ألقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الخميس خطابا كان منتظرا بشكل واسع، إذ سبقته تسريبات حول أهميته. الخطاب يأتي في سياق الذكرى الثانية لحراك 28 شباط/ فبراير الجزائري، الذي وصفه تبون في الخطاب بأنه "مبارك" و"أصيل" و"نفتخر به"، وأنه "أنقذ الجزائر من مأساة كان سيدخل فيها".
تبون الذي غاب لأسباب صحية عن الأنظار لفترة طويلة في الخارج اضطر لتأجيل عدد من القرارات، وأصبح هاجس كورونا وخاصة الحجر الصحي الذي استمر تقريبا لعام، وآثاره الاقتصادية السيئة المتوقعة المضاعفة بسبب أسعار البترول (رغم عودتها للارتفاع مؤخرا)، هو الهاجس الرئيسي. الخطاب يعيد استئناف مسار سياسي فرضه الحراك الشعبي ويبني عليه، في مقاربة تبدو إصلاحية وبالتدريج أكثر فأكثر.
الخطاب يعيد استئناف مسار سياسي فرضه الحراك الشعبي ويبني عليه، في مقاربة تبدو إصلاحية وبالتدريج أكثر فأكثر
القرارات الأكثر رمزية في علاقة بالحراك ومطالبه هي اثنتان أساسا؛ أولا إطلاق سراح حوالي سبعين سجينا من سجناء الاحتجاجات الشعبية، بعضهم تمت في خصوصهم أحكام بالسجن والبعض لا يزال في حالة إيقاف دون محاكمة، والثاني حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان) وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة ستحدث على الأغلب في نيسان/ أبريل القادم، بعد أن كانت مبرمجة سنة 2022.
أشار تبون إلى أهمية مشاركة الشباب في
الانتخابات، وهو ما يوحي بأنه سيدفع نحو تجديد جزء من الطبقة السياسية، وأشار إلى تكفل الدولة بجزء من مصاريف الحملة الانتخابية حتى لا تقع الانتخابات تحت ما أسماه "تأثير المال الفاسد وغير الفاسد". كما أشار إلى ما ورد في التعديلات الدستورية الأخيرة حول أن حق التنظم السياسي لم يعد مشروطا بالترخيص؛ بل يخضع الآن للإعلام فقط. الخطاب أشار أيضا إلى أن الطرف الوحيد المعني بتنظيم العملية الانتخابية هي الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات، وأكد أنه حتى هو كرئيس للسلطة التنفيذية لن يتدخل في العملية. وذكر أيضا أن الدستور قلص من صلاحيات الرئيس لمصلحة نواب المجلس التشريعي. كل هذه الإشارات تهدف إلى التشجيع على المشاركة بقوة في الانتخابات التشريعية.
ورغم أن الحراك فقد ألقه وديناميكيته في الشارع، فإن العقل السياسي في السلطة في الجزائر يستشعر على الأرجح استعادة واستئناف حركيته؛ إن لم تحصل إصلاحات وإعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة، خاصة إزاء احتمال حصول تحركات شعبية بسبب الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي ستتزايد في الفترة القادمة.
العقل السياسي في السلطة في الجزائر يستشعر على الأرجح استعادة واستئناف حركيته؛ إن لم تحصل إصلاحات وإعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة، خاصة إزاء احتمال حصول تحركات شعبية بسبب الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية
من الناحية السياسية، القرارات الواردة في الخطاب تبدو خطوة استباقية لاحتواء أي غضب شعبي واحتقان اجتماعي؛ عبر توفير آليات أكثر مرونة لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية.
من الواضح أن تبون يربط في الخطاب بين مكافحة
الفساد السياسي، خاصة في المتصل بكارتيلات المال في الجزائر (التي تهرب الأموال إلى الخارج)، ودفع الاستثمار الوطني حتى يسمح بمجال جديد لخلق الثروة يبدأ في تحرير الجزائر من هيمنة اقتصاد الطاقة.
في الشأن الخارجي، أكد تبون على المواقف المعتادة في خصوص القضايا الإقليمية الأساسية، مع تركيز واضح في البداية على تثمين
التوافقات الليبية الأخيرة، واعتبار أن ذلك تزامن مع عودة الجزائر للساحة الإقليمية، خاصة تأكيده على أن الحل يجب أن يكون ليبي- ليبي، والتأكيد على أن "الصحراء الغربية آخر مستعمرة في أفريقيا"، وهي لهجة قوية تستعيد أجواء الاحتقان مع المغرب، والإشارة إلى "القضية المقدسة قضية فلسطين"، في تلميح لرفض التطبيع والمسافة من القرار المغربي في التطبيع، وهو الموقف المتطابق تقريبا مع
تونس.
من زاوية تونسية، لا يمكن إلا أن نرتاح إلى أي توجه جزائري لضمان استقرار على قيادة إصلاح الأوضاع السياسية واستباق أي أزمات اجتماعية. تونس تحتاج جارا جزائريا قويا لمواجهة صعوبات اقتصادية وجيوسياسية وأمنية (احتمالات عودة الارهاب)، ولكن أيضا داخلية سياسية صعبة، بالضبط مثلما تحتاج الجزائر استقرارا في تونس، خاصة إزاء تصاعد سخونة الوضع مع جارتها المغرب، والتطورات في منطقة الساحل.
هذه المصلحة المشتركة في تحصين الاستقرار مرتبطة أيضا بالعلاقة القوية الواضحة بين قيس سعيد وعبد المجيد تبون، حيث من الواضح أن بوابة الرئيس الجزائري في تونس هي نظيره التونسي (وهو أمر مختلف نسبيا عما كان عليه الوضع أيام الرئيس بوتفليقة الذي كان في تواصل مع قائد السبسي والغنوشي في نفس الوقت)، مع كل ما يعنيه ذلك من تأثير على الرؤية الجزائرية للأزمة السياسية الراهنة في تونس.
وقد كان من المنتظر أن يلتقي الرئيسان في إطار زيارة الرئيس تبون لتونس مع وفد حكومي كبير، وهي الزيارة التي تم تأجيلها لمرض تبون، ولا يبدو أنها ستحصل قريبا بسبب تعطل الحكومة
والأزمة السياسية في تونس. في كل الحالات، مما لا شك فيه أن الجزائر ستتنبه أكثر من أي وقت مضى الآن للوضع في تونس.
twitter.com/t_kahlaoui