
وتقول
ربيعة جاب الله: "كان لدينا الكثير من الأمل، لم ننم في تلك الليلة، وكان الأطفال
سعداء".
وفي
صباح اليوم التالي، هرعت هي والعديد من النساء اللائي اختُطف أزواجهن أو إخوتهن أو
أبناؤهن إلى معتقل عائلة الكاني سيء السمعة بحثا عن المفقودين.
اقرأ أيضا: هيئة ليبية تعلن اكتشاف مقبرتين جماعيتين في ترهونة
وقد
وجدن في أحد السجون صفا من الزنازين بحجم 70 سم في 70 سم، بالكاد تكفي للجلوس، وكانت
هناك ملابس ملقاة على الأرض. كان السجن فارغا.
وتقول
ربيعة جاب الله: "لقد دمر ذلك أملنا تماما، كانت الجدران ملطخة بالدماء، لم أستطع
التحمل، أصبت بانهيار كامل".
وكشف
دانيال هيلتون من موقع ميدل إيست آي، وهو أحد المراسلين الأجانب القلائل الذين زاروا
ترهونة منذ هزيمة عائلة الكاني، عن أمور فظيعة أخرى.
ويقول
هيلتون: "فوق الزنازين كانت هناك أكوام من الرماد الناجم عن الحرائق. كان يتم
إشعال النيران فوق زنازين السجناء لتحويل الزنازين إلى أفران لتعذيب المعتقلين".
وعثر
دانيال هيلتون فوق أرضية سجن آخر على أحذية صغيرة ذات ألوان زاهية لأطفال يُعتقد الآن
أنهم ماتوا أو فقدوا.
ويقول
كمال أبو بكر، رئيس هيئة البحث والتعرف على المفقودين بحكومة الوفاق الوطني، إن أكثر
من 350 شخصا من ترهونة مسجلون كمفقودين، على الرغم من أن بعض السكان المحليين يقولون
إن العدد الحقيقي يقترب من الألف.
وحتى
الآن، تم التعرف على عدد قليل جدا من الجثث التي تم العثور عليها في المقابر الجماعية
حيث أن أعمال مطابقة الحمض النووي في بدايتها.
لكن
الدكتور أبو بكر يقول إن المقابر التي تم اكتشافها حتى الآن صادمة أكثر من أي مقابر
أخرى تم العثور عليها في ليبيا منذ بداية الصراع في عام 2011.
وأضاف
قائلا: "هذه هي المرة الأولى التي نعثر فيها على نساء أو أطفال في مقابر جماعية،
كما وجدنا جثة مدفونة بأجهزة طبية وقناع أكسجين وأنابيب وريدية لرجل تم أخذه حيا من
المستشفى ودفن، وهذه صدمة بالنسبة لنا كذلك".
انتخابات مجالس "زليتن" تحيي آمال إجراء الانتخابات بعموم ليبيا
كيف تؤثر تحركات عقيلة صالح "القبلية" على الحوار الليبي؟
مؤشرات تغير سياسة مصر الخارجية في 2021.. ما حقيقتها؟