قضايا وآراء

البيتكوين والعملات الافتراضية الرقمية تتصدر المشهد الاقتصادي القادم

1300x600
العملات الرقمية الافتراضية المشفرة الشغل الشاغل في عالم المال والأعمال، وحديث الناس والصالونات الاقتصادية والمالية، وعنوان خوفٍ للعديد من البنوك المركزية العالمية. تلك العملات تنوعت أسماؤها وصفاتها، إلا أنها عملة افتراضية غير موجودةٍ بشكل ملموس مادي محسوس، تجوب الفضاء الالكتروني وتهز الأسواق؛ من بضع سنتات إلى ما يقارب الستين ألف دولار لكل وحدة بتكوين والآتي أعظم.

تلك العملات الفالتة من عقال السلطات المركزية للحكومات في زمن السرعة، فلا سلطة تحكمها أو تقيد نشاطها وحركتها المربوطة أصلا بلا مكان، وكل ما يربطها بالواقع الفعلي هو البلوك- شين والذي هو دفتر حسابات الكتروني يسجل ويضبط قيم العملات الرقمية المشفرة ويحافظ على تسجيلها.

وللمناسبة، فقد كانت الإطلالة الأولى مع ثمانينيات القرن المنصرم عبر عالم الحاسوب ديفيد تشوم، حيث تمت تشفيرات خاصة تحمي خصوصيات مستخدمي المدفوعات الالكترونية لجعلها محمية من التعقب، كذلك قدم ورقة عمل كاملة عن العملات الرقمية والتي شكلت اللبنة الأولى لعلم رقمنة العملات.

بدأ مشوار التحول إلى العملات الرقمية والمزايا كثيرة..

لقد بدأ مشوار العملة الرقمية الذائعة الصيت، بيتكوين، مع ساتوشي ناكاموتو الذي لا نعرف له صوتا ولا صورة، ليبدأ تغير جديد في علم التداول المالي وتأتي بعدها عملات رقمية شتى، من أمثال ليتكوين وايثريوم وداش وغيرها، والتي فاقت قيمتها التريليون دولار بعدما كانت لا تساوي أكثر من 50 دولارا. والسؤال هنا: ما هي مميزات البيتكوين والعملات الرقمية؟

إن أولى المزايا في العملات الرقمية هي أنها تلغي كل الأطراف، لتتم الصفقات بين طرفين دون تدخل من جهة أخرى تلعب دور الوسيط، وتاليا قتل دور الرقيب والحسيب وضرب مفهوم العقوبات الاقتصادية على الأفراد والدول عبر رقابة البنوك المركزية. فهل تكون الرقمنة ملاذا لإيران وفنزويلا للتخلص من سطوة العقوبات الأمريكية؟

كذلك فإن العقود الذكية وإلغاء دور المؤسسات الرقابية هي مزايا رئيسية في البلوك تشين، وهي بذلك ترغب في التقليل من المصاريف والتكاليف وحتى مدة تنفيذ الصفقات ذاتها التي تتم بلمح البصر، إضافة إلى أنه في عالم العملات الرقمية الرقابة غير موجودة والخصوصية عالية جدا. فرغم أنه يمكن تعقب صفقات تحويل الأموال وكل منها تحمل رقما تسلسليا خاص ابها وهناك مواقع تعرضها للعلن، إلا أنها لا تعرض من هو صاحب المحفظة الرقمية المرسل ومن هو صاحب المحفظة الرقمية المرسل إليه، وتاليا لا تعقب مع سرعة في التحويلات بلا تعقيدات، علما أنه حتى الساعة بيتكوين لا مجال للرقابة فيها، وهي ترفض كل أشكال التحكم والتوجيه حاليا، وقد يتغير الحال قليلا مستقبلا لتتوافق مع الشفافية المطلوبة في النظام المالي.

ومن الصحيح أن منصات تداول العملات الرقمية وتنفيذ عمليات البيع والشراء تتطلب اقتطاع رسوم معينة، إضافة إلى أن بعض خدمات المحافظ الرقمية تتطلب بعض الرسوم، لكن في النهاية تكاليف الخدمة أقل بكثير من تكاليف البنوك والتحويلات على أرض الواقع مما يضيف ميزة إضافية لها.

ومن الجدير ذكره أنه باستخدام آلية البلوك تشين، يمكن إجراء التحويلات والمعاملات عبر الحدود دون مضاعفات بسبب تقلبات أسعار صرف العملات في زمن ضعف الدولار، صاحب 60 في المئة من احتياطيات العملات في العالم، ما يشجع أكثر في التوجه للعملات الرقمية. إضافة إلى ذلك فإن دولا بعينها أخذت التوجه نحو تشريع العملات الرقمية، ومنها الصين التي ترغب بزعزعة الدولار عن عرشه، مع علمها بصعوبة المهمة التي قد تستغرق سنوات، لكن مع حرب كوفيد 19 وحِزم التحفيز الأمريكية والحرب القائمة للدولار مع التعويم والتضخم قد تكون المهمة أسرع وأسهل، خاصة أن الخوف على الدولار أصبح حقيقة مؤكدة، لا سيما مع توالي الأزمات منذ 2008، حيث الانهيار الشهير الذي كان أضعاف أزمة الكساد العالمي عام 1929، والحروب المتنقلة التي لا تنتهي، ورغبة الدول في الالتفات من العقوبات المالية عليها.

وللتأكيد، فقد عمدت الصين إلى تداول اليوان الرقمي الصيني (دي سي أي بي) في أكثر من مدينة صينية كبرى، ووصل تداوله إلى ما يفوق 300 مليون دولار في أشهر قليلة، فكيف إن مضت الصين ومعها العديد من الدول في هذا الخيار، ومنها اليابان والسويد وبريطانيا؟ وكأني بالعملات الرقمية تجتاح العالم قريبا.

خطورة الأمن السيبراني فهل تعيق العيوب مسيرتها

أما على صعيد الأمن السيبراني وخطورته فواحدة من أعظم مميزات العملات المشفرة، أنه ما لم تكن قد فوضت إدارة محفظتك إلى خدمة طرف ثالث، فأنت المالك الوحيد لمفاتيح التشفير الخاصة بمحفظتك ولا أحد يملك سلطة لتجميدها أو تعطيلها. كذلك إن تقنيات التشفير القوية المستخدمة في جميع البلوك تشين والمعاملات التجارية المشفرة هي ضمانة ضد الاحتيال والتلاعب ولأجل خصوصية المتعاملين، وفتح آفاق جديدة في عالم العملات الجديدة البديلة للعملات التي تطبع أوراقها بلا حسيب ولا رقيب، مع تأكيدنا على خطورة استعمال البيتكوين وأخواتها وذلك لعدة دواع؛ أبرزها:

أولا: ما مِن جهة رقابية يُمكن الرجوع إليها للاحتكام في حالات الغش والنصب، حيث أن المستخدم مسئول بشكل مطلق وتام عن أمواله.

ثانيا: تُعتبر العملات الرقمية المشفرة الوسيلة الأفضل للتداولات المشبوهة، مثل المخدرات وتجارة السلاح وتبيض الأموال، فما مِن بيانات شخصية خاصة بالمستخدمين.

ثالثا: لا تستطيع الدولة أن تتقاضى أية ضرائب على العمليات التجارية التي تتم عن طريق العملات الرقمية المشفرة، ولأن الضرائب مصدر الدخل الأهم لأي دولة، فمِن المُقرر أن هذه العملات ستضر باقتصاد الدول على المدى البعيد، إضافة إلى ضربها الاقتصاد الحقيقي المتمثل بالاستثمارات الفعلية في صلب القطاعات الاقتصادية الفاعلة والمحسوسة.. (زراعة، سياحة، صناعة.. الخ).

رابعا: تُعتبر العملات الرقمية المشفرة إلى حد ما مثل سوق المضاربات، حيث أن التذبذب في سعر العملات يُسبب قلقا شديدا للغاية للكثير مِن الناس، ولا ضمانة من الخسارات الثقيلة حتى شفير الإفلاس.

خامسا: في الوقت الحالي لا يُمكن الاعتماد على العملات الرقمية المشفرة بشكلها الحالي، والذي لا بد لها من أطر تشريعية قد تفقدها الكثير من ميزاتها إن تمت.

زوال العملات.. إلى الرقمنة در!!

وكخلاصة، هل تلجأ الدول المتعثرة ومنها لبنان إلى منصات العملات الرقمية المشفرة لتجاوز أزمتها، بعد أن نالت العديد من العملات الرقمية القبول كوسيلة دفع معتمدة، لا بل أصبحت جزءا من الاستثمارات في أكبر شركات إدارة الأصول في العالم، "بلاك روك"، التي تدير تسعة تريليونات دولار، واعتمدتها "باي بال"، وأكملت نفوذها مع استثمارات شركة تسلا التي أكد الملياردير إيلون ماسك، المدير التنفيذي فيها، أن العملة الورقية في طريقها إلى الزوال، مشيراً إلى أن العملة المشفرة وسيلة أفضل بكثير لنقل القيمة من القطع الورقية.

لقد أصبحنا مجبرين ربما على السير بفكرة القائلين: في نهاية المطاف سيكون للعالم، وللإنترنت عملة واحدة، حيث أصبحنا نميل للاعتقاد بأن هذه العملة قد تكون بيتكوين أو إحدى أخواتها، وبات من المؤكدً حدوث ذلك على الأرجح على مدى عقد من الزمان، ولكن في زمن كورونا الذي ضرب الأخضر واليابس في الاقتصاد العالمي وغير أنماطه السائدة منذ اتفاقية بريتون وودز؛ ربما قد يحدث بشكل أسرع.