أرجع الكاتب الروسي ألكسندر نازاروف، في مقال له نشره موقع قناة روسيا اليوم، صعود ما سماها بـ"الإسلاموية" أو "الإسلاميين " في العقود الأخيرة بالبلدان العربية، ولا سيما خلال الربيع العربي، لبروز متناقضين رئيسيين هما : "عدم المساواة المتزايد وانتشار القيم الغربية التي أثارت الاحتجاجات في المجتمعات العربية المحافظة".
ولفت نازاروف إلى أن هذين المتناقضين خلقا تناقضا حتميا بين النخب الحاكمة الثرية الواقعة تحت تأثير الثقافة الغربية، التي تسعى جاهدة كي تصبح جزءا منها، وبين الجماهير الغفيرة الفقيرة من الشعوب المحافظة المرتبطة بجذور ثقافاتها المحلية.
وقال؛ إن النخب المنعزلة عن شعوبها أدت دورا "أقرب إلى وكلاء للغرب في المستعمرات، بدلا من دور القادة الحقيقيين لأمة كانوا غرباء عنها، بل ويحتقرونها في معظم الأحيان".
وأشار إلى أن رفاهية هذه النخب "لا تعتمد على تحسين الرفاهية وظروف الرخاء لأمتهم، وإنما على نجاحهم في أداء وظيفتهم على الوجه الأكمل، في إطار النظام الاقتصادي العالمي الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية".
وقال؛ إنه بعد تشويه سمعة "الاشتراكية"، بدأ الشارع العربي "يرى في الإسلام الوصفة الوحيدة الممكنة لحل التناقضين المذكورين".
ولفت إلى أن استمرار هذين المتناقضين سيدفعان دوما بالشعوب لتكرار محاولات إحياء الثورات الإسلامية في الدول العربية، دون أن تحقق نجاحا كبيرا، لكنه استدرك بالقول: "الإسلاموية، كشكل من أشكال الاحتجاج، ليست في حد ذاتها طريقة فعّالة لتنظيم المجتمع الحديث، وهو ما جعل الفشل الاقتصادي والإداري للإخوان المسلمين في مصر أمرا طبيعيا".
لهذا، فنحن أمام دائرة مفرغة، حيث يصبح المرض ومحاولات علاجه مدمّرة وغير مجدية اقتصاديا بالقدر نفسه. وسوف تظل المجتمعات العربية داخل هذه الحلقة، محكوما عليها بالتخلف اقتصاديا عن بقية العالم.
اقرأ أيضا : كيف تجاوز السيسي مشهد تنحي مبارك وضمن ألا يتكرر معه؟
في الوقت نفسه، وفي إطار هذه الأنظمة، فإن كثيرا من الدول العربية محكوم عليها أيضا بالأنظمة القاسية، لأن النخب الغريبة عن شعوبها في حاجة دائمة إلى العنف والقمع، حتى لا تسمح للتناقضات المذكورة بالنضوج على شكل ثورة.
وقال؛ إن من بين المفارقات أن تصدير الغرب لوصفاته بشأن "الديمقراطية" والقيم الغربية، التي يفترض فيها الديمقراطية، مثل ثقافة الـ LGBT على سبيل المثال، لا يفضي سوى إلى مزيد من الديكتاتورية في البلدان العربية؛ نظرا لأن الفجوة والمواجهة بين الشعوب ونخبها تزداد اتساعا.
وكلما أرادت النخب الموالية للغرب تنفيذ المزيد من "الديمقراطية" الغربية، انحسرت الديمقراطية الحقيقية في الدول العربية. بل وسوف يكون رد فعل المجتمع بمنزلة مزيد من الراديكالية الإسلامية.
وقال: "بالتزامن، فإن هناك مخرجا لهذه الأزمة، ويبدو أن الأمة العربية لديها فرصة في استخدامه للفكاك منها، فالاقتصاد الحديث يتطلب ضخامة في الحجم، أي إن الأنظمة الاقتصادية الضخمة للغاية فقط هي التي تتمتع بالقدرة التنافسية، بمعنى أن الدول الصغيرة لن تستطيع أن تكون ناجحة اقتصاديا إلا من خلال كونها جزءا من مثل هذه الأنظمة الاقتصادية الضخمة، مثل ما نراه في الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.
وأشار إلى أن الدول العربية، وبما فيها مصر أيضا، هي دول صغيرة اقتصاديا، ومدرجة في النظام الأمريكي كمستعمرات، على الرغم من حقيقة امتلاكها سياسيا صفات الدول المستقلة.
وقال؛ إن الفرصة الوحيدة لبناء نظام لا يحمل التناقضات المذكورة أعلاه، هي مشروع قومي عربي يعطي الحجم الضروري للاقتصاد، مقترنا إما بعنصر اشتراكي أو إسلامي، أو مزيج منهما، ما يضمن عدالة أكثر في توزيع الثروات بين النخب والشعوب، على أن يكون هذا المشروع معزولا بشكل كافٍ عن الغرب، وفي الوقت نفسه ألّا يقع في فخ الراديكالية الإسلامية أو الاشتراكية الشاملة.
وختم بالقول: "على الرغم من أن العرب يمتلكون البذرة التي تصلح كي تكون جنينا لمثل هذا النظام، إلا أن جامعة الدول العربية بشكلها الحالي، مع الأسف، ليست الآلية الفعّالة للتطوير في هذا الاتجاه، كما أنه من غير الواقعي التخلّص من النظام العالمي اقتصاديا في ظل الظروف الراهنة".
ومع ذلك، وكما أسلفت، فإن الأوضاع تتغير. وقد بدأ نظام العولمة الذي بنته الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل في الانهيار، ومحاولات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في العزلة عن العالم موضوعية ومنطقية، وسوف تستمر حتى من دون ترامب.
لكن العالم الجديد بعد هذه الأزمة سوف يكون متعدد الأقطاب، من دون اقتصاد أمريكي في مركزه. وبمرور الوقت، ستحل الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية، لكن العرب لديهم الوقت والفرصة لبناء نظامهم القومي العربي على أنقاض النظام القديم، حيث تمتلك الدول العربية مجتمعة الاقتصادات الكافية لمثل هذا المشروع.