في زيارة هي الأولى من نوعها، يستعد
العراق لاستقبال بابا الفاتيكان
فرنسيس في آذار/ مارس المقبل، حيث سيلتقي خلالها بالمرجع الشيعي في مدينة النجف علي
السيستاني، وتوقيع "وثيقة الإخاء" بين الطرفين.
الزيارة أثارت تساؤلات عدة حول دلالات اختيار بابا الفاتيكان للعراق،
وكذلك أسباب رغبته بلقاء السيستاني دون غيره من المراجع، وما الذي يمكن أن يُبنى على
ذلك في المستقبل؟
"زيارة سلام"
وتعليقا على الموضوع، رأى رئيس لجنة الأوقاف الدينية في برلمان العراق،
حسين اليساري أن "زيارة رجل سلام مثل بابا الفاتيكان، ولقائه بالمرجع علي السيستاني
في النجف، سيكون لها الأثر في الشارع العراقي على اللحمة الوطنية".
وأوضح اليساري في حديث لـ"عربي21" أن "اللقاء سيشهد
تلاقحا في الأفكار بين بابا الفاتيكان والمرجع السيستاني حول السلام في المنطقة والعراق
الذي هو بأحوج ما يكون إليه، إذ إن البلد يعيش فيه مختلف الأديان والطوائف".
وأكد النائب العراقي أن "الزيارة لا يمكن فصلها عن الموضوع السياسي،
لأنه إذا كان هناك سلام في العالم، فبالتأكيد له الأثر الكبير على السياسة والعلاقات
الدولية".
لكن اليساري استدرك قائلا: "المرجعيات الدينية في العراق ينظر
إليها من منظار إنساني وأخوي لفرض واقع التآخي في جميع الدول، ونحن لا ننظر إلى المرجع
ورجل الدين من مدخل سياسي، وتفسيراتها السياسية".
وتابع: "تقييمنا لمساحة هذا المرجع أو ذاك من خلال تأثيره على
الشارع بالأجواء الإصلاحية والتقارب بين المذاهب، وهذا تفسيرنا بخصوص من هو المرجع
الأعلى، وتأثيره".
وعن أسباب اختيار بابا الفاتيكان، لقاء المرجع الشيعي بالنجف، قال اليساري
إن "السيستاني كان له أثر واضح في الساحة السياسية ببعدها الإقليمي والدولي، وله
دوره في الحرب ضد تنظيم الدولة، ونبذه للطائفية وضرورة التوحد والعمل للإنسانية ككل".
"ملف المسيحيين"
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، غانم العابد، إن "الزيارة
هي للتقارب بين الأديان وتقريب وجهات النظر وإبعاد النعرات الطائفية عن العراق الذي
يضم مكونات وطوائف وأقلية مسيحية".
ورأى العابد في حديث لـ"عربي21" أن "زيارة بابا الفاتيكان
الأولى إلى العراق تعزز العلاقات بين البلدين، فالفاتيكان وإن كانت مرجعية ديانة، لكنها
في الوقت نفسه دولة، ولها علاقات مع دول العالم".
واستبعد الخبير في الشأن العراقي "وجود أي بعد سياسي للزيارة،
لكن التقارب بين الأديان مطلوب وضرورة، وخصوصا أن بابا الفاتيكان سيزور مع النجف، العاصمة
بغداد ومدينتي أور والموصل".
وأوضح العابد أن "الأقلية المسيحية تعرضت للتهجير من الأطراف المتطرفة
السنية والشيعية، واستولوا على ممتلكاتهم"، لافتا إلى أن "بابا الفاتيكان
وتوصية الحكومة العراقية للاهتمام بهذه الأقلية، هي إحدى أسباب الزيارة".
"تنافس مرجعيات"
وبخصوص تفسيرات كاتب إيراني بأن الزيارة تظهر التنافس بين حوزتي قم
والنجف، قال العابد إنه "مع كل تقارب وانفتاح للعراق سواء على الأديان أو الدول
العربية والأجنبية نشهد أصواتا إيرانية تسعى لعرقلة هذا الشيء".
ورأى العابد أن "الهدف من ذلك (الأصوات الإيرانية) حتى تبقى إيران
مسيطرة على البلد، رغم أن غالبية الشيعة في العراق يقلدون السيستاني ومرجعية النجف
دينيا، ولا يقلدون مرجعية خامنئي الإيرانية".
وكتب الإعلامي والكاتب الإيراني، مهدي نصيري، في تغريدة على "تويتر"،
الثلاثاء، أن "استقبال آية الله السيستاني لزعيم الكاثوليك بالعالم في النجف يعني
تقدم حوزة النجف التقليدية على حوزة قم الحديثة في فهم الأولويات العالمية، واستثمار
الدبلوماسية الدينية".
"وثيقة الأخوة"
وبحث رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الثلاثاء، مع سفير الفاتيكان
في بغداد ميتغا لسكوفر، ترتيبات الزيارة المقررة للبابا فرنسيس إلى العراق الشهر المقبل.
ونقل بيان لمكتب الكاظمي تأكيده أن "زيارة قداسة البابا ستسهم
في ترسيخ الاستقرار وإشاعة روح التآخي في العراق وفي عموم المنطقة، وإن جهود قداسته
مشهود لها حول العالم في الحد من الصراعات، وتغليب الحكمة والعقل وإعلاء قيمة الإنسان،
فوق كل المصالح السياسية والنزاعات والحروب".
وكشف سفير العراق المعتمد لدى الفاتيكان رحمان العامري، أن زيارة البابا
فرنسيس المرتقبة إلى العراق هي بمثابة رسالة سلام إلى العالم، مرجحا توقيع وثيقة للأخوة
الإنسانية بين المرجع الديني علي السيستاني والحبر الأعظم تسمح بترسيخ علاقات الثقة
المتبادلة بين جميع المكونات.
وذكر العامري في تصريح صحفي، الثلاثاء، أن "الرسالة التي تتضمنها
زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق هي دعم سبل الحوار بين الأديان، إذ يرغب البابا في
تعزيز الحوار والعيش المشترك بين جميع المكونات الدينية، سواء بين الكنائس، أو من خلال
العلاقات الإسلامية المسيحية".
ولفت إلى أن "بابا الفاتيكان سيعقد لقاء خاصا مع السيستاني، لبحث
قضايا الحد من التطرف ونبذ الكراهية وإشاعة قيم السلام ومؤازرة سكان المناطق المحررة
بسبب المصاعب التي واجهتهم، خاصة سكان سهل نينوى والموصل والمدن المجاورة، الذين تم
تهجيرهم في أعقاب الأعمال الإرهابية التي نفذها عناصر تنظيم الدولة في ذلك الوقت".