بعد نجاح تعويم سفينة الحاويات البنمية الجانحة
بقناة السويس، فجر الاثنين، وبعد أسبوع من غلق المجرى الملاحي الأهم عالميا؛ كان
لافتا غياب
الجيش المصري، وقادته، ومعداته، والقوات البحرية، والهيئة الهندسية، عن
الأزمة.
عدم حضور أي قائد عسكري لموقع الأزمة، وغياب
لنشات ورافعات القوات البحرية بعمليات التعويم رغم صعوبتها والوقت الطويل الذي
استغرقته، وعدم مشاركة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة القائمة على آلاف المشروعات
في الأزمة؛ جميعها أثارت التساؤلات.
إخفاق إعلامي
وفي السياق ذاته، وخلال تلك الأيام الصعبة التي
عاشتها مصر وسلطت فيها الصحافة العالمية وقادة العالم حديثهم حول الأزمة، لم يظهر
الإعلام المصري بالصورة التي كان يجب أن يظهر عليها، وغيَّب الحقيقة وقلل من حجم
الأزمة دعما للنظام العسكري الحاكم وفق العديد من المراقبين والمعلقين.
وبالعودة لعام 2013، فقد هاجمت تلك الصحف
والقنوات بشدة مشروع الرئيس الراحل محمد
مرسي، لتطوير
قناة السويس؛ لكن الإعلام
ذاته اعتبر مشروع السيسي، حفر تفريعة القناة إنجازا تاريخيا يوازي إنجاز أسرة محمد
علي، بحفر القناة بالقرن 18.
وطالما وجه الإعلام المصري الانتقادات لمرسي، وبقي
مسلطا الضوء على الأزمات ومقللا من قيمة أي إنجاز أو مشروع وينشر الشائعات التي
كان من بينها بيع قناة السويس لدولة قطر.
وهي الحالة التي اعترف بها الإعلامي عمرو أديب،
في حزيران/ يونيو 2020، بمعرض حديثه عن تشكيك الإعلام الأمريكي بالرئيس دونالد
ترامب، مؤكدا أن "هذا ما كنا نفعله بتصيد الأخطاء لمرسي والسخرية منه، والتقليل من
شأنه، وهز صورته، والبحث عن الثغرات".
وهو ما أكده الإعلامي مصطفى بكري بقوله على
مرسي، في آذار/ مارس 2018: "لبسناه في الحيط".
وبمجرد إعلان مرسي، مشروع تطوير قناة السويس
كانون الثاني/ يناير 2013، لعب الإعلام المصري دورا في التشكيك في المشروع وخرجت
الصحف بعناوين مثل: "الوفد تنفرد بنشر وثيقة قطرية سرية للسيطرة على اقتصاد
مصر".
أشد الانتقادات لمشروع مرسي، جاءت على لسان
الصحفي مصطفى بكري، الذي قال 14 آيار/ مايو 2013، إن مرسي، أطلق على المشروع
"تنمية إقليم قناة السويس"، وأن مصطلح "إقليم" يعني الانفصال،
وأن هذا تنفيذ لمخطط برنارد لويس؛ لتقسيم مصر إلى 4 دويلات.
وفي المقابل، لم يوجه الإعلام المصري أو بكري
أي انتقادات لأزمة القناة، بل أشاد بنجاح التعويم بعد 7 أيام من غلق القناة.
الباحث والمؤرخ منصور عبد الله محمد، قارن بين
الإعلام المصري زمن الرئيس مرسي وبين تعامله مع أزمة القناة وغيرها بعهد السيسي.
"للعروض المسرحية"
وفي رؤيته لأسباب غياب الجيش وقادته ومعداته
وقواته البحرية عن أزمة قناة السويس رغم حضوره بالكثير من الأزمات سابقا، قال رئيس
المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل: "في الأزمات
الحقيقية لا يمكن أن ترى معدات الجيش، فتلك المعدات موجودة للعروض فقط".
ضابط الجيش المصري السابق، أضاف في حديثه
لـ"عربي21"، أنه "لا توجد أزمة واحدة حقيقية وجدناه فيها، ففي أزمة
كورونا لم نجده؛ فقط وجدناه في العرض المسرحي الذي أقيم في البداية، ومن الضروري
إدراك ذلك".
وفي تقديره لأسباب ترك السيسي المدنيين في
الأزمة بدون معاونة من الجيش رغم فداحة الأزمة والخسائر الناتجة عنها، أوضح أنه
"في أزمة القناة الأخيرة من تحرك هم المدربون على هذا العمل، ربما ليسوا على
المستوى المطلوب لا أعلم، ولكنهم بالتأكيد أفضل من فرق الجيش المسرحية".
وجزم السياسي المصري بأننا "لا نعلم حتى
الآن هل حلت المشكلة كاملة أم لا؛ وأداء الجيش المصري لن يفيد بل ربما يعقد الأزمة
ويقلب السفينة بالقناة، لذلك لم تجده ولن تجده".
وحول تغطية الإعلام المصري على فشل النظام خلال
أزمة السفينة البنمية رغم انتقاداته واتهاماته لمشروع الرئيس الراحل محمد مرسي حول
قناة السويس، قال عادل: "الإعلام المصري يمكن تسميته بالمتحدثين الرسميين
للمؤسسات المصرية".
وختم حديثه بالقول: "ومع ضحالة قدرة المؤسسات
وفسادها يصبح ظهور الإعلام بهذه الصورة الفاضحة أمرا طبيعيا وغير مستغرب، ولا
تتوقع من الإعلام المصري شيئا مختلفا حتى ينتهي النظام العسكري الحاكم".
"إخفاء متعمد"
وفي رؤيته قال السياسي والبرلماني السابق ممدوح
إسماعيل، في حديثه لـ"عربي21": "ظهر واضحا منذ اللحظة الأولى
لمشكلة السفينة العالقة فشل منظومة القناة بمواجهة الحدث".
وأضاف أنه "على غير العادة لم يظهر الشكل
العسكري بالواجهة، ولكن الحقيقة أن ذلك كان بسبب أن العالم كله بدون استثناء يتابع
الحدث؛ لذلك تم إخفاء العسكر من الواجهة رغم أنهم من يديرون كل شيء".
إسماعيل، أشار إلى "وجود حكومة ظل داخل
الجيش المصري تتابع وتدير كل وزارة ومؤسسة ولكن ظهورهم العلني بأزمة القناة كان سيؤكد للعالم عسكرة مصر".
وعن الإعلام، قال عضو مجلس الشعب السابق:
"لا يخفى على أحد أنه أحد أدوات العسكر، وأنه فرقة عسكرية استخدمها العسكر
بنجاح بعام حكم الدكتور مرسي، للنفخ بأقل مشكلة ويجعلونها قنبلة ذرية".
وتابع: "أما بحكم عسكر الانقلاب، ورغم
مرور 7 سنوات إلا أن فرقة الإعلام تعمل على التهوين من كل مصيبة رغم وضوح الفشل
والفساد، ولكنهم يستغلون الضغط الإعلامي وسياسة (جوبلز): إكذب حتى يصدقك
الناس".
"غياب مُتفهم"
من جانبه، أكد عضو المكتب السياسي بالجبهة السلفية
والباحث المصري أحمد مولانا، أن "عدم
مشاركة الجيش والقوات البحرية والهيئة الهندسية متفهم؛ لأن الحادث ووجود سفينة
بهذا الحجم ليس لديهم أدوات للتعامل معها".
وقال لـ"عربي21"، إن "حل الأزمة
مرتبط بوجود قاطرات بحرية، ولدى هيئة القناة بعضها والتي حاولت ولم تنجح، فتم
الاستعانة بقاطرة هولندية".
وأشار إلى أن "معظم قيادات هيئة قناة
السويس المخولة بالتعامل مع هذه الأزمة؛ هم من القوات المسلحة، وقائداها الحالي
والسابق كانا قائدي القوات البحرية".
ويعتقد أنه "عمليا النظام لم يفشل في
الأزمة، ولكنه فشل في الشفافية الإعلامية والتستر الإعلامي في الإعلان عن الحادث
والتعامل بوضوح، وهذا مكمن الخلل".