فيما كان المؤتمر العربي العام "متحدون ضد
التطبيع"، والذي انعقد عبر تطبيق "الزوم" الإلكتروني على مدى يومي 20 و21 شباط/ فبراير 2021 وحضره 528 مشاركاً من معظم الأقطار العربية؛ ينهي أعماله، ورد خبر رحيل المناضل
أنيس نقاش بعد صراعه الأليم مع مرض كورونا وهو في أحد مستشفيات دمشق. ورغم أنه ليست هناك علاقة مباشرة بين الحدثين، لكن الملفت أن مؤتمر مقاومة التطبيع كان عنوانه الأساس العودة إلى
فلسطين، وإلى أن الأولوية اليوم للقضية الفلسطينية في الصراع في المنطقة، وأن المناضل أنيس نقاش وهو اللبناني والبيروتي المولد كان شعاره الدائم: القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الصهيوني ومواجهة المشروع الأمريكي هي الأولوية في أي مشروع نضالي، وكان هدفه الدائم توحيد جبهات النضال أمام الكيان الصهيوني المدعوم أمريكيا.
فماذا عن معركة مقاومة التطبيع؟ وماذا عن مشروع أنيس نقاش لتوحيد الجبهات
المقاومة والكونفدرالية المشرقية ومجلس السلم والتعاون؟ وهل يمكن أن تعود فلسطين محورا للصراع في المنطقة ولتوحيد جهود كل القوى، وتساهم مجددا في وقف الصراعات والحروب الداخلية؟
أهمية المؤتمر العربي العام لمقاومة التطبيع، والذي دعت إليه المؤتمرات العربية الثلاثة (المؤتمر القومي العربي، المؤتمر القومي/ الإسلامي، المؤتمر العام للأحزاب العربية)، ومؤسسة القدس الدولية، والجبهة العربية التقدمية، واللقاء اليساري العربي، أنه جمع عددا كبيرا من المناضلين والناشطين والقيادات المقاومة من مختلف الدول العربية، وحتى تلك التي دخلت مؤخرا في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وخصوصا المغرب والسودان والبحرين، وكان أحد المشرفين على إعداده المناضل خالد السفياني المنسق العام للمؤتمر القومي- الإسلامي، وهو من المغرب.
وقد تحدث في جلسات المؤتمر عدد من قادة حركات المقاومة والأحزاب والمؤتمرات والاتحادات والمؤسسات والمرجعيات الدينية، الإسلامية والمسيحية، وهيئات مناهضة التطبيع، في تكامل مميّز بين معظم ألوان الطيف العقائدي والفكري والسياسي الفاعلة في معظم أقطار الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
في الجلسة الأولى كانت كلمات لعدد من قادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية والأحزاب العربية، شددّوا فيها على اعتبار التطبيع الذي أقدمت عليه بعض الحكومات العربية طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني والأمة العربية ونضالهما من أجل تحرير الأرض واستعادة الحقوق، كما دعوا لانخراط كل القوى الحية في الأمة وأحرار العالم في هذه المعركة ضد اتفاقات التطبيع القائمة والمقاومة، واعتبارها جزءاً من مواجهة "صفقة القرن" التي سبق أن انعقدت لمواجهتها مؤتمرات وملتقيات تحت عنوان "متحدون ضد صفقة القرن".
ومن أهم الموضوعات التي طرحت في المؤتمر: "التطبيع: المواجهة والتحدي.. مقاربة متكاملة"، و"التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى السياسي"، و"التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى الاقتصادي"، والتطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى الأمني والعسكري"، و"التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى القانوني والحقوقي"، حيث جرى نقاش قانوني مستفيض حول جوانب المعركة القانونية ضد التطبيع وجرائم الحرب الصهيونية، و"التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى الإعلامي والثقافي"، و"التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى النفسي والثقافي"، و"التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى التربوي والأكاديمي"، و"التطبيع: الواقع والمواجهة على المستوى الشعبي". ثم قدم عدد من مناهضي التطبيع أوراقاً حول تجارب بلدانهم في مواجهة التطبيع.
هذا المؤتمر يشكل محطة مهمة في الاتجاه الصحيح لإعادة تصحيح مسار الصراع في المنطقة، ولإعطاء الأولوية في مواجهة المشروع الأمريكي- الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية وتحويل الكيان الصهيوني إلى دولة طبيعية في المنطقة.
لكن بموازة ذلك نحتاج اليوم لرؤية جديدة من قبل كل القوى والدول في المنطقة من أجل وقف الصراعات والحروب الداخلية، ومن خلال ذلك ندخل على المشروع الذي طرحه وحمله مؤخرا المناضل أنيس النقاش والمرتكز على عدة عناوين أساسية، ومنها:
أولا: توحيد القوى الجهادية في المنطقة في كل الساحات، وإعادة الاعتبار للصراع مع الكيان الصهيوني كأولوية.
ثانيا: ضرورة الإصلاح الداخلي في كل بلد من أجل قيام دولة حقيقية بعيدا عن الفساد والقهر والظلم، وإعطاء الأولوية لبناء اقتصاد قوي وتحقيق التنمية الحقيقية، والاستفادة من كل التطور العلمي والتكنولوجي.
ثالثا: قيام ما يسمى الكونفدرالية المشرقية والتي تتمثل بتعاون كل دول المنطقة، ولا سيما الدول العربية مع إيران وتركيا، والانفتاح على دول الشرق الآسيوي. وقد أطلق ما أسماه "مجلس السلم والتعاون" لتحقيق هذه الرؤية.
وقد جسّد المناضل أنيس نقاش في سيرته الشخصية ما كان يطرحه من أفكار، فهو اللبناني المولود في بيروت، وحمل لواء فلسطين والمواجهة مع الكيان الصهيوني منذ بدايات وعيه، وقام بالعديد من العمليات الأمنية والعسكرية من أجل فلسطين، وساهم في التواصل الإيراني- الفلسطيني، وفي جعل القضية الفلسطينية إحدى أولويات الشعب الإيراني والقيادة الإيرانية. كما أنه تجاوز كل الخلافات المذهبية والقُطرية والحزبية، ليكون جسر تواصل بين المقاومين والمناضلين بعقل منفتح واستشرافي، وكان يقدّم الملاحظات النقدية بجرأة عالية رغم التزامه بثوابته الاستراتيجية.
وقد تكون بيانات النعي له والمواقف والمقالات والتعليقات التي كتبت عند رحيله؛ مؤشرا لحجم الدور الذي قام به متجاوزا الحدود القُطرية والخلافات الحزبية أو الفكرية.
وما بين قيادة معركة مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني ورحيل المناضل أنيس النقاش، نحتاج جميعا لإعادة تقييم كل واقعنا، وإعادة تحديد الأولويات. وإذا كانت القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الصهيوني والمشروع الأمريكي وتحقيق الاستقلالية للدول العربية والإسلامية والتعاون والتكامل فيما بينها؛ هي الأولوية، فإن ذلك يجب أن يدفعنا جميعا للقيام بمراجعة نقدية لكل ما حصل في السنوات العشر الأخيرة، والاستفادة من الدروس والتجارب التي تحققت لعلنا نستهدي إلى الطريق الصحيح.
وقد تكون تجربة المناضل أنيس نقاش إحدى المحطات التي علينا أن نستعيدها لعلنا نستعيد الزمن الجميل، زمن وحدة النضال والمسيرة في مواجهة الكيان الصهيوني ومن يدعمه في المنطقة أو العالم.
twitter.com/KassirKassem