لا يتوقف المؤرخ الفرنسي بن جامين ستورا بعد شهر من صدور تقريره حول استعمار الجزائر، عن الترديد بأنه لم يشر إطلاقا إلى رفضه مسألة اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر.
وأصل الحكاية أن الرئاسة الفرنسية،
فور تسلمها التقرير وقبل أن تجعله متاحا للاطلاع، نشرت بيانا تؤكد فيه استبعاد تقديم
أي اعتذار للجزائر والاكتفاء فقط بالقيام بخطوات رمزية.
وفي اليوم ذاته، ذكر قصر الإليزيه
لوكالة الأنباء الفرنسية عبر مصادر غير معلومة، أن الندم أو التوبة غير واردين تجاه
الجزائر، ما جعل الكثيرين يعتقدون أن هذا القرار نابع من توصيات المؤرخ الفرنسي.
وبفعل هذا التوجيه الذي لازم
ظهور التقرير، سيطرت فكرة رفض الاعتذار على الأذهان سواء في فرنسا أو الجزائر، وأدت
إلى ظهور زوبعة من الانتقادات والهجوم على عمل المؤرخ الفرنسي.
وما عزّز ذلك في بادئ الأمر
أن ستورا نفسه، صرّح بأنه يعتقد أن مسألة الاعتذار هي فخ نصبه اليمين الفرنسي المتطرف،
لحجب الرؤية بموضوعية عن ملفات الذاكرة العالقة بين الجزائر وفرنسا.
وتشير فكرة المؤرخ الفرنسي المولود
بقسنطينة شرقي الجزائر، إلى استغلال اليمين المتطرف مطلب الاعتذار لتخويف الفرنسيين
وجعلهم يرفضون تماما فتح أرشيف جرائم بلادهم في الجزائر.
توضيحات ستورا
لكن ستورا أمام حدة الهجوم الذي
استهدفه، اضطر للتوضيح بأنه لا يعارض مسألة الاعتذار، مؤكدا أن شعار "لا اعتذار
لا توبة" الذي لُخص به عمله لا يوجد أبدا في دفتي التقرير.
وقال المؤرخ متوجها للجزائريين
عبر جريدة "ليكبريسيون" الناطقة بالفرنسية، إن تقريره المسلم للرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون عكس ما يتداول عنه، ينص بوضوح في الفصل الأخير، على أنه لا يوجد أي
اعتراض على اعتذار فرنسا للجزائر.
وأبرز ستورا، أن تقريره حمل
فقط تساؤلات عن جدوى هذه الخطوة، من خلال استحضار حالات في التاريخ، أبرزها اعتذار
الولايات المتحدة الأمريكية لفيتنام، والذي لم يمنع حسبه من إزالة التعصب في هذا البلد تجاه الأقليات من غير البيض.
اقرأ أيضا: الغارديان: مراجعة فرنسا استعمارها للجزائر لا تكفي دون اعتذار
وأشار المؤرخ المتخصص في تاريخ
الثورة الجزائرية، إلى أن الاعتذار فكرة سياسية، بينما استراتيجيته تقوم على التعريف
بالماضي الاستعماري الفرنسي المجهول لدى غالبية الفرنسيين عبر تغيير المناهج التربوية
والتعريف بالرموز الجزائرية التي قاومت الاستعمار وغيرها من الخطوات التي تفكك التعصب
الموجود في المجتمع الفرنسي مع الوقت.
وبدا ستورا متأسفا لسوء الفهم
الذي قوبل به تقريره، وأشار ضمنيا إلى مسؤولية الرئاسة الفرنسية، من خلال البرقية الأولى
لوكالة الأنباء الفرنسية التي ركزت على قضية الاعتذار بعيدا عما جاء في عمله.
حسابات ماكرون
وبحسب حميد غمراسة رئيس القسم
السياسي بجريدة "الخبر"، فإن قصر الإليزيه تعمد التركيز على مسألة الاعتذار،
من أجل قطع الطريق نهائيا على الجزائر في إمكانية افتكاك هذا المطلب.
وذكر الصحفي في تصريح لـ"عربي21"،
أنه لا يعتقد أن ستورا تعرض للخداع، لأن الرئاسة الفرنسية لم تشر إلى أن رفض الاعتذار
كان موجودا في تقريره، لكنها مع ذلك استغلت حدث تسليم التقرير لتعلن موقفها السياسي
الذي يتناسب مع حسابات الرئيس ماكرون الخاصة.
ويرى غمراسة أن التباين في النظرة
للاستعمار ما زال كبيرا بين الضفتين، فقطاع من النخبة الفرنسية يعتقد إلى الآن أن الاستعمار
ينطوي على جوانب إيجابية، ويرفضون الاعتراف بوقائع الاستيطان والقتل والتشريد الذي
تعرض له الجزائريون.
ولا يمكن فصل موقف الرئاسة الفرنسية،
عن حسابات الانتخابات الرئاسية المنتظرة بعد سنة، إذ يرتكز إيمانويل ماكرون في قاعدته
الانتخابية، على جزء من اليمين الحساس لمثل هذه القضايا التاريخية.
جدل في الجزائر
ومع أن الاعتذار يبدو مطلبا
واقعيا، قياسا للجرائم البشعة التي تعرض لها الجزائريون خلال الحقبة الاستعمارية، إلا
أن هناك من الجزائريين من لا ينادي به من منطلقات تختلف تماما عن الطرف الفرنسي.
وأوضح محمد هناد أستاذ العلوم
السياسية بجامعة الجزائر، أن الإلحاح في طلب الاعتذار من فرنسا يوحي، وكأن هذه الخطوة
بإمكانها أن تمحي آلام الجزائريين خلال الليل الاستعماري الطويل.
وذكر هناد في تصريح لـ"عربي21"، أنه حتى لو تقدمت فرنسا باعتذار للجزائر، فليس لأحد أن ينزل منزلة ضحايا الاستعمار ويقبل بالاعتذار في مكانهم.
اقرأ أيضا: مسؤول جزائري: على فرنسا تحمل مسؤولية تجاربها النووية
وأضاف أن هناك في الجزائر من
يستغل هذا الملف للمزايدة السياسية، مع علمه بأن مسألة الاعتذار غير واردة، لأن الجيل
الفرنسي الحالي يرفض تحميله تبعات ما قام به أجداده.
عكس هذه النظرة، يقول ناصر حمدادوش
مسؤول الإعلام بحركة مجتمع السلم، إن ثلاثية الاعتراف والاعتذار والتعويض هي حقوق تاريخية
تتجاوز الحسابات السياسية والظرفية.
وأبرز حمدادوش، في تصريح لـ"عربي21"
أن "هذه قضية دولة وليست قضية سلطة، وهي قضية شعب وليست قضية حكومة، وهي حقوق
تاريخية لا تسقط بالتقادم، ولا يملك أحد شرعية التنازل عنها".
وفي رأي النائب البرلماني، فإنه
يجب فصل ملف الذاكرة عن المسارات السياسية والعلاقات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية،
لأنها تمثل حالة إجماع وطني في الجزائر، وهي ليست مجرد نزاع مسلح على أرض متنازع عليها
كما يحاول تصويرها ستورا في التقرير الفرنسي.
معارض إماراتي يطلق حملة لرفع حظر السفر عن ابنه المريض
قانون انتخابات الجزائر: نمط جديد ومساواة بين الجنسين في الترشح
ترقب لقانون انتخابات الجزائر.. هل سينهي عهد التزوير والفساد؟