1- الأزمة الاجتماعية حقيقية
بعد
عشرة أعوام من سقوط رمز النظام القديم وتقلد سياسيين جدد مقاليد الحكم في
تونس عن طريق الانتخابات، لم تتحسن الظروف المعيشية للفئات الاجتماعية الوسطى وما تحت الوسطى، بل ثمة إحصائيات تؤكد تزايد معدل البطالة ونسبية الفقر وتدهور المقدرة الشرائية للمواطنين، خاصة أمام انهيار غير مسبوق لقيمة الدينار، أيضا بسبب تفشي وباء كورونا.
الأستاذ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، كان قد نبّه في أثناء الانتخابات 2019 من تفجر اجتماعي بسبب الفقر، ودعا إلى ضرورة التفرغ لخدمة من أسماهم "المستضعفين".
في الذكرى العاشرة تحدث عدد من مسؤولي النهضة عن كون الثورة حققت مكاسب سياسية وما زالت استحقاقات اجتماعية لم تتحقق.
في
الذكرى العاشرة تحدث عدد من مسؤولي النهضة عن كون
الثورة حققت مكاسب سياسية وما زالت استحقاقات اجتماعية لم تتحقق، حتى
قال الغنوشي في ندوة بمناسبة الذكرى العاشرة وفي جملة مختزلة وبليغة: "ما تحقق طيلة العشرة أعوام يتهدده ما لم يتحقق".
رئيس مجلس شورى حركة النهضة في حوار تلفزي وتعليقا على دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى حوار وطني، قال إن الحوار يجب أن يكون اجتماعيا لا سياسيا، لكون المسألة السياسية حسمت بالانتخابات، ولكن المسألة الاجتماعية هي مسؤولية الحكومة ومنظمة الأعراف واتحاد الشغل والفاعلين السياسيين.
2- صراع المواقع داخل مؤسسات الدولة
الدستور التونسي الذي أنتجته
الديمقراطية التونسية سنة 2014 ينص على توزيع السلطة بين "أقانيم" ثلاثة: رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، وهي وضعية بقدر ما منعت تمركز السلطة في جهة محددة كما هو في النظام الرئاسي، بقدر ما أضعفت سلطة الدولة، خاصة حين أنتجت الانتخابات التشريعية - بقانونها الانتخابي الحالي - كتلا غير متجانسة، ولا واحدة منها قادرة على تشكيل حكومة بمفردها. هذا التوزيع للسلطة أنتج تداخلا في المهام والصلاحيات، ولذلك ظل
رئيس الجمهورية يؤكد كل مرة أنه هو الرئيس الوحيد للدولة التونسية، وأنه هو من يمثلها في الداخل والخارج. وقد لاحظ المراقبون انزعاجه من تحركات الأستاذ راشد الغنوشي ضمن ما عُرف في عهد الباجي قائد السبسي رحمه الله بـ"الدبلوماسية الشعبية".
محاولات تشكيل حكومة بعد انتخابات 2019 شهدت صعوبة كبيرة بسبب غياب الثقة والانسجام بين الأحزاب المدعوة للمشاركة في الحكم، أيضا بسبب حذر كل الأطراف من استقدام شخصية إلى القصبة (المبنى الحكومي) قد لا تكون على المسافة نفسها من كل الأطراف، وهذا ما يُفسر عدم استقرار الحكومات وسرعة الإطاحة برؤسائها، سواء بعدم المصادقة البرلمانية مثلما حصل مع حكومة الحبيب الجملي، أو بسحب الثقة مثلما حصل مع حكومة إلياس الفخفاخ الذي اضطر إلى الاستقالة.
هذا الصراع بين "الأقانيم" الثلاثة، كانت تداعياته على النسيج المجتمعي وعلى خارطة الأحزاب السياسي، حيث شهدنا - وما زلنا - توزع المشهد توزعا مهددا لهيبة الدولة ومغريا لتسرب التدخلات الخارجية، وهو ما يحصل فعلا كما لم يحصل من قبل.
هذا الصراع بين "الأقانيم" الثلاثة، كانت تداعياته على النسيج المجتمعي وعلى خارطة الأحزاب السياسي، حيث شهدنا - وما زلنا - توزع المشهد توزعا مهددا لهيبة الدولة ومغريا لتسرب التدخلات الخارجية، وهو ما يحصل فعلا كما لم يحصل من قبل.
3- الاستثمار في الحرمان
صراع الصلاحيات وعدم الانسجام الحكومي والأزمات الاجتماعية، كلها عوامل مؤدية إلى انهيار هيبة الدولة وإلى تجرئة الجميع عليها، من مهربين ومحتكرين وباعة ممنوعات وفاسدين ومُبيضي أموال ومتمردين على القانون، وهي عوامل أيضا أغرت عددا من السياسيين الذين فشلوا انتخابيا بمحاولة العودة إلى المشهد من خلال الأزمات الاجتماعية، والدعوة إلى "ثورة" جديدة تطيح بمنظومة الحكم الحالية يرونها فاشلة وعاجزة.
يحتاج السياسيون الاستئناس بدراسات علماء الاجتماع، ليعرفوا أن الثورات لا تحدث بقرار سياسي ولا تتكرر بين عقد وعقد، فالشعوب تحركها كيمياء خفية ليست من إنتاج الأيديولوجيا ولا الثقافة ولا الخطاب السياسي، وإنما هي "روح الشعب" التي تُستَجمع في لحظات نادرة لا تُستعاد إلا بعد عقود من الزمن.
فالشعب التونسي الذي تفجرت كيمياؤه (كانون الأول/ ديسمبر 2010 - كانون الثاني/ يناير 2011) وهبّ كما العاصفة في ملحمة كبرى أجبرت أكبر طاغية في المغرب العربي على الفرار، ليس متاحا بعد عشرة أعوام من التجريب والاستنزاف أن يستعيد روحيته الغَضَبية تلك في لحظة مواتية للعصف بمشهد سياسي جديد آخذ في التشكل ببطء وصعوبة، ويعيد صياغة مفاهيم جديدة حول السياسة والأمن والدولة والمواطنة.
تابع الرأي العام المحلي والخارجي حركات الشباب الاحتجاجية في الليل بمختلف جهات البلاد،
احتجاجات غير منسجمة ولا ترفع شعارات موحدة، بل تعمد إلى الحرق والخلع والتكسير ومداهمة بعض المغازات والمتاجر. المحتجون حسب وزارة الداخلية التونسية هم أطفال في الغالب بين 15 و23 عاما، وهو ما ينفي أن يكونوا يحملون رؤية ثورية أو مواقف سياسية (المحجوزات قد تورط جهاتٍ ما).
الجوع أبو الكفار - يقول مظفر نواب - وهو أيديولوجيا ثورية بذاتها ولا يحتاج الجائع والمحروم والمعطل نظرية في الثورة أو فلسفة في نظام الحكم، إنما يحتاج فقط شعورا بالمظلومية، وهذا ما يجعل أغلب التونسيين يجدون مبررا لغضب الشباب واحتجاجه. ولكن السؤال هو حول توقيت الخروج وأسلوبه، فالدستور التونسي يُقر" الحق في التظاهر وفي التعبير والنقد والإضراب، فهل يحتاج المحتجون التستر بالظلمة وهم يمارسون حقا دستوريا؟
ثمة من يربط ما حدث بتحريض بعض السياسيين على ثورة جديدة، مثل تصريح حمة الهمامي أو محمد عبو، أيضا - وهو الأخطر - ترذيل قيس سعيد الدائم للأحزاب، وإرساله الغامض لتهديدات.
ثمة من يربط ما حدث بتحريض بعض السياسيين على ثورة جديدة، مثل تصريح حمة الهمامي أو محمد عبو، أيضا - وهو الأخطر - ترذيل قيس سعيد الدائم للأحزاب، وإرساله الغامض لتهديدات لغرف مظلمة ومتآمرين وفاسدين، واتهامه للحكومات المتعاقبة بالفشل في تحقيق مصالح الناس.
قد يكون في كلام الرئيس قيس سعيد وحمة الهمامي ومحمد عبو الكثير أو القليل مما يوافق الواقع بالنسبة للأزمة الاجتماعية، وفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق انتظارات الناس، ولكن "شبهة" التحريض كامنة في الأسلوب وفي التوقيت.
وإنما السياسة مواقيت.
twitter.com/bahriarfaoui1