على وقع حرب البيانات النارية التي لم تبق ولم تذر مساء بين قصر بعبدا وبيت الوسط، جاءت دعوة رئيس الجمهورية للرئيس المكلف إلى قصر بعبدا التي لبى زيارتها للمرة السابعة عشر ولسان حال الطرفين يرمي المشكلة كل على الآخر؛ فالأول يقول للثاني: إما أن تؤلف على الفور وإما أن تعتذر وتنهي مسألة التأليف العالقة، والثاني يبلغ الأول: إما أن توقع المرسوم بحسب رغبتي وإما لنذهب إلى انتخابات رئاسية جديدة.
وبالعربي الفصيح: "يا انت بتزيح يا أنا بتزيح". وكلاهما يدرك أن أي غياب عن المشهد ينهي الحياة السياسية لأحدهما وربما لكليهما معا؛ في بلد ضاعت فيه المسؤوليات منذ انفجار المرفأ، حتى بلوغ الدولار سقوفا تهد كل سقف فوق رؤوس
اللبنانيين.
سجال الفراغ.. والناس يئنون
إن هذا السجال يجري وكأن لبنان هو بلجيكا أو سويسرا والحال بألف خير. إن الطبقة السياسية برمتها باتت منفصلة عن الواقع الاقتصادي والسياسي والمالي والنقدي حتما، حيث الدولار يحلق في السماء ويضرب كالإعصار؛ لا يردعه رادع ولا يصده مجابه ولا يقوى عليه أحد، في غياب صارخ للبنك المركزي المسؤول حسب قانون النقد والتسليف عن ضبط إيقاع سوق النقد والقطع.
لقد غدا البنك المركزي اللبناني ضعيفا أمام المافيات التي تلعب بحياة اللبنانيين ولقمة عيشهم في لعبة الاحتياطيات الأجنبية التي شارفت على بلوغ نقطة اللا عودة حيث لا دعم للسلع الرئيسية، وتاليا لا رغيف بسعر مناسب، ولا كهرباء مع بلوغ سعر الخمسة أمبيرات قرابة 500 ألف ليرة، ولا دواء بسعر مدعوم، حيث إضراب الصيدليات التي باتت على شفير الموت أو ربما في الجحيم نفسه، أما البنزين وسائر المحروقات فالحديث يطول، حيث بدأ مسلسل الارتفاع لتلامس تنكة البنزين ما يفوق 40 ألف ليرة.
إن الحديث عن المؤشرات الاقتصادية يقودنا إلى التضخم المفرط الذي بات على مشارف 500 في المئة، حيث مشاهد التدافع على غالون الزيت يحضر كل يوم، وتهديد المواطن بتفجير نفسه للوصول للسلع المدعومة بات دليلا يؤكد المؤكد: إن الطبقة السياسية كما وصفها ناظر الخارجية الفرنسية بالمذنبة تعيش خارج الزمان والمكان، حتى إن بعض العارفين يقولون إن الشعب اللبناني قد يصبح بحاجة لأساطيل تحميه من سياسييه الذين يقتلونه ببطء.
اللاعب الأقوى يبدي وجهة نظره
وبين بعبدا وبيت الوسط والانهيار القادم، حسم
حزب الله الخيارات بلغة وسطية لا تكسر أحد الرجلين، حيث قال السيد نصر الله: "لا أعتقد أن أحدا لا يريد تشكيل الحكومة، فالبعض يتهم رئيس الجمهورية والبعض يتهم الرئيس المكلف، ونفس الأمر توجه الاتهامات إلى حزب الله". وتابع: "نحن نعتقد أن الكل يريد تشكيل الحكومة، وأنا أقول إن مصلحة الجميع أن تتشكل الحكومة". وأضاف: "لا مكان للحديث عن الملف النووي الإيراني وربطه بتشكيل الحكومة اللبنانية، ولا يجوز أن نبقى وننتظر الخارج لأن الخارج لن يتمكن من معالجة هذا الأمر ما لم نعالجه نحن". وتاليا، لبنن السيد الاستحقاق برمته وعمز إلى دور مصرف لبنان وحاكمه بضرورة وقف الانهيار.
وأوضح السيد نصر الله أنه بالتجربة أن هذا الأمر لن يؤدي إلى نتيجة، فالخارج قد يناقش ويقدم بعض الأفكار، ولكن انتظار الضغوط من الخارج هذا لن يوصل إلى نتيجة، أيضا التصعيد الإعلامي لا يفيد، ووضع الزيت على النار لا يفيد، ووضع السقوف العالية لا يفيد بل يعقد الأمور. وشدد على أن "الكل يتحمل مسؤولية وعلى الكل أن يعالج هذا الأمر. نتفهم مواقع البعض مثل الرئيس المكلف بأنه لا يريد أن يكون لفريق واحد الثلث الضامن، لكن ما لا نتفهمه هو الإصرار على 18 وزيرا، لأن البعض يعتبر أن هدف هذا الأمر هو الإقصاء والإلغاء". وتابع أنه إذا سرنا بهذا الأمر نطمئن الجميع، ولذلك إذا كانت هذه النقطة سيعاد النظر فيها فهذا قد يشكل مدخلا لمعالجات معقولة تخرجنا من الطريق المسدود للملف الحكومي، غامزا إلى أننا قادمون لحلول دستورية وربما إلى أبعد من ذلك. ولكن السؤال: هل ينفع ذلك في زمن الرؤوس الحامية والأزمات المستفحلة؟
اللغة نفسها والخلاف قائم
لقد زار الرئيس الحريري بعبدا وخرج قائلا: "سنبحث مع عون مجددا تسريع تشكيل الحكومة"، مضيفا: "هناك اجتماع مرتقب الاثنين المقبل مع الرئيس". وأشار إلى أن اجتماع الاثنين يهدف إلى الوصول إلى تصور واضح عن الحكومة. ثم غرد مجددا: "الاجتماع اليوم للتخفيف من الاصطدام وتهدئة الأمور وسأبقى صريحا، والآن هناك فرصة تجب الاستفادة منها". ولكنه أردف متمسكا بتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، وأن الهدف وقف الانهيار وكأني به يلفت إلى المبادرة الفرنسية التي انطلق ترشيحه من رحمها، إضافة إلى تلميحه إلى البيان الصادر عن الخارجية الروسية بعد لقاء وفد حزب الله، حيث أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن اجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وفد "حزب الله" اللبناني ركز على ضرورة تشكيل حكومة لبنانية جديدة برئاسة
سعد الحريري.
وجاء في بيان الخارجية الروسية أن وزير الخارجية "سيرغي لافروف جدد التأكيد على موقف روسيا الثابت الداعم لسيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه". وشدد على ضرورة حل القضايا المستعصية على الأجندة الوطنية من خلال حوار واسع، بمشاركة ممثلين عن كافة الطوائف الرئيسية في المجتمع اللبناني، حصرا في الفضاء القانوني ودون تدخل أجنبي. وأضاف البيان: "وفي نفس الوقت تم التركيز على تشكيل حكومة جديدة بأسرع ما يمكن برئاسة سعد الحريري؛ قادرة على ضمان خروج لبنان من الأزمة المنهجية".
من هنا إلى الاثنين سيبقى اللعب بوتر الدولار في السوق الموازية، ويبقى اللبناني ينام ويستيقظ على سعر الدولار الذي بات السؤال رقم واحد، وعليه بات لبنان وتأليف حكومة انتشال الاقتصاد والمالية وتاليا حياة اللبنانيين للأسف كورقة لوتو أو يانصيب يتقاذفها السياسيون. وكما يحكى في الحديث الشعبي اللبناني عن بورصة أرقام اللوتو: "إذا ما زبطت الخميس بتزبط الاثنين"..!!
ولكن ماذا بعد الاثنين إذا استمرت ريما في عادتها القديمة؟!! هل يحضر التدويل؟