صحافة دولية

ديفيد هيرست: سيكون خاشقجي بمنزلة اختبار لبايدن

خاشقجي السعودية جريمة قتل- جيتي

اعتبر الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست، أن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ستكون اختبارا له، إن كان سيمضي في درب محاسبة السعودية أم لا.

 

وقال في مقاله في موقع "ميدل إيست أي" البريطاني؛ إن قضية خاشقجي لم تنته، وإنه يمكن اختصار مشكلة بايدن في كلمتين: جمال خاشقجي.

 

ودعا هيرست، بايدن، إلى مشاهدة فيلم "المنشق"، إن كان بحاجة إلى ما يذكره بمسؤولية ابن سلمان عن الجريمة، وفق قوله.

 

وأضاف وفق ما ترجمته "عربي21"، أنه "من الواضح أن الخطوة التالية لبايدن تتمثل في أن تطلب إدارته رسميا من الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل هيئة للتحقيق في الجريمة، ثم بناء على المعطيات التي يتم التوصل إليها، تعلن عن فرض عقوبات على المسؤولين عنها".

 

وتابع بأنه "كان مثل هذا الإجراء متاحا أمام تركيا التي وقعت الجريمة على ترابها، ولكنها وجدت نفسها معزولة من المجتمع الدولي"، متسائلا: "هل سيسير بايدن وبلينكين في هذا الدرب؟".

 

وأجاب: "سيفعلون لو كانوا صادقين فيما تعهدوا به".

 

 وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":

 

من حيث جلب قتلته للمثول أمام العدالة، ومن حيث إتمام ما بدأه من عمل، لم تنته بعد قضية جمال خاشقجي


لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن مشكلة تحول بينه وبين القيام بما يتحرق كل عصب وكل وتر في بدنه إلى فعله منذ أن تسلم منصبه كزعيم عالمي، ألا وهو استعادة علاقة العمل الطبيعية مع طاغوت المملكة العربية السعودية، ذلك الرجل الذي كان قد نعته ذات مرة بالبلطجي.
 
يمكن اختصار مشكلة بايدن في كلمتين اثنتين: جمال خاشقجي.
 
إذا كان بايدن بحاجة إلى ما يذكره بمسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن جريمة قتل الصحفي جمال، فليس هناك أفضل من أن يشاهد الفيلم الوثائقي "المنشق"، الذي أعد مادته البحثية بعناية فائقة برايان فوغيل.
 
يشتمل الفيلم على معلومتين اثنتين مفصلتين؛ إحداهما كنت قد كتبت عنها في حينه. أما الأولى؛ فهي أن جثة جمال خاشقجي تم جرها إلى داخل قاعة الاجتماعات في القنصلية السعودية حيث قطعت أوصالها، وتم تصوير العملية، أو الأدهى من ذلك، تم بث العملية بشكل مباشر. ولكن لمن؟
 
وأما المعلومة الثانية؛ فتتعلق بسطر ورد ضمن النص الذي تم تفريغه من الشريط الذي سجلته المخابرات التركية، وهو السطر الذي يرد فيه توجيه الفريق إلى وضع أجزاء من الجثة المقطعة في حقيبتين وتركهما جانبا، بينما يتم التخلص من بقية الأجزاء إما بإذابتها في حوض من الحامض داخل بئر يوجد تحت مرفأ السيارات التابع لمقر إقامة السفير المجاور للقنصلية، أو بحرقها داخل حفرة "زرب" (شواء). ولكن لماذا أعيدت الحقيبتان جوا إلى الرياض؟ ولمن؟
 
لحظات غير مريحة
 
باعتباره فنانا في الإفلات من القيود، لم يكن بايدن ليواجه سوى القليل من اللحظات غير المريحة نسبيا، إذا ما ذكره صحفي بالكلمات التي استخدمها أيام كان مرشحا للتصفيات داخل الحزب الديمقراطي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، حينما قال: "تعرض خاشقجي لجريمة قتل وقطعت أوصاله بأوامر من ولي العهد. سوف نرغمهم على دفع الثمن ونجعل منهم منبوذين".
 
لقد جمد بايدن مبيعات السلاح إلى المملكة العربية السعودية، ويدقق الآن في بيع مقاتلات أف 35 وطائرات مسيرة إلى الإمارات العربية المتحدة. كما وضع علاقته بالرياض رهن المراجعة وإعادة النظر.
 
ولكن دعونا لا نتفاءل كثيرا بأي من الإجراءين؛ فكلاهما قابل لأن يتم التراجع عنه.
 
وذلك أن وقف الحرب على اليمن يصادف إقبالا على ذلك من قبل السعوديين. فبعد مرور ستة أعوام عليه، مني التدخل الذي تقوده السعودية بفشل ذريع. صحيح أن الحوثيين فقدوا الجنوب والسيطرة على واحد من الموانئ، إلا أن أقدامهم راسخة في العاصمة وفي الشمال، ولم يتزحزحوا قيد أنملة من تلك الأماكن منذ أن سيطروا عليها قبل ستة أعوام، بل غدوا أكثر من أي وقت مضى أعظم قدرة على تهديد الخاصرة الجنوبية للمملكة. 
 
والأكثر من ذلك، أن الحوثيين وكذلك المليشيات المدعومة إيرانيا في العراق، لا يكفون عن قرع باب محمد بن سلمان ليذكروه بأنه مازال هدفا سهلا لطائراتهم المسيرة. وكانت آخر هجمات تعرض لها مجمع ملكي مهم في الرياض، قد شنت في الثالث والعشرين والسادس والعشرين من يناير (كانون الثاني)، حينها زعمت وسائل الإعلام السعودية أن الصواريخ أسقطتها الدفاعات الجوية التابعة للرياض، ولكنها صمتت ولم تذكر شيئا عن أهداف تلك الهجمات وما خلفته من آثار عليها، رغم أن أصوات انفجاراتها وسحب الدخان المنبعثة منها وصلت عنان السماء فوق العاصمة.
 
حينها أصدرت سفارة الولايات المتحدة تحذيرا أمنيا.
 
باتت هذه الحرب تستنزف الاقتصاد السعودي وتكلفه أكثر بكثير مما يُعترف به رسميا، ولا يرغب محمد بن سلمان في شيء أكثر من أن يرى بايدن يأمره بوقفها.
 
إشارات مختلطة
 
لا يعدّ التجميد المؤقت لمبيعات السلاح فقط الإشارة التي ترد من البيت الأبيض، بل أعلنت القوات الأمريكية أنها أيضا "تدرس إمكانية" استخدام قاعدتين جويتين في غرب المملكة في كل من الطائف وتبوك، وكذلك استخدام الميناء البحري في ينبع.
 
بإمكاني أن أفهم أن تقوم الأمم المتحدة بالرقابة والتفتيش وأن تفرض العقوبات، ولكن أن تقوم الولايات المتحدة بتوسيع رقعة وجودها العسكري في مملكته كوسيلة لجعل محمد بن سلمان يشعر بأنه منبوذ، فهذا أمر جديد علي. ولكن، دقق أكثر وستجد أن إدارة بايدن توشك أن تتراجع عن التهديد الذي أطلقه بايدن بأن يجعل من السعوديين "منبوذين" عندما كان مرشحا.

 
كان ملحوظا تجنب استخدام ذلك في المقابلة التي أجراها مع محطة إن بي سي هذا الأسبوع طوني بلينكين، الذي تم مؤخرا إقرار تعيينه وزيرا للخارجية. ندد بلينكين بجريمة قتل خاشقجي التي عدّها مقيتة، وقال إن واشنطن تعيد تقييم علاقتها مع الرياض لضمان أن تكون منسجمة مع مصالح أمريكا وقيمها.
 
ولكنه وصف المملكة العربية السعودية بالشريك المهم جدا، وتجنب الحديث حول الجريمة نفسها. وعندما سأله محاوره عن ذلك، لم يأت على ذكر الرجل الذي أمر بقتل خاشقجي.

 
الخيارات
 
هناك مسار واضح متاح أمام الإدارة الجديدة التي لا ريب في أن جريمة قتل خاشقجي المرعبة قد صدمتها. يذكر في هذا الصدد أن أفريل هينز، مديرة المخابرات الوطنية، تعهدت بنشر تقرير السي آي إيه السري حول من الذي أمر بقتل خاشقجي.
 
من الواضح أن الخطوة التالية تتمثل في أن تطلب إدارة بايدن رسميا من الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل هيئة للتحقيق في الجريمة، ثم بناء على المعطيات التي يتم التوصل إليها تعلن عن فرض عقوبات على المسؤولين عنها. كان مثل هذا الإجراء متاحا أمام تركيا التي وقعت الجريمة على ترابها، ولكنها وجدت نفسها معزولة من قبل المجتمع الدولي.

 
هل سيسير بايدن وبلينكين في هذا الدرب؟ سيفعلون لو كانوا صادقين فيما تعهدوا به.
 
لو كانت الإدارة الجديدة حريصة على الحفاظ على علاقاتها مع المملكة وفي الوقت نفسه إنزال العقوبة بحق قتلة خاشقجي، فإن الخطوة الأخرى التي يمكن أن تتخذها هي الضغط على الملك وعلى الأعضاء البارزين في العائلة الملكية حتى يخلعوا محمد بن سلمان من منصبه في ولاية العهد؛ أي إن بايدن لن يكون بحاجة إلى ترتيب انقلاب، وهو الأمر الذي يعدّ مغامرة بالغة الخطورة كما يقول أعضاء سابقون في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (السي آي إيه)، وفي البنتاغون (وزارة الدفاع)، على اطلاع جيد بأحوال المملكة السعودية.
 
في تقييم جيد الاطلاع، نقل عن مسؤول كبير سابق في عمليات السي آي إيه تعليقا على اكتشاف محمد بن سلمان لأي خطط للإطاحة به القول: "عليك أن تتذكر أن هؤلاء الناس (أي الأمراء) يموتون رعبا".

 
وفي المقال نفسه، نقل عن الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات العسكرية جيمس كلابر قوله: "لو كان المقصود نوعا من تغيير النظام، فسيكون ذلك خطوة جسيمة جدا، ولسوف يتوجب على صناع السياسة (في الولايات المتحدة) التدبر في ذلك بعناية فائقة وبعمق شديد، ووضع خطة طوارئ فيما لو لم تسر الأمور على ما يرام."
 
كل ما يحتاج بايدن لأن يفعله، هو اتخاذ موقف مبدئي والإعلان على الملأ أن الولايات المتحدة لا تؤيد أن يكون محمد بن سلمان هو الحاكم القادم للمملكة. وهذا بحد ذاته يكفي لأن يطلق تفاعلا داخل المملكة.
 
لدى الملك سلمان أبناء آخرون أعلى تعليما وأكثر خبرة من ولده المدلل محمد، فهناك من بين إخوته غير الأشقاء سلطان وفيصل، وهناك شقيقه الأصغر خالد. ومازال ابن عمه محمد بن نايف وابن عمه متعب بن عبدالله على قيد الحياة، وكذلك الحال مع عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز. وكل من هؤلاء يتمتع بدعم داخل الجيش وداخل الحرس الوطني.

 
يمكن لأي منهم أن يحل محل محمد بن سلمان في منصب ولي العهد فيما لو، وهذه لو كبيرة، كانت لديهم الثقة الكافية بأنهم يتمتعون بالدعم خارج المملكة حتى يقوموا بذلك. فبعد ما تعرضوا له من إهانة ومن سطو على ممتلكاتهم، ومن سجن وفي بعض الحالات من تعذيب، أجبر محمد بن سلمان بعض أفراد عائلته المقربين على الخضوع له، لم يبق بينهم وبين ولي العهد أدنى مودة.
 
إن بقاء محمد بن سلمان لا يستند لا إلى أيديولوجيا ولا إلى حركة، فهو يحكم بالرعب فقط لا غير، وهذا ما يعرفه الأمراء في عائلته ممن أتقنوا في الماضي فن البقاء على قيد الحياة، فهم الآن ينصاعون ويلتزمون بما به يؤمرون، ولكن إلى حين.

 
ولكن لا يمكن لأي تدقيق جاد في أوضاع المملكة السعودية التي تعاني من الوهن أن يعفي الولايات المتحدة مما لديها من نفوذ فيما يجري من أحداث يومية داخل البلاد، فالولايات المتحدة ليست مجرد متفرج يقف على الهامش لا حول له ولا قوة حينما يتعلق الأمر بشؤون المملكة السعودية، بغض النظر عن مدى نجاعة الدور الذي ستقوم به في أوضاع مثل هذه.
 
يتطلب التغيير السياسي داخل المملكة إشارة واضحة من واشنطن، وهكذا كانت باستمرار طوال تاريخها، وهكذا هي الآن. فهل سيعطون هذه الإشارة؟
 
العامل الإسرائيلي
 
 إذا لم يتوجه بايدن إلى الأمم المتحدة، ولم يصرح بأنه لن يدعم محمد بن سلمان كملك قادم، فإن إسرائيل ستكون هي السبب الرئيسي الذي يضطره للإبقاء على النهج نفسه الذي كان عليه سلفه دونالد ترامب.
 
لم يخف بايدن يوما دعمه لإسرائيل؛ ففي عام 1986، عندما كان عضوا شابا في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، قال بايدن: "لقد آن لنا أن نتوقف عن الاعتذار عن دعمنا لإسرائيل. فلا يوجد ههنا ما نعتذر عنه. بل إن الثلاثة مليارات دولار التي ندفعها لها هي أفضل استثمار نقوم به. ولو لم تكن إسرائيل موجودة لتحتم على الولايات المتحدة اختراع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة".

 
إضافة إلى القبول بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، والقبول بقرار ضم مرتفعات الجولان، يرث بايدن راغبا اتفاقيات أبراهام التي اعترف بموجبها عدد من الدول العربية بإسرائيل، مع أن وزارة الخارجية الأمريكية قالت إن صفقات التطبيع ليست بديلا عن السلام مع الفلسطينيين، إلا أن ذلك لا يغير الحسبة بالنسبة لجيل جديد من الطغاة العرب مثل محمد بن سلمان، الذي لا يزيد الفلسطينيون من وجهة نظره عن كونهم قضية لا تعنيه.

 
ما يحتاجه ويريده من إسرائيل هو السلطة.
 
وكان معلم الأمير الشاب، ولي عهد أبوظبي، قد رأى في إسرائيل، منذ وقت مبكر يعود إلى عام 2016، سبيلا لبسط النفوذ في المنطقة. وكما نشر موقع ميدل إيست آي حينذاك – وكان ذلك قبل عام من إطاحة محمد بن سلمان بابن عمه الذي يكبره في السن محمد بن نايف من منصب ولي العهد – حصل محمد بن سلمان الذي كان في الحادية والثلاثين من عمره على توجيهات واضحة حول كيفية الفوز بقلب واشنطن، ويصبح أميرها السعودي المفضل. لقد أخبره محمد بن زايد بأنه إذا أراد أن يفوز بتأييد واشنطن ويصبح ملكها المفضل، فإن عليه إنهاء "حكم الوهابية" في الداخل وكسب ود إسرائيل في الخارج.

 
كانت تلك نصيحة في منتهى الذكاء، فما كان من محمد بن سلمان إلا أن أخذ بها. وتمخضت تلك الزيارة الأولى عن توثيق محمد بن سلمان لعلاقته مع جاريد كوشنر ومن ثم مع دونالد ترامب نفسه. وبدأت علاقة ولي العهد بمدير الموساد يوسي كوهين وبرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أن يقوم بزيارته الأولى إلى تل أبيب للاجتماع سرا بهما شخصيا في سبتمبر (أيلول) 2017.
 
أثمر ذلك في العام الماضي إبرام اتفاقيات أبراهام، ولكن وكما نشرنا في حينه، فإن محمد بن سلمان، رغم أنه عضو مؤسس في ذلك الحراك، لم يحضر شخصيا لينال التكريم على دوره في إنجاحه. وهذه هي الصفقة التي بإمكانه الآن أن يبرمها مع بايدن، الذي لن يتخلى عن جانب إسرائيل.

 
بإمكان الولايات المتحدة من خلال اتفاقيات أبراهام أن تمضي في انسحابها المستمر من الشرق الأوسط، حيث سيتيح ذلك لإسرائيل القيام بدور دبلوماسي وأمني أوسع في البلدان العربية النائية عن جوارها المباشر. ولسوف يتحقق تتويج هذا المشروع من خلال اعتراف السعودية بإسرائيل ووجود المستشارين العسكريين الإسرائيليين بشكل دائم داخل المملكة العربية السعودية.

إن الطريق الوحيد الذي يضمن الوصول إلى هذا الهدف يمر عبر القصور في الرياض، التي سيحتلها محمد بن سلمان حينما يصبح الملك محمد. كان بإمكان بايدن على مدى عقود الادعاء بأنه من خلال دعم إسرائيل، فإنه يدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.
 
أما الآن، فلم يعد بإمكانه ذلك، لأنه بات واضحا بما فيه الكفاية أن تحالف إسرائيل لم يبرم فقط مع الطغاة العرب، بل ومع أشدهم سوءا، مع من هم أكثر قمعا وتسلطا وطغيانا من أسلافهم. لم تبرم إسرائيل تحالفا مع الشعوب العربية، التي لو سمح لها بحرية الاختيار في المسألة لاختارت الوقوف إلى جانب الفلسطينيين. ولذلك تعدّ اتفاقيات أبراهام مسمارا آخر يدق في نعش قضية الديمقراطية في العالم العربي، وهي خلاصة لا يمكن أن تخفى على ديمقراطيين مثل بايدن.
 
شخصية محورية
 
كان جمال خاشقجي شخصية أكبر بكثير في تاريخ المملكة العربية السعودية مما يدرك رفاقه المنفيون. لم يكن فقط واحدا منهم، رغم أن كل واحد منهم يسرد حكايات مشابهة لمحاولات إغرائهم، أو ترهيبهم وردعهم بوعود من الثراء، أو تهديدات لهم ولعائلاتهم.
 
في الشهور الأخيرة من حياته، وصل خاشقجي – متأخرا وبقدر كبير من التردد – إلى الاستنتاج بأن آل سعود محكوم عليهم بالهلاك، وقرر خاشقجي أن المؤسسة التي طالما والاها وأخلص لها، لم تكن قادرة على التكيف للتعامل مع أكبر التحديات التي تواجهها طوال حياته.

 
قد يتمكن آل سعود من تأخير الربيع العربي زقمعه، ولكن لن يكون بإمكانهم وقفه ولا التكيف معه ولا العيش في ظله. فعدا عما كان يكتنفه من ألم بسبب الغربة التي كان يكتوي بها، كانت تلك الحقيقة هي مصدر الحزن الشديد الذي كان يثقل كاهل خاشقجي، السياسي الوطني الذي عاش ومات حاملا لذلك الهم.
 
كان وصفه بالمقيم في الولايات المتحدة ينم عن سوء فهم، فهو لم يكن من النوع الذي يرضى بالاستقرار في فرجينيا، وأشك أن الوضع في إسطنبول سيكون مختلفا عن ذلك.

 
قبل عشرة أعوام في ميدان التحرير، الذي سارع خاشقجي بالسفر إليه، شاهد هناك ما عرف يقينا أنه حدث عالمي تاريخي لا قبل لأحد بوقفه. وبعد عشرة أعوام، لم يتسن إخماد تلك الطاقة العربية التي تحررت، والتفاؤل الذي تجلى في ذلك الميدان، إلا بحد أقصى من البطش وسفك الدماء.
 
وأدى ذلك البطش الذي مورس لسحق المعارضة إلى تمزيق البلدان التي كانت من قبل كتلا متماسكة. ولذلك في واقع الأمر، من حيث جلب قتلته للمثول أمام العدالة، ومن حيث إتمام ما بدأه من عمل، لم تنته بعد قضية جمال خاشقجي.

بالنسبة لبايدن ووسائل الإعلام الأمريكية التي تبنت قضيته، يعدّ خاشقجي اختبارا لهم جميعا.
 
فهل سيقومون بما هو صواب؟ هل سيدعمون الديمقراطية والديمقراطيين في العالم العربي، كما وعد أوباما، ولكن ما لبث من بعد أن فشل فشلا ذريعا في الأمرين؟ أم إنهم سيستمرون في ترك مصالح الولايات المتحدة وأعمالها في أيدي البلطجية؟
 
لقد أجبت عن سؤالي بنفسي، ولكني أود أن يجيب عنه بايدن وبلينكن بنفسيهما، فذلك ما يدينون به لصديقي المغدور.

 
 
(عن موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، مترجم خصيصا لـ"عربي21")