صور الفعل ضد النظام المستبد
كي يمكننا قياس الأفعال ضد السلطة المستبدة القائمة، ووصفها وصفا واقعيا خالٍ من التهويل أو التهوين، فلا بد من ضبط الألفاظ الدالة على صور الرفض لوجود هذه السلطة؛ ليصبح لدينا مؤشر "دقيق"، نتعرف به على مستوى الفعل الجماهيري، وعلى المرحلة التي يمر بها الحراك الشعبي.. هل يتقدم، أم يتراجع، أم هو في حالة جمود.. ويمكننا حصر صور الفعل ضد النظام المستبد، في ثماني حالات، تبدأ بالاحتجاج وتنتهي بالثورة، وهي:
• الاحتجاج.. عمل فردي أو جماعي غير علني، نمارسه في "حياتنا اليومية".. ومن ذلك، اعتراض الموظفين على قرار إداري ما، شفهيا أو كتابيا.. أما ضد السلطة المستبدة، فيأخذ شكل العرائض الموجهة، والمنشورات بكل أنماطها، التي تعبر عن الاعتراض وعدم الرضا عن السلطة وأدائها.. ونقصد بتعبير "غير علني": أن المحتجين لا يسعون إلى الإعلان عن موقفهم، وإنْ علم المجتمع به بصورة أو بأخرى.
لا بد من ضبط الألفاظ الدالة على صور الرفض لوجود هذه السلطة؛ ليصبح لدينا مؤشر "دقيق"، نتعرف به على مستوى الفعل الجماهيري، وعلى المرحلة التي يمر بها الحراك الشعبي
• التذمُّر.. عمل فردي أو جماعي غير علني، يعبر عن الضيق والغضب، وعدم الرضا، ويفوق الاحتجاج "حِدَّةً" في لهجته ضد السلطة المستبدة، وقد يحمل تهديدا لفظيا للسلطة.
• الإضراب.. عمل جماعي محدود علني، داخل مؤسسة بعينها، يتمثل في الامتناع عن العمل، وعدم تنفيذ أوامر وقرارات الإدارة، وتكون له مطالب محددة.
• التمرد.. عمل جماعي "مسلح" محدود علني، يتمثل في عصيان القيادة/ السلطة، وعدم الانصياع لها، يهدف إلى تحقيق مكاسب آنيَّة محددة.
• العصيان العام.. عمل جماعي واسع (جماهيري)، يهدف إلى إصابة الحياة العامة، ومرافق الدولة بالشلل، وهو بمثابة إنذار "سلمي" شديد اللهجة للنظام الحاكم، قد تعقبه مظاهرات حاشدة، تتحول إلى انتفاضة.
• التظاهر.. هو "الخروج" إلى الشوارع والميادين.. عمل فردي أو جماعي (جماهيري) علني، يعبر عن الاستياء الشديد من سياسات النظام، يهدف إلى تشكيل ضغط شعبي كبير على السلطة، لإجبارها على التراجع عن قرار ما، أو إجراء إصلاحات جوهرية عاجلة.. ولا يصح أن يكون مصحوبا بتخريب "متعمد" في الممتلكات الخاصة أو العامة. وإذا أخذ التظاهر صفة الاستمرار، على شكل موجات بأعداد كبيرة وفي أماكن متفرقة، يصبح انتفاضة.
• الانتفاضة.. مظاهرات حاشدة، مستمرة أو متقطعة، تعم البلاد، تشترك فيها فئات الشعب أو معظمها، ويمكن أن نسميها "عتبة
الثورة".
• الثورة.. هي ذروة الانتفاضة التي عندها يسقط النظام القائم، بعد عجزه عن احتوائها أو إخمادها، وقد تنجح الثورة في إقامة نظام جديد، وقد تفشل، فإذا فشلت، دخلت البلاد في الفوضى التي قد تتطور إلى حرب أهلية.
التشديد على أن كل هذه الأفعال ليست "محمودة" أو "مذمومة" لذاتها، وإنما لدوافعها ونتائجها؛ فإذا كانت ضد نظام مستبد، فهي "محمودة"، بل واجبة، أما إذا كانت ضد نظام منتخب انتخابا حرا نزيها، فـ"ثلاثة" منها "مذمومة"
ومن الأهمية بمكان، التشديد على أن كل هذه الأفعال ليست "محمودة" أو "مذمومة" لذاتها، وإنما لدوافعها ونتائجها؛ فإذا كانت ضد نظام مستبد، فهي "محمودة"، بل واجبة، أما إذا كانت ضد نظام منتخب انتخابا حرا نزيها، فـ"ثلاثة" منها "مذمومة"، قولا واحدا، هي: التمرد، والانتفاضة، والثورة.. إذ من حق الشعب إظهار عدم رضاه عن سياسة النظام المنتخب (بحق) بأي صورة من الصور الخمسة الأخرى.. أما اللجوء إلى أي من هذه الوسائل "الثلاث" ضد أي نظام منتخب انتخابا حرا نزيها، فهذا يعني أننا بصدد أعمال إجرامية تخريبية، بل "مؤامرة" حقيقية على الوطن؛ أرضه، وشعبه، ووجوده، وليس على هذا النظام المنتخب فحسب.
الثورة المحمودة والثورة المذمومة
الثورة ليست (دائما) محمودة لكونها ثورة، كما هو مستقر في أذهاننا، لكنها قد تكون محمودة أو مذمومة.. فإذا كان النظام الذي أسقطته الثورة نظاما دكتاتوريا مستبدا، جاء بغير إرادة الشعب، يضطهد مواطنيه ويصادر حقوقهم التي كفلها الدستور، كانت "ثورة محمودة"، ضحاياها نبلاء وجرحاها أبطال، بشرط أن تنجح في إقامة نظام جديد، خالٍ من مساوئ النظام السابق، وتباشر بإصلاح ما أفسده النظام البائد فورا، وأن لا ينقلب قادتها بعضهم على بعض، أو يُصفي بعضهم بعضا.
أما إذا أسقطت الثورة نظاما مستبدا، ولم تُقِم نظاما يحترم الحقوق والحريات والقانون، فهي "ثورة مذمومة" بطبيعة الحال؛ لأن هذا يعني أنها لم تَقُم للتخلص من
الاستبداد، بل قامت ليستمر بوجوه أخرى، لصالح فئة مستبدة جديدة، وأنها لم تكن ثورة لاستنقاذ البلاد من براثن سلطة مستبدة، وإنما كانت "صراعا على السلطة"، استعار ثوب "الثورة"! وقد تصبح الأوضاع (في ظل النظام الجديد) أسوأ مما كانت عليه في ظل النظام السابق. وساعتئذ، لا مناص من وصف هذه الثورة بـ"المذمومة".
ويمكننا تعريف الثورة المحمودة (في بيئتنا الإسلامية)، على النحو التالي، والتعريف لي:
الثورة المحمودة: هي انتفاضة شعبية عارمة، ضد نظام شمولي مستبد، تحركها قيادة كفؤة راشدة متجانسة، تنجح في إقامة نظام جديد، يكون الحكم فيه لله، وتكون السيادة فيه للشعب.
(يُتبع)..