"كورونا سيصيبك ولكنه لن
يقتلك"، كان هذا عنوان مقالي المنشور على موقع "عربي21" في العشرين من نيسان/
أبريل 2020، كان المقال محاولة للتعاطي مع فيروس كورونا في موجته الأولى بقدر من
العقلانية واستعراض الأرقام، محاولة للوصول إلى منطقة وسط بين التهويل والاستهتار،
فهل نجحت؟
بعد ما يقارب العام تقريبا
على كتابتي لهذا المقال، تبينت إصابتي بفيروس كورونا منذ أسبوعين، حيث بدأت أعراض
شبيهة بأعراض هذا الكوفيد تغزو جسدي، وبدأت الآلام تنتشر رويدا رويدا لتضرب كل
عظمة صغيرة وكل عضلة ضئيلة في الظهر والكتف والقدمين والأذرع، لأشعر في غضون أيام
بآلام لا تحتمل وبحالة إعياء تامة، بالكاد تستطيع أن تذهب إلى دورة المياه ثم
العودة لفراشك في محاولة بائسة لتنظيم أنفاسك التي أتبعتها حركتك من غرفة النوم
إلى دور المياه في مسافة لا تتعدى ثلاثة أمتار.
أعيش في بريطانيا، البلد
الرابع في العالم في عدد موتى كورونا بحصيلة قاربت على تسعين ألف حالة وفاة، وهي نفس
البلد التي وصل عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا فيها إلى ما يقارب الثلاثة ملايين
ونصف المليون حالة، لتصبح في المركز الخامس في العالم في إجمالي أعداد المصابين.
حالة الهلع التي تعيشها بريطانيا في الآونة الأخيرة تشعرك بالتوتر الشديد وبأن
الأمر جد خطير، بيانات حكومية تتحدث عن خروج الأمر عن السيطرة، وتصريحات أخرى
تتحدث عن انهيار المستشفيات أمام ارتفاع أعداد الإصابات، وتصريحات هنا وهناك عن
العقار المضاد لكورونا وبدء توفيره لملايين الناس في بريطانيا، ولكن البداية لمن
هم فوق الثمانين. وماذا عني أنا؟
عندما تصاب بالفيروس،
وتتأكد لك الإصابة برسالة من وزارة الصحة تنبهك بضرورة أن تعزل نفسك عن الآخرين،
وأن تنتبه لمن حولك من كبار السن تحديدا، وأن تخبر خدمة تتبع مرضى كورونا بتاريخ حركتك
قبل ظهور الأعراض عليك. وجدتني أخبرهم عن هذا المكان الذي ذهبت إليه، هناك قابلت
شخصين، وفي هذا المتجر قابلت أشخاصا آخرين، ولم تكن ظهرت عليّ أي أعراض.. وجدت
نفسي أتساءل: هل أنا من أصبتهم بكورونا، أم أنني أصبت من اختلاطي بهم؟ هل كنت
الضحية أم الجاني في هذا الموقف؟ حتى استيقظت ذات صباح من صباحات كورونا على
والدتي وأطفالي وقد ظهرت عليهم الأعراض أيضا؟
طيلة العام الماضي، كانت
تصلني رسائل من الحكومة البريطانية تنبهني بالتركيز على صحتي النفسية وأن هناك
خدمات كثيرة متاحة بالمجان لجميع من يعيشون في المملكة المتحدة للتواصل معهل إذا
ما شعرت بالقلق أو التوتر أو الاكئتاب نتيجة فترات الإغلاق الطويلة والعزل المنزلي،
وخاصة إذا ما أصبت بكورونا.
اكتشفت في فترة مرضي بهذا
الفيروس أن الأمر يتعلق بالأعراض المرضية المتعلقة بالتنفس وارتفاع درجة الحرارة
بنفس الدرجة التي يتعلق بها بحالتك النفسية وقدرتك أو استعدادك لمواجهة هذا المرض
القاتل. والاستعداد والمواجهة هنا لا أعني بهما مقاومتك للنصائح الطبية بالعزل
التام والراحة وشرب المياه، ولكنهما يتعلقان بمقاومتك النفسية لهذا المرض، وإيمانك
بقدر الله عز وجل بأن لكل أجل كتاب وعدم استسلامك التام لفكرة أنه ربما يقتلك.
فترة إصابتي بكورونا تزامنت
مع الحادثة البشعة في مستشفى الحسينية بمصر، بانقطاع الأكسجين عن مرضى كورونا في
العناية المركزة ما أدى لوفاتهم جميعا. شعرت وقتها بالاختناق، فأنا أعلم يقينا ما
الذي يعنيه عدم القدرة على التنفس أمام هذا المرض، إنه أشبه بصراع البقاء. أحيانا
يصيبك كورونا بصعوبة في التنفس وأحيانا أخرى بقصر شديد في التنفس، فتبدو وكأنك تسرق
أنفاسا قليلة من الأكسجين قبل أن يحرمك منها هذا الفيروس.
كورونا سيصيبك ولكن لن
يقتلك، كان هذا رأيي في العام الماضي، ولكن وبعد مروري بالتجربة أقول، لكل أجل
كتاب، ولكن هذا الفيروس خطير وربما يقتلك بالفعل ولو كنت في العقد الثاني أو
الثالث من عمرك، لم يعد يفرق بين صغير وكبير، وبات انتشاره أسرع من ذي قبل.
نصيحتي الشخصية ألا
تستهينوا بهذا المرض، التزموا بالتعليمات الطبية، الزموا بيوتكم ما استطعتم في
فترات الإغلاق التام، ارتدوا كمامات الوجه واغسلوا أيديكم باستمرار، ابتعدوا عن
التجمعات البشرية ما استطعتم، واسألوا الله العفو والعافية.
twitter.com/osgaweesh